الاقتصاديون، وفي ندوة نظمتها الجمعية البحرينية للشفافية مساء أمس الأول، وصفوا الميزانية العامة للدولة 2015 – 2016 بأنها «موازنة الأمر الواقع»، واعتبروا أن الأرقام الواردة فيها غير علمية ولن تصمد، ودعوا النواب إلى ضمان تنفيذ مرئياتهم في برنامج عمل الحكومة.
التصنيف الائتماني للبحرين في خطر
عضو مجلس الشوى جمال فخرو قال في بداية حديثه انه موجود في الندوة بصفة شخصية ولا يمثل مجلس الشورى، وقال: «نحن نتحدث عن إعداد موازنة في ظل هبوط كبير في أسعار النفط، لهذا لا أتوقع أن تكون موازنة 2015 أكثر من موازنة 2014 وإلا سيكون هناك خلل»، ودعا السلطة التنفيذية للنظر في حجم المصروفات المتكررة وإمكانية حذفها أو التخفيف منها.
وتابع «يجب النظر في توجيه برامج الدعم، ويجب أن تعمل السطلة التشريعية مع السلطة التنفيذية على إعادة توجيه الدعم بشتى أشكاله، ويجب البحث عن سبل لزيادة الإيرادات، ومن المهم جدا أن تتفق الحكومة مع السطلة التشريعية على آلية لتنويع الإيرادات، وهذا موضوع مهم وحساس، خاصة وأننا نعتمد على النفط كمصدر رئيسي لتحسين الموازنة».
لكنه حذر في نفس الوقت من الآثار السلبية الكبيرة التي ستترتب على رفع الدعم عن الأجنبي في البحرين، وقال: «قد نلمس نتائج فورية لرفع جزء أو كل الدعم عن الأجنبي في البحرين، لكن الأكيد أن هذا الرفع سيتحمله في النهاية المجتمع البحريني نفسه».
وأوضح «الأجنبي الذي يعمل براتب 200 أو 250 دينارا لن يكون بمقدوره دفع أسعار اللحوم والكهرباء والعلاج غير المدعومة، وسيضطر صاحب العمل إلى زيادة راتبه، ويتحمل المستهلك البحريني هذه الزيادة»، وهناك نحو 400 ألف عامل أجنبي في البحرين يعملون في قطاعات مثل الإنشاءات والتنظيف والتوصيل، وهي أعمال لا يمكن من الناحية العملية إحلال بحرينيين فيها.
وتابع «لاحظنا جميعا الاعتراضات التي أثيرت حول فرض رسوم صحية على الأجانب، وهذا مثال بسيط لما يمكن أن يحصل في حال الاستمرار في انتهاج هذه الساسية».
وقال: «السؤال الذي يجب أن يطرح بواقعية هو لماذا يستفيد الأثرياء من أصحاب الشركات والأملاك من دعم الكهرباء كما يستفيد سائر الناس؟ ولماذا يدفع من يملك ست سيارات نفس سعر الوقود الذي يدفعه من يملك سيارات واحدة؟».
على صعيد ذي صلة أكد فخرو ضرورة إيجاد مراقبة دورية للمصروفات الحكومية، وقال إن على السلطة التشريعية مراقبة التدفقات النقدية للحكومة بشكل فصلي، وأن تطلب من الحكومة بيانا دوريا بذلك، لا أن تنتظر عاما كاملا.
وقال إن على النواب أن يضمنوا أن أهدافهم ومرئياتهم جرى تضمينها في برنامج عمل الحكومة، والتأكد من أن المصروفات ستغطي ما تم الاتفاق عليه.
واعتبر فخرو ألا حل لتقليل مستوى العجز في الموازنة سوى تخفيف المصروفات وزيادة الإيرادات، ودعا المجلس الوطني بغرفتيه إلى التعاون في ذلك، خاصة أن هذا يحتاج إلى صياغة قوانين وأنظمة تتطلب وقتا للإعداد والمناقشة والإصدار والتنفيذ.
وخلافا للآخرين المتحدثين في الندوة، أعرب فخرو عن قلقه من تفاقم الدين العام، لأن استمرار تنامي العجز بهذه السرعة سيؤثر سلبا على التصنيف الائتماني للبحرين، وكشف أن الجهات المعنية بتصنيف البحرين ائتمانيا موجودة حاليا في المملكة وستصدر بيانتها النهائية في جون القادم.
وقال: «إذا جاء تصنيفنا الائتماني أكثر سوءا من التصنف السابق فستضطر البحرين إلى دفع مبالغ أكبر لخدمة الدين العام، وإذا خفض تصنيف البحرين الائتماني أكثر سيرتفع سعر الفائدة ليس على الحكومة فقط، وإنما حتى على المؤسسات المالية والمصرفية نفسها، وبالتالي سترفع البنوك كلفة الاقراض على منفذي المشاريع، وهو ما يعني أن هذا الضرر سيطال الجميع وصولا للمواطن العادي».
وأوضح أن حجم الدين العام الآن وصل إلى 5.7 مليار دينار، وإذا لم يتحسن سعر النفط فإن الدين العام سيرتفع في عام 2018 إلى 8.5 أو 9 مليارات دينار، وهنا سيمثل الدين العام قرابة 50% من الناتج الوطني.
على صعيد ذي صلة أشار فخرو إلى أنه لا يمكن إضافة الدعم الخليجي للموازنة لأنه دعم مشروط بتنفيذ مشاريع محددة تحول مبالغه إلى المقاول مباشرة، وبحسب القانون لا يجوز في الموازنة تخصيص إيراد محدد للإنفاق على مصروف محدد.
قانون للدين العام وهيئة لإدارته
بدوره وصف الدكتور حسن العالي ميزانية العامين القادمين بأنها «ميزانية الأمر الواقع» و«ينقصها التخطيط والتوجيه».
وقال إن تنفيذ بنود هذه الميزانية سيشكل أول اختبار لبرنامج عمل الحكومة الذي نص صراحة على ضرورة السيطرة على الدين العام وتخفيضه، لكنه اعتبر أن كل الظروف والمعطيات تشير إلى أنه لن يكون هناك سيطرة على الدين العام، بل سيزيد، وأضاف «كيف ستلبي الميزانية احتياجات برنامج عمل الحكومة؟ هذا سؤال كبير على النواب الإجابة عنه».
واوضح العالي أن الميزانية لها علاقة مباشرة بتحريك الاقتصاد، وهنا مكمن الخوف من تنامي العجز المتوقع وصوله مع نهاية العام 2016 إلى 9 مليارات دينار، وقال إن الأمر الذي يجب أخذه بعين الاعتبار هنا هو قدرة الاقتصاد على تلبيية متلطبات الميزانية، خاصة أن الاقتصاد في البحرين واقع تحت هيمنة الميزانية، التي تقع بدورها تحت هيمنة النفط.
وقلل العالي من أهمية الربط بين الحاجة للاقتراض والتقشف من جهة وانخفاض أسعار النفط من جهة أخرى، وقال إن العجز بدأ منذ 2009، وتضاعف في الفترة من 2001 إلى 2013 أكثر من 13 مرة، واضاف «لو استخدمنا الفائض المقدر بنحو ملياري دولار والذي تحقق في الفترة من 2003 وحتى 2008 لما وقعنا في العجز».
ودعا إلى توجيه الانفاق نحو المشاريع الاستثمارية وليس المصاريف المتكررة، واشار إلى عبء الأقساط والفوائض، وقال: «نحن تقريبا نستلف لتسديد الديون أكثر من استدانتنا لتحريك الاقتصاد».
وطالب العالي بإصدار قانون لإدارة الدين العام، وهيئة تضم مسؤولين في الدول مع كفاءات من التكنوقراط تتولى إدارة الدين العام، وقال: «من الغريب أن الهيكل التنظيمي لوزارة المالية يضم دائرة خاصة بالضرائب، علما أنه ليس لدينا ضرائب، بيمنا ليس هناك دائرة تتولى إدارة الدين العام، خاصة وأن أمور علمية دقيقة ترتبط بالدين العام، مثل تحديد الوقت الأنسب للاستدانة وعملة الاستدانة واتجاهات السوق العالمية وغير ذلك».
كما طالب العالي بأن يكون هناك شفافية في الأدوات والآليات التي تستخدمها الحكومة لتخفيف العجز، والتشاور مع المعنينين من تجار وخبراء ومؤسسات المجتمع المدني.
ضريبة 0.05% على الشركات الكبرى تحقق موارد بـ 10 مليارات دينار
وفي ذات الاتجاه ذهب الدكتور أكبر جعفري إلى المطالبة بضرورة تبني أساليب علمية في إدارة الدين العام عبر استراتيجية واضحة ودائمة، وقال: «ما يجري الآن هو أن غالبية الديون يتم الحصول عليها بناء على آراء وطلبات وليس من منطلق دراسة علمية دقيقة لمعرفة مدى فائدتها والحاجة الحقيقة لها».
لكن جعفري أعرب عن عدم قلقه إزاء تفاقم الدين العام، وقال: «العجز في السنوات الأربع الماضية كان عجزا دفتريا، وفي بداية السنة يقولون إن الدين بلغ رقما ما وفي النهاية نكتشف أنه ثلث أو حتى ربع هذا الرقم، وعلى كل حال هذه ميزة جيدة».
واعتبر أن قيام الحكومة بتخفيض أي بند من بنود الإنفاق هو نهج حميد، بغض النظر عن أزمة أسعار النفط.
لكنه تساءل «لماذا نلهث وراء آليات واجراءات للحد من الدين العام، ونحن نملك الحل الأنجع لهذه المشكلة؟»، واعتبر أن هذا الحل هو «القضاء على الفساد الذي يستنزف ثلث الميزانية، والهدر أو الفساد المقونن الذي يستنزف الثلث الثاني، فيما نعيش وننفق من الثلث الثالث فقط».
ودعا جعفري إلى رفع الدعم عن الأجانب، وقال: «إن الغاز هو العنصر الرئيسي في استنزاف الدعم، وكثير من الشركات المستفيدة منه يملكها أجانب لا يدفعون ضرائب، وما يجري الحديث عنه من نمو اقتصادي تحققه هذه الشركات لا يلمسه المواطن، بل إن الأرقام تشير إلى أن وضع المواطن المعيشي في تدهور».
واقترح جعفري فرض ضرائب على الشركات الكبيرة، ومن ضمنها البنوك بنسبة نصف بالمئة، بما يحقق وفورات تقدر بعشرة مليارات دينار بالسنة، وهو ما يسد عجز الميزانية وأكثر، وهذا لا يؤثر سلبا على الاستمثارات في البحرين، لأن الاستثمارت تبحث عن المناطق الآمنة اقتصاديا حتى ولو دفعت ضرائب أعلى، كما قال.
تهاوي أسعار النفط ليس سببًا رئيسًا في ارتفاع العجز
فيما استهل الدكتور جعفر الصائغ كلامه بالقول: «تشخيصي للوضع هو استمرار ارتفاع الدين العام»، وتساءل عن «الأسباب الجوهرية لهذا الارتفاع».
واعتبر أن ارتفاع الدين العام لا علاقة له بانخفاض أسعار النفط، وقال: «منذ العام 2008 كان الدين العام في ارتفاع، ربما يكون انخفاض أسعار النفط عاملا زاد من وتيرة الارتفاع، ولكنه ليس السبب الاساسي، بل هناك أسباب جوهرية».
وأشار إلى أن هذه الأسباب الجوهرية تتركز على الارتفاع المستمر في المصروفات، وخاصة المصروفات المتكررة، وعندما ترتفع هذه المصروفات يصبح من الصعب جدا خفضها، وخفضها يؤثر بشكل مباشر على المستوى المعيشي.
واعتبر الصائع أن الأموال التي جرى تخصيصها لتنويع مصادر الدخل لم تحقق الفائدة المرجوة منها، وان هناك تقدما في القطاعات غير النفطية مثل البنية التحتية، لكن العائد على الاستثمار في هذه القطاعات منخفض مقارنة بالأموال الهائلة التي جرى تخصيصها.
كما اعتبر أن الدولة لديها سياسة مالية عبر المصروفات الحكومية يقع الاقتصاد تحت هيمنتها بشكل كلي، وهذه الأداة الوحيدة سلبية جدا، وتؤثر عليها عوامل خارجية هي أسعار النفط، وليس لدينا أدوات أخرى مثل تحريك سعر الفائدة وغيرها، وهذا خلق في البحرين والدول النفطية عامة حالة أثرت حتى على الادخار، فليس لدينا ثقافة الادخار بسبب اعتمادنا على الدولة التي تعتمد بدورها على الإيرادات النفطية.
وقال: «أي اقتصاد معين، على المجتمع أن يكون لديه ثقافة الادخار، وإلا سينهار عند أي هزة، وهذا ما يجعلنا بحاجة كبيرة إلى إعادة هيكلة الاقتصاد».
الموازنة لن تصمد
من جانبه حذر الدكتور جاسم حسين من أن أرقام الإيرادات والانفاقات المعنلة في الموازنة الحالية قد لا تصمد طيلة السنتين المالييتن القادمتين، والسبب في ذلك العجز الكبير في الموازنة والذي ارتفع إلى 1.5 مليار دينار العام الحالي، و1.6 مليار العام القادم.
وقال: «بنظرة سريعة إلى أرقام الموازنة نجد أنها تدعو للقلق، حتى مع اتخاذ جميع الإجراءات التي يجري الحديث عنها من قبيل احتمال ارتفاع أسعار النفط، ورفع جزء من الدعم عن أسعار المحروقات في البحرين، والحد من الدعم المقدم لبعض الخدمات الحكومية مثل الكهرباء والماء ورفع الدعم عن بعض السلع الأساسية».
وأضاف «لاحظنا اختصار كثير من الدعم الحكومي في موانة العامين القادمين مقارنة بالسابق، حيث يقدر الدعم المقدم للمحروقات هذا العام بنحو مئة مليون دينار، نزولا من 900 مليون دينار دعم قدمت خلال العام 2013، وجزء كبير من الفرق هنا يأتي نتيجة رفع الدعم عن الغاز المقدم للشركات الصناعية بشكل أساسي، وتراجع في الدعم المقدم لبعض العلاوات مثل الضمان الاجتتماعي، حيث ان دعم الأسر محدودة الدخل في العام 2014 كان 105 ملايين دينار، وتراجع في العام 2016 إلى 81 مليون، وهذا ما حدث أيضا مع علاوة المتقاعدين وعلاوة الإيجار، وهذا كله دليل واضح على رفع جزء مهم من الدعم».
لكن حسين أشار إلى أنه من الملاحظ أن الميزانية لا زالت تعتمد بشكل كبير على النفط بنسبة نحو 80%، رغم كل ما يجري الحديث عنه عن تنويع مصادر الدخل. وأشار حسين إلى ارتفاع فوائد الدين العام من 180 مليون دينار عام 2014 إلى قرابة 300 مليون في العام الحالي، لكنه قال إنه غير قلق من هذا الارتفاع، لأن البحرين تحصل على دعم خليجي مطمئن.
الأيام البحرينية
www.alayam.com/alayam/economic/504485/الدين-العام-سيصل-إلى-9-مليارات-دينار-في-2018-وتحذيرات-من-ارتفاع-تكلفة-العامل-الأجنبي-.html#cpTTL