Skip to main content

شدا عازف الربابة: ويا مصر يا أم العجايب/ ويا مصر يا أم الدنيا واللي ما شافكش يا مصر/ ما عرف حاجة مع الدنيا. وفعلاً مصر هي أم الدنيا، وهي بلد العجائب.

كنت في القاهرة لحضور المؤتمر العربي حول الديمقراطية والانتخابات في العالم العربي، حيث عقد في فندق هيلتون رمسيس، أي في وسط البلد. ومنذ مغادرة المطار عبر شارع صلاح سالم حتى الوصول إلى الفندق بساحة الشهيد عبدالمنعم رياض والمطل على النيل العظيم، لا تخطئ العين أن مصر تمر بمرحلة حساسة جداً، يتوقف عندها الأمن، على مستقبل مصر المرتجى. بالطبع فالحملة الانتخابية للمترشحين المشير عبدالفتاح السيسي، والمناضل حمدين صباحي، ليست حملة مفتعلة، فكل منهما عمل على تنظيم صفوفه وخطط لحملته الانتخابية وأقام تحالفاته، ووضع برنامجه الانتخابي، ونزل إلى الساحة ليكسب جمهور الناخبين، وبالتالي يكسب المعركة الانتخابية التي ستجري يومي 26 و27 مايو/ أيار 2014.

قد تكون هذه أول انتخابات رئاسية منذ نجاح ثورة 23 يوليو/ تموز 1952، واضحة المعالم، ودون خلط أوراق، أو تشتيت لأصوات الناخبين. فهناك مرشحان وكل منهما يمثل شيئاً مختلفاً، في ظل تأكيد الدولة، حكومةً ومؤسسةً عسكرية، حيادها. لا تخطئ العين أن غالبية اليافطات المنتشرة في الشوارع على واجهات العمارات مؤيدة لعبدالفتاح السيسي، وغالبيتها مقدمة من أشخاص، يضعون أسماءهم بالبنط العريض، بل وبعضهم يضع صورته إلى جانب المرشح السيسي. ومن الواضح أن هؤلاء يتوقعون المكافأة بعد فوز السيسي المرجّح، وهناك يافطات عديدة تحمل صور السيسي وعبدالناصر للإيحاء بانتمائه لثورة 23 يوليو والانتماء المشترك للمؤسسة العسكرية، التي قامت بثورة يوليو 1952 بقيادة عبدالناصر، واستكمالاً لذلك قام السيسي في 3 يوليو 2013، بالسير على خطى ثورة 23 يوليو، بإسقاط حكم الإخوان تجاوباً مع ثورة 30 يونيو الجماهيرية، التي تعتبر بدورها استكمالاً لثورة 25 يناير 2011.

وهناك إلحاح على كون السيسي يسير على نهج عبدالناصر وبالذات الانتماء للمؤسسة العسكرية الوطنية. وهناك بضع صور تجمع ما بين السيسي وعبدالناصر والسادات، كمؤشر للانتماء المشترك للقوات المسلحة، وكذلك للاستمرارية التي انقطعت بحكم مبارك. السيسي لم يطرح برنامجاً متكاملاً كمنافسه حمدين صباحي، بعد أن اختلفت الهيئة الاستشارية المكلفة بوضع البرنامج مع هيئة إدارة الحملة الانتخابية. لكن السيسي عمد إلى طرح رؤيته لمصر في المستقبل من خلال طرح نقاط محددة وإجابات مختصرة لمختلف الأسئلة والقضايا المطروحة من خلال الندوات المغلقة واللقاءات الصحافية عبر مختلف وسائط الإعلام. ويرتكز السيسي على أنه لم يسع للترشح بل استجاب لإلحاح المصريين، وأن المهمة القادمة صعبة، وتتطلب تكاتف كل المصريين، مع التأكيد على محاربة الإرهاب واستئصال الإخوان المسلمين من الحياة السياسية.

ولقد حظي السيسي بدعم معظم القوى السياسية المتناثرة والمتناقضة مثل حزب النور السلفي، وحزب الوفد اليميني، وحزب التجمع الوحدوي اليساري ومؤسسات أهلية وشخصيات نافذة عديدة. ويستند السيسي في رصيده إلى خدمته في المؤسسة العسكرية منذ 1967 حيث انضم إلى الكلية الحربية، رداً على الهزيمة ونزوعه للمشاركة في تحرير الوطن. وبالطبع دوره في قيادة المؤسسة العسكرية لإنقاذ مصر من حكم الإخوان الذي نحا للتفرد، والمخاطرة بمصر ودورها.

استند السيسي في حملته الانتخابية إلى الاجتماعات في أماكن مغلقة مثلما فعل في مؤتمر المستثمرين، أو مخاطبة المهرجانات الانتخابية من خلال الإنترنت والسكايب، متجنباً الاجتماعات الجماهيرية المفتوحة، بسبب إمكانية استهدافه بالاغتيال من قبل التنظيمات الإرهابية والإخوان المسلمين، وقد ذكرت وسائط الإعلام عدة محاولات فاشلة لاغتياله، وعدم الالتحام بالجماهير سلبية بالتأكيد.

أما حمدين صباحي فهو أشهر ناصريّ في مصر، عرف بنضاله السياسي المبكر، كعضو في مجلس طلبة كلية الإعلام بجامعة القاهرة، ووقفته المشهودة متحدياً الرئيس الراحل أنور السادات، إثر تصفيته لما يعرف بمراكز القوى في 1971، وهي المواجهة التي قادته إلى السجن وعمره 22 عاماً كأصغر سجين سياسي. وظلّ معارضاً شرساً خلال عهدي السادات وحسني مبارك. وعمد خلال عهد مبارك إلى تأسيس حزب الكرامة غير المرخص بعد أن انشق من الحزب الناصري الذي لمس تراخيه، ورأس تحرير صحيفة «الكرامة» وانتخب نائباً عن مدينة كفر الشيخ بالدلتا لدورتين انتخابيتين خلال عهد مبارك. وكان صوتاً قوياً لمعارضة حكم مبارك.

أسهم صباحي و»حزب الكرامة» بالمشاركة النشطة في ثورة 25 يناير 2011، وما بعدها، وخاض المعركة الانتخابية الرئاسية في أوائل 2012، حل ثالثاً بعد محمود مرسي ومحمد شفيق في الجولة الأولى. كما استمر في معارضته لحكم الإخوان المسلمين، وبذا شارك في ثورة 30 يونيو 2013. بعدها بلور التجمع الشعبي، الذي ضم حزب الكرامة، وأحزاباً وتجمعات أخرى اتخذت مسافة من الحكومة المؤقتة التي أتت بعد حركة 3 يوليو 2013 التي أطاحت بحكم الإخوان. ويعتبر صباحي نفسه ممثلاً لقوى ثورة 25 يناير وثورة 30 يونيو، وتبنى في برنامجه مطالبها في الخبز والحرية والكرامة. من هنا يولي صباحي أولوية لتأمين الحريات الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والكرامة للمصريين. ويطرح أن حكم مصر القادم يجب أن يستند إلى الطبقة الوسطى والطبقات الشعبية، ويستهدف ردم الفوارق بين الدخول، ورفع الحد الأدنى للدخل إلى 80 في المئة من متوسط الدخل للفرد، وتبني الدولة لبرامج عديدة اقتصادية وتعليمية وصحية، تعيد التوازن لأوضاع غالبية المصريين، وتخرج مصر من مأزقها الحالي، كما وعد بإصدار عفو عام عن كل سجناء الرأي المحكومين.

أما حملة صباحي فقد بدأها من صعيد مصر، ثم انتقل تدريجياً إلى الشمال، في لقاءات جماهيرية حاشدة، وزيارات تفقدية لمؤسسات الدولة والمجتمع في مختلف المحافظات، وأعطى اهتماماً خاصاً للشباب والنساء والمسيحيين. وهناك قواسم مشتركة بين المرشحين، وهما اعتبار كل منهما لنفسه أنه ينتمي لثورة 23 يوليو، وثورتي 25 يناير و30 يونيو، وإلى الخط الوطني المصري الذي يجسده عبدالناصر. كما أن كلاً منهما يؤكد تصديه للإرهاب وأولوية الأمن مع تباين في التعاطي مع الإخوان المسلمين، حيث السيسي أكثر حسماً لكنهما يتفقان على استبعاد الإخوان من الحياة السياسية، مادام لهم حزب الحرية والعدالة المرخص.

كما أن كلاهما يؤكد استقلالية القرار المصري، وعدم الانضواء في أي محور دولي أو عربي، وأن لمصر دوراً ريادياً عربياً وإقليمياً ودولياً تلعبه. وكلاهما يعترف باتفاقية السلام مع «إسرائيل» لكنهما لا يكنان الود لها، وكلاهما يؤيد القضية الفلسطينية، لكن السيسي ينفر من «حماس» لتحالفها مع الإخوان. وهناك بالطبع فوارق بينهما فيما يخص قضايا أخرى، فأولوية السيسي الأمن بأي ثمن، لكنه عند صباحي مرتبط بالديمقراطية ومكافحة الفساد ومعالجة الأوضاع المتردية. من هنا تعهد صباحي بالعفو عن معتقلي الرأي، وضمان الحريات العامة. أما القضايا العربية، فكلاهما ضد ما يجري في سورية من حرب بالوكالة، وضد تقسيم سورية. وبالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي هناك توافق مؤقت في الحرب ضد الإخوان والدعم المالي الخليجي لمصر التي هي بأمسّ الحاجة إليها، وتأييد سياسي لدول المجلس مقابل إيران، وكلاهما يؤكدان الحاجة لعلاقات جيدة مع الجوار وخصوصاً السودان وليبيا.

من خلال اللقاءات مع عدد من المواطنين فإن تردي الأوضاع الاقتصادية والأمنية هو هاجسهم. وبالفعل فإن جولة سريعة في شوارع القاهرة وأحيائها تصيب الشخص بالأسى لما آلت إليه القاهرة، حيث الفلتان هو السائد، وقد عبّر لي أحد المواطنين بالقول «وهل الأمر بأن العسكري لا يضبط سائق التول توك (ميكروباص)، وبالفعل لا يلتفت سائق السيارات لا للإشارات أو توجيهات جندي المرور، والزبالة في كل مكان، والأرصفة احتلها الباعة الجوالون، بما في ذلك أرصفة الجسور، والأسعار منفلتة والبطالة مرتفعة. وبالطبع في هذه الأجواء تراجعت السياحة وهي مصدر أساس للدخل والتشغيل، وكذلك الإنتاج والصادرات. وانعكس ذلك على تراجع موجودات العملة الصعبة لدى البنوك والبنك المركزي وتوقفت الاستثمارات.

في ظل تراجع دور الأحزاب السياسية وتشرذمها، فإن الغالبية من المواطنين وبالتحديد الناخبين يلجأون إلى حدسهم وانطباعاتهم عن المترشحين وما يتوصلون إليه من خلال الحملة الانتخابية. وهناك شعور سائد بالحاجة إلى قائد قوي «يشكمها» (أي يفرض النظام ولو بالقوة). لأنهم يعتقدون أن استعادة هيبة الدولة وتأمين الأمن هو الأولوية، والمقدمة لمعالجة باقي المشاكل، وبالطبع فهذا الشخص هو السيسي، لخلفيته العسكرية وروابطه مع المؤسسة العسكرية والأمنية. واستطراداً لذلك فإن العديدين ممن يراهنون على فوز السيسي عمدوا إلى ركوب قطار السيسي وبعضهم طمعاً في المغانم بعد وصوله للسلطة.

هناك آخرون ممن يؤرقهم هاجس حكم العسكر، ويريدون الانتقال للحكم في دولة مدنية يرأسها مدني، وهو حمدي صباحي. كما أنهم يتفقون معه في انحيازه للفقراء والطبقة الوسطى وشباب ثورتي 25 يناير و30 يونيو. المعركة الانتخابية جدية، وهي مؤشرٌ لمرحلة الحد من دور الدولة المرجح وأجهزتها في تحديد الفائز سلفاً، وأياً من يفوز منهما فهناك مسلمات، بضرورة ترك مرحلة المراوحة والانتقال إلى مرحلة الحسم والانطلاق.

عبدالنبي العكري
صحيفة الوسط البحرينية – العدد 4271 – الأحد 18 مايو 2014م الموافق 19 رجب 1435هـ

http://www.alwasatnews.com/4271/news/read/886437/1.html