Skip to main content

تبدأ صباحك بمطالعة صحف الصباح بعد أن تابعت بعض ما جاء فيها على «الأونلاين»، فتصفح الصحيفة الورقية لها طعمها أيضاً وخصوصاً على فنجان قهوة الصباح، ممنياً النفس بفسحة من المتعة، ولكن هيهات!

صحف تتشابه «مانشيتاتها» ومواضيعها، وكأن هناك يداً خفيةً تملي على رؤساء التحرير والمحرّرين ما يتوجب أن يبرزوه. والمانشيتات إما أخبار تمجيد من جهة، أو تعظيم لإنجازات، أو تضخيم لأحداث، وعلى العكس قد تكون فبركة لأخبار أو هجوماً شنيعاً على المعارضة أو تشويهاً لسمعتها، وينطبق الأمر على المجتمع المدني المستقل.

وإذا أتينا إلى تفاصيل ما يُعرف بالرواية الصحافية، فإنها باستثناء الروايات لمواضيع خارجية نسبياً، فإنها بمعظمها لا تستند إلى التغطية المتوازنة ولا التحريات الدقيقة، بل تستند بمعظمها للرواية الرسمية سواء من تصريحات المسئولين أو أجهزة الإعلام الرسمية. يجرى نقل هذه التصريحات والمعلومات من دون تمحيص أو لا يسأل المتحدث الرسمي بأسئلة تقصّي، بل يكتفى بنقل ما يقول كما هو. وإذا أتينا إلى صفحات الرأي وأعمدة المحررين أو المساهمين من خارج الصحيفة، فهي بمعظمها تتمحور حول قضايا محدّدة ومتكرّرة للمرة الألف، لا نجد فكرة جديدة ولا إبداعاً ولا تغييراً. أضحى كتاب الأعمدة كل من هب ودب من قليلي الموهبة، مداحين وهجائين. مداحون لأصحاب السلطة والمال، وهجاءون للمعارضين وأصحاب الرأي الآخر. وأضحى معظمهم يكرّر نفسه ويلوك الكلام ذاته، بحيث لو قرأت له في الموضوع ذاته قبل سنوات وقرأت له اليوم لما اختلف شيئاً، حتى المفردات والتعبيرات والجمل مكرّرة للمرة المليون.

وعندما تقرأ ما يُعرف بمواضيع التحقيقات أو ما يفترض أن يكون «صحافة استقصائية»، فإنها بمعظمها موجّهة مسبقاً. وتستهدف المقابلات أو تقصي الحدث إثبات فكرة محددة سلفاً، تتمحور في تعظيم الإنجازات، وتجريم المعترضين، وتشويه صورة الخصم. إنها بمعظمها لا تستهدف عيّنةً تعكس التنوع، بل تستهدف عينة منتقاة مسبقاً، لا تعرض وجهات نظر مختلفة، بل وجهات نظر متناغمة.

لكن الأدهى هو كمّ الأكاذيب التي تزخر بها هذه الصحافة، فهي لا تتورع عن فبركة الأخبار والقضايا، وتشويه الوقائع والتصريحات والأحاديث بما في ذلك تلك الصادرة عن جهات خارجية، يمكن الرجوع إلى أصولها.

لا تفكّر في أن ترسل تصحيحاً لهذه الصحف فهي صماء بكماء، وستمتنع حتماً عن نشره! ولا تفكّر في رفع قضية تشويه سمعة، فستنتهي مداناً. أما الوجه الآخر لانحياز هذه الصحف فيتمثل في حجبها لنشاطات المعارضة ومنظمات المجتمع المدني المستقلة والشخصيات الأكاديمية والثقافية والفنية والمجتمعية المغضوب عليها، فهي تعمد إلى التعتيم الشامل عليها، وفي المقابل تُسهب في تغطية النشاطات الرسمية والموالية وتبرز فعاليات وتصريحات المسئولين والسياسيين والأكاديميين والمثقفين والوجهاء الموالين.

لكن الأخطر من كل ذلك، هو حملة الكراهية والتسقيط والشيطنة التي تقوم بها هذه الصحافة في تعاطيها مع المختلفين مع السلطة، وبالتالي المختلفين معها، بمختلف التجليات، بما في ذلك تشويه تاريخها، وفبركة معلومات مضللة عنها، وتشويه أفعالها وأقوالها بل والخوض في خصوصيتها، ووصمها بالعمالة أو الطائفية أو التطرف أو عدم الولاء الوطني… أو كل تلك مجتمعة. ولا تستغرب إذا ما وصف ناشط سياسي أو مجتمعي علماني بالتعصب المذهبي والعمالة لدولة دينية! لا غرابة أن تنشر فبركات ضد الوفد الحقوقي البحريني في جنيف من أنه يسكن في فنادق الخمس نجوم وينتقلون بسيارات «ليموزين» لدولة أجنبية معادية ويسهرون في «الكباريهات»، فيما هم يسكنون فنادق متواضعة ينتقلون بالحافلات ويصرفون من جيوبهم على مهماتهم الإنسانية النبيلة.

أما الأخطر في استراتيجية هذه الصحافة، فهو شقّ صف الشعب العربي الأصيل، وذلك بتسعير الخلافات الطائفية والنفخ في الاختلافات المذهبية، بتصوير الفئة الأكبر من الشعب بالضالة، والطعن في معتقداتها، ومرجعيتها الدينية، وتقاليدها الإسلامية، واختزال الإسلام في الإسلام الموالي. لكن هناك حيّزاً لمدّعي العلمانية في هذه الصحافة حيث العلمانية بالنسبة لهم هي الحرية الاقتصادية والحرية السلوكية، لكن العلمانيين المطالبين بالدولة المدنية والمواطنة والمساواة والديمقراطية الحقة، هم أتباع «ولاية الفقيه»! وهم يستهدفون بناء دولة دينية، ولا عزاء لمعتقداتهم ونضالاتهم على امتداد عقود، ولا برامجهم المعلنة ولا تنظيماتهم اليسارية.

صحافة «الريموت كنترول» معروفٌ من يوجّهها، فهناك تقرير مثير للجدل يوضح ذلك بجلاء، بدءاً بإنشاء الصحف، واختيار عناصرها وتمويلها وترويجها، ولذا لا فائدة من الجدال مع أصحابها، والأفضل هو تجاهلها والتركيز على ما يفيد الناس من بدائل. وعلى رغم أنها محدودة في الصحافة المكتوبة، إلا أنها متاحة في الفضاء الإلكتروني على رغم القيود والعقوبات، والذي أضحى المصدر الرئيسي الموثوق للمواطنين، على رغم امتداد صحافة التطبيل إليه.

«صحافة الهذر» هو التوصيف لصحافة «الريموت كنترول»، وهو الذي دفع البحرين التي شهدت ريادة الصحافة الوطنية في الخليج، إلى أسفل السلم على مقياس الصحافة الخليجية، حرفيةً وصدقيةً وتأثيراً. إنها صحافة رجع الصدى والترويج وليس صنع الحدث كما يليق بصحافة القرن الحادي والعشرين. ولا غرابة أن تصنف البحرين في قائمة الدول التي تنعدم فيها الحرية الصحافية واضطهاد الصحافيين والإعلاميين، ومراقبة الفضاء الإلكتروني بما في ذلك سجن مواطنين لتغريدة أو النشر على «البلوغر» وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي.

عبدالنبي العكري
صحيفة الوسط البحرينية – العدد 4506 – الخميس 08 يناير 2015م الموافق 17 ربيع الاول 1436هـ

http://www.alwasatnews.com/4506/news/read/951060/1.html