Skip to main content

الوسط – أماني المسقطي

دعا الناشط الحقوقي عبدالنبي العكري، لتشكيل تحالف حقوقي بحريني من أجل مطالبة الحكومة البحرينية بالتوقيع على اتفاقية روما للمحكمة الجنائية الدولية. وفي مقابلة أجرتها «الوسط» مع العكري، بالتزامن مع مرور عشرة أعوام على إنشاء المحكمة الجنائية الدولية، في يوليو/ تموز 2002، عندما دخل قانون روما للمحكمة الجنائية الدولية حيز التنفيذ، أرجع العكري الإخفاقات التي مرت بها المحكمة الجنائية منذ أن تم إنشاؤها، إلى وجود هوة كبيرة بين الالتزام القانوني والإرادة السياسية للدول التي وقعت على نظام روما للمحكمة الجنائية.
وفيما يأتي نص المقابلة مع الحقوقي عبدالنبي العكري:
ما الذي حققته المحكمة الجنائية الدولية على مدى عشرة أعوام منذ تأسيسها؟
– تمكنت المحكمة الجنائية الدولية من التحقيق مع بعض مجرمي الحرب، كالرئيس السابق لليبيريا، وهو من أبرز الذين حكم عليهم مدى الحياة، كما أن هناك ملاحقة قضائية بحق بعض الأشخاص، كالرئيس السوداني عمر البشير، لأنه يجب أن يتم تسليمه من قبل دولة إلى المحكمة أو أن تلقي دولة ما القبض عليه ومن ثم يتم تسليمه للمحكمة.
ماذا عن الاخفاقات التي مرت بها المحكمة الجنائية؟
– الاخفاقات كبيرة جداً، لأن هناك هوة كبيرة بين الالتزام القانوني والإرادة السياسية للدول التي وقعت على نظام روما للمحكمة الجنائية، وخصوصاً أن نحو ثلثي دول العام غير موقعة على الاتفاقية، إذ إن عدد الدول الموقعة يبلغ نحو 70 دولة، وهناك دول مهمة غير موقعة عليها، كأميركا وإسرائيل والصين.
كما أن هناك محدودية في رفع الدعاوى، فرفع الدعوى يكون إما من قبل دولة هي عضو في المحكمة، أو بقرار من مجلس الأمن، أو قرار من النائب العام.
وهناك عقبات كثيرة أمام النائب العام في رفع الدعوى، فليس من حق الضحايا في بلد ما أن يرفعوا دعوى قضائية إلى المحكمة الجنائية، فالشعب الفلسطيني على سبيل المثال، كانت هناك أكثر من محاولة لرفع قضيته إلى المحكمة الجنائية، وخصوصاً في الحرب الأخيرة على غزة، ولكن هذه المحاولات تم إحباطها حين تم تشكيل لجنة تحقيق خاصة من الأمم المتحدة، لأنها مرهونة بالدولة نفسها أو بقرار من مجلس الأمن أو المدعي العام.
وبالتالي فإن هناك ضوابط وقيود واضحة أمام المدعي العام في تقديم الدعوى، وخصوصاً أنه يجب أن تكون هناك موافقة من قبل 5 من 7 قضاة على قرار المدعي العام بالنظر في الدعوى.
ولذلك، فإن الإخفاقات انعكست سلباً على أداء المحكمة الجنائية الدولية، إذ إن غالبية مجرمي الحرب والجرائم ضد الإنسانية، مازالوا في مأمن من ملاحقة المحكمة، ويمكن القول إن هذه المحكمة وحتى الآن لا يوجد لها «أسنان» لتمارس دورها الفعال.
وعلى الرغم من الاتهامات التي وجهتها المحكمة إلى البشير، إلا أنه في أحد المؤتمرات الأخيرة التي كان من المقرر أن تستضيفها زامبيا، أعلنت رئيسة المؤتمر أنه سيتم اعتقال البشير في حال حضوره المؤتمر، وهو ما حدا بتحويل مقر المؤتمر إلى أديس أبابا حتى لا يتم اعتقاله. وهنا تبرز مشكلة أن المتهمين من قبل المحكمة الجنائية الدولية، يدعمون بعضهم بعضاً حتى لا تتم محاكمتهم.
من خلال تجربة الشعب الفلسطيني التي أشرت إليها، ألا تعتقد بأن دور الأمم المتحدة ربما يحبط أو يتعارض مع دور المحكمة الجنائية الدولية؟
– أحياناً ليس كل ما تقوم به الأمم المتحدة يتماشى مع إرادتها أو سياستها، وحتى في قضية غزة، وعلى الرغم من الأمور التي تحققت والقرارات التي اتخذت، إلا أنه لم يجرِ تنفيذها على أرض الواقع، ومازال هناك استهداف كبير للمدنيين من قبل الجيش الإسرائيلي، و»إسرائيل» نفسها لم تعاقب أياً من ضباطها الذين قاموا بجرائم حرب.
بحسب نظام روما، فإن المحكمة الجنائية الدولية، لا يممكن أن تقوم بدورها القضائي ما لم تبدِ المحاكم الوطنية رغبتها أو كانت غير قادرة على التحقيق أو الادعاء ضد تلك القضايا، ألا تعتقد أن ذلك يحد من نشاط المحكمة الذي أنشئت من أجله؟
– هذه قاعدة مقبولة في القانون الدولي، حتى في الأمم المتحدة لا تقبل دعاوى التعذيب ما لم تستنفد محلياً، وذلك من أجل تشجيع القضاء المحلي على أن يقوم بمسئوليته، وحتى لا تغرق المحاكم الدولية بهذه القضايا، و3حتى التحكيم التجاري يقتضي ذلك أيضاً.
ولكن من السهل في كثير من البلدان إثبات عجز أو عدم رغبة القضاء في القيام بمسئولياته وإحقاق العدالة، وفي البحرين مثلاً، الأجهزة القضائية غير قادرة أو غير راغبة بالتحقيق الجدي في قضايا القتل خارج نطاق القانون أو قضايا التعذيب وإنصاف الضحايا كما هو واضح.
ما رأيك في الخطوات التي قام بها التحالف البحريني لدعم المحكمة الجنائية الدولية الذي أسسه عدد من الناشطين في العام 2005؟
– لم يتمكن التحالف من تحقيق شيء على أرض الواقع، وكان هدفه حث حكومة البحرين على التصديق على اتفاقية روما، ولكنه لم ينجح في ذلك.
وأنا أرى أنه على التحالف أن يواصل عمله، أو إعادة تشكيل تحالف حقوقي جديد من أجل مطالبة الحكومة البحرينية بالتوقيع على اتفاقية روما للمحكمة الجنائية الدولية.
ما أهمية التوقيع على الاتفاقية؟
– التوقيع على الاتفاقية يشكل التزاماً سياسياً وأخلاقياً من قبل الدولة المعنية بمنع ومعاقبة جرائم ومجرمي الحرب والجرائم ضد الإنسانية بما فيها جرائم التعذيب، كما أنها تشكل رادعاً أمام أي شخص يفكر في ارتكاب هذه الجرائم ألا يقدم عليها، كما أن الدولة في هذه الحالة عليها أن تؤمن قضاءً مستقلاً ونزيهاً وقادراً على أن يطال المجرمين وإلا ستحال القضايا للمحكمة الجنائية الدولية.
والملاحظ أن هناك ثلاث دول عربية فقط، هي جيبيوتي والأردن وجزر القمر صدقت على الاتفاقية، وباقي الدول العربية غير مصدقة، والمنطقة العربية هي الوحيدة في العالم التي العدد الأكبر منها غير مصدق على الاتفاقية، ودائماً ما نسمع حجة أن على «إسرائيل» أن توقع أولاً على هذه الاتفاقية، وذا كانت «إسرائيل» دولة لا تلتزم بأخلاقيات القانون الدولي الإنساني، فلماذا الاقتداء بها؟.
وطبيعة غالبية الأنظمة العربية واضحة للجميع، ولذلك لا نتوقع لأغلبها أن تغامر وتنضم للاتفاقية من أجل ملاحقة كبار المسئولين فيها.
والبحرين مثلها مثل باقي الدول العربية، لا ترغب أن تضع نفسها تحت المساءلة الدولية، وسياسة الإفلات من العقاب هي أكبر العقبات التي تواجه مملكة البحرين منذ عقود، والتي أكدها أخيراً تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق.
ولكن ما مدى فاعلية المحكمة الجنائية الدولية، في حال كانت الدولة ذاتها شريكاً في الجرائم التي تدينها هذه المحكمة؟
– هنا يأتي دور مجلس الأمن، الذي يمكنه إحالة القضايا للمحكمة، مثلما حدث حين تمت إحالة البشير إلى المحكمة.
والمشكلة أنه ما دام الشخص المسئول عن الانتهاكات موجوداً في موقعه، فلا أحد يسائله، ولكن حين يغادر موقعه تتم محاكمته، ولذلك نادراً ما يحاكم رؤساء دول، ودائماً ما يخرج عفو رئاسي عن المتسببين في الجريمة، مثلما حصل حين وضع بوتين حصانة ليلتسين، ومثلها فعل الرئيس الأميركي باراك أوباما لإحباط محاولات محاكمة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش عبر المحكمة بسبب الإجراءات التي اتخذها في حربه على الإرهاب. فهذه مشكلة بين المثاليات والأخلاق، ووسائل الحكم كجزء من سيطرة الحكم على الاستمرارية، لا أحد من الحكام يريد أن يقوم بسابقة حتى لا تطبق عليه، وهذه مشكلة. ولذلك فإننا نرى أن الآلاف يجب أن يقدموا إلى هذه المحاكمة، ولكن لا إرادة سياسية للدول لتنفيذ ذلك لأنهم لا يريدون أن تكون هناك سابقة.
ولكن هذا لا يقلل من أهمية المحكمة الجنائية الدولية، وهي تطور مهم في القانون الدولي، وفي السابق كانت تشكل محاكم بإرادة الحلفاء المنتصرين على المهزومين، لذلك كانت بمثابة محكمة لكتلة سياسية معينة، فهي تحالف ضد جهة ما مهزومة.
أما هذه فهي مؤسسة الهدف منها الإنسان لا دولة معينة، إذ إنها تسعى لحماية الإنسان من التعسف في أي مكان، وهذا لا يعني أن الأمور ستظل ساكنة، مثلما حدث لمجلس حقوق الإنسان الذي بدأ بالتحرك الجدي للتعامل مع انتهاكات حقوق الإنسان بعد طول سبات.
ما الفرق بين صلاحيات المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية؟
– محكمة العدل الدولية تختص بالنظر في القضايا التي تقع بين دولة وأخرى، وخصوصاً تلك التي تتعلق بالحدود، والتمييز ضد دولة معينة، أو خلافات دولية، ولذلك فهي محكمة مدنية في حين أن الأخرى هي محكمة جنائية.
هل ترى أنه بإمكان دول «الربيع العربي» أن تحيل المسئولين عن وقوع الضحايا فيها إبان الثورات التي شهدتها هذه البلدان للمحكمة الجنائية الدولية؟
– أعتقد أنه من الأفضل لهذه الدول أن تحاكم المجرمين في داخل حدودها، لأن لجوء هذه الدولة للمحكمة الجنائية الدولية، يعني أن القضاء لديهم غير كفؤ وغير قادر، وهذه الإجراءات تطول كثيراً ومكلفة كثيراً بالنسبة للدول، ولكني أعتقد أن هذه الدول هي التي يجب أن تقود هذه المحاكمات، كما يحدث الآن من محاكمات في تونس ومصر، ومن الممكن أن تكون هناك تسوية من خلال وجود مراقبين من المحكمة الجنائية الدولية في هذه المحاكمات.

صحيفة الوسط البحرينية – العدد 3594 – الثلثاء 10 يوليو 2012م الموافق 20 شعبان 1433هـ
http://www.alwasatnews.com/3594/news/read/686843/1.html