أخبار عاجلة

الفساد.. في يومه العالمي..!

Print Friendly, PDF & Email

 

 يصادف يوم السبت المقبل التاسع من ديسمبر اليوم العالمي لمكافحة الفساد، الهدف منه إذكاء الوعي بأهمية محاربة الفساد، وكسر قيده، وتوضيح أثره على حقوق الإنسان وانتهاكها والإطاحة بمصداقية القانون والمساواة والعدالة الاجتماعية، وتبيان مدى دوره في تهيئة البيئة المناسبة للفقر والارهاب والجريمة وما يمس أمن المجتمعات والدول والحكومات، فبوجوده كل جهود البناء تذهب هباء، ولا تقوم أي قائمة في ظل الفساد، ولن يتحقق أي نجاح للإرادات الساعية للإصلاح والتنمية في أي بلد، وهناك من عدّ الفساد بأنه الطابور الخامس الحقيقي، وخنجر في ظهر أي نظام، والعدو الأول للشعوب، وقيل بأنه في ظل الفساد تتحول السلطة من إدارة الدولة الى إدارة مبيعات، إدارة ثابتة، راسخة، مطمئنة..
احتفالية هذا العام تأتي على وقع عدة أحداث جرت مؤخراً، القاسم المشترك فيما بينها محاربة الفساد وأخلاقيات الأعمال، والعزف على أوتار المساءلة واخواتها، بدءًا بما جرى ويجري في السعودية تحت يافطة الحرب على الفساد وتشكيل لجنة عليا لمكافحة الفساد، مروراً بخبر القبض في بريطانيا على المدير الأسبق للمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية الكويتية تمهيدًا لتسليمه الى بلاده الكويت، وهو المتهم في واحدة من أشهر قضايا الاختلاس وخيانة الأمانة وإساءة الادارة وغسل
الأموال، وانتهاء بخبر محاكمة الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي لتورطه في قضايا فساد مالي وإداري، ثم خبر انتحار مسؤول صيني كبير متهم بالفساد وتلقي رشاوى، دون أن يتمكن من توضيح مصدر ممتلكات باهظة الثمن، تلك أمثلة ليس إلا لوقائع هي الأصدق من الخيبة..!.
الفساد موجود في كل مكان، في الفكر والتطبيق، في الهدف والأسلوب في الإدارة، في السياسة والمنطق، في أساس البناء، في المقاول والمتعهد والحكومات، وحتى في مجالات الرياضة والثقافة والفنون، ومؤسسات المجتمع المدني، وأسوأ ما في ملف مزاعم اجتثاث الفساد في العديد من البلدان أن ما يجري فيها لا يتجاوز كونه إعادة إنتاج الفساد وهندسته بلون آخر.. أي محاربة الفساد بفساد آخر، أوطان نكبت بالفساد، وبقادة فاسدين يتحدثون عن الفساد وكأنهم أنقياء منه، ومجالس نيابية هي أعجز من القيام بأي دور حقيقي في محاربة الفساد، وبرلمانيين لم تفرزهم انتخابات حرة ونزيهة، منهم جاءوا عن طريق رشوة الناخبين، او لكونهم جزءًا من منظومة الفساد، وفاسدين يفترض أنهم يحملون لواء الدعوة لمحاربة الفساد فيما هم إما حصيلة واقع فاسد، وإما مستفيدون منه، او من حراسه وحتى من رموزه، وقوى سياسية فاسدة، وفاسدون يستظلون بالدين او ببعض الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني، وفاسدون يمارسون البطالة بأجر من مكاتبهم، يتخذون من الرشاوى وتعطيل مصالح الناس وجعل تخليص أي معاملة رحلة معاناة اذا لم يدفع المواطن او التاجر او المستثمر من فوق وتحت الطاولة، وفاسدون ألفناهم يتحدثون عن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فيما هم يلبسون الحق بالباطل، فاسدون يظهرون في كل مجال وميدان يمارسون الفساد بشكل او بآخر، ومنهم بارعون بامتياز الى حد أن ضحايا الفساد لا يشعرون بوقوع فساد عليهم، والطامة الكبرى أن ثمة من يصفق للفاسدين وينتظر منهم أن يحاربوا الفساد.
لو حاولنا تتبع كم نظّم في المنطقة العربية من مؤتمرات وورش عمل وندوات ودورات ودراسات واتفاقيات وبحوث تحت عناوين مثل مكافحة الفساد، النزاهة والشفافية والحكم الرشيد، بالإضافة الى تلك التي عزفت على وتر الحوكمة، والمساءلة والإصلاح السياسي والاقتصادي، والتي تصرف عليها أموال طائلة، لوجدنا أننا لازلنا نراوح وندور في الأطر النظرية، وأن المواجهة الفعلية للفساد لم تبدأ بعد في هذه المنطقة العربية التي بحسب أحد التقارير الدولية خرج منها ثلث الفاسدين في العالم، وجزء كبير من العالم الاسلامي، وهو أمر يستحق من كل جهات الرصد والبحث والاختصاص تحليل ودراسة أسباب ذلك، وإن كانت الأسباب والتداعيات جلية واضحة، بدءاً من التخلف الحاد في التنمية، والتعليم، مروراً بانتشار المحسوبيات والعمولات والرشوة، او جعل مكافحة الفساد مجرد شعارات، او ملاحقات اعتباطية ذات أهداف سياسية، وقيام شبكة منتفعين مهيمنين على الكثير من مفاصل هذه الدول، التي عانت ولا تزال تعاني من مشكلة عدم الاعتراف بوجود فساد، فيما هو – واقعاً – تمتد جذوره الى الأعماق وضارب بجذوره في مفاصل شتى، ولم يعد غريباً والحالة هذه أن نجد في بعض الدول العربية من ذهب الى حد المطالبة بالتصالح مع من ارتكبوا جرائم فساد وكسب غير مشروع مقابل استعادة الأموال المنهوبة، وكأن هناك من يطالب الفاسدين بالتكفير عن ذنوبهم، ولم يبقَ إلا رعايتهم وحمايتهم، وهنا علينا التذكير بالمظاهرات الحاشدة التي خرجت في أكثر من بلد عربي منددة بمحاولات «شرعنة» وجود الفاسدين، حاملة شعار «الشعب يريد إسقاط الفساد»..!!
إن أي محاربة فعلية للفساد لا يمكن أن تتم بعيداً عن منظومة متكاملة من الإجراءات أهمها الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان وسيادة القانون، لأن محاربة الفساد تأتي ضمن هذه المنظومة، ولا يمكن أن تنجح خارجها، ومتى ما استمر شفط الثروات والمداخيل والأراضي، واستغلال المواقع، وقبض العمولات والسمسرة، ونيل الرشى في العقود والمقاولات، وتغييب الشفافية، وظلت الاستثناءات، والمحسوبيات، واستمر تحصين أصحاب الظهور المحمية واليد المطلقة للسلطة، وغيبت الحقوق المتساوية بين الناس، وظل الباب مغلقاً أمام استحقاق المساءلة الجدية، واستمر الحديث عن الفساد بالمطلق بشكل لا يؤدي الى نتائج، وبقيت البيئة الصالحة للفساد، وبَقي التردد في تسمية الأشياء بأسمائها والمسؤوليات بأصحابها، فإننا سنبقى كمن يحارب الفساد بالفساد..!!.
ثمة شيء أخير أحسب أنه من المهم قوله، إن شكل التعاطي مع التقرير الجديد لديوان الرقابة المالية والإدارية في هذه الأيام او الأيام المقبلة كفيل بأن يعطي مؤشراً على ما اذا كان أوان الجد، وأوان المحاسبة كذلك قد آن، أم سنكتفي بحالة «الردح» المعتادة، التي تجعلنا نعيش واقعاً يراوح بنا، واقعاً بالنهاية يجعل الجميع مدانين تحت النظر والطلب، وبمعنى أدق شركاء للفاسدين في فسادهم..!.

جريدة الايام البحرينية العدد 10467 الثلاثاء 5 ديسمبر 2017 الموافق 17 ربيع الأول 1439

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.