ازدواجية المعايير والكيل بمكيالين تبدو واضحة تماماً في حالة تعامل الدولة مع مؤسسات المجتمع المدني، ففي حين تؤكد الدولة على أهمية ابتعاد بعض الجمعيات الأهلية والمهنية، وخصوصاً المستقلة منها، عن الأمور السياسية، تلقى عدد من الجمعيات القريبة من التوجه الحكومي دعماً سياسياً وإعلامياً ومادياً غير محدود من قبل الجهات النافذة في الدولة.
فالدولة باتت تعرف مدى أهمية هذه المؤسسات في تمثيل المجتمع سواءً في الداخل أو الخارج، حيث «تتلخص طبيعة عمل المجتمع المدني في أنها الرديف الحقيقي للسلطة في أيّة دولة». ففي حين تلعب مؤسسات المجتمع المدني في المجتمعات الديمقراطية دوراً مسانداً وداعماً لجهود الدولة في تعزيز الديمقراطية والتنمية البشرية، يغيب دورها ويتم تهميشها في المجتمعات ذات الطبيعة الاستبدادية والدكتاتورية. ولذلك فإن العالم أصبح يقيس الآن مدى ديمقراطية أية دولة أو أي مجتمع بمدى الحرية التي تتمتع بها مؤسسات المجتمع المدني في القيام بدورها. كما أن العالم أصبح يعير اهتماماً بالغاً لما تقوله هذه المؤسسات عن أداء الحكومات في مجتمعاتها.
خلال السنة الماضية قامت الدولة وبشكل غير مسبوق بكل ما تستطيع من أجل احتواء أو السيطرة على جميع الجمعيات الأهلية والمهنية، بهدف تقديم صورة غير حقيقية للعالم، توحي بأن هذه الجمعيات على توافق تام مع كل ما تقوم به الحكومة من إجراءات.
وفي سبيل ذلك اتخذت الدولة ثلاث خطوات أساسية، الأولى هي حل الجمعيات التي لا يمكن السيطرة عليها أو تطويعها، كجمعية المعلمين البحرينية، وجمعية العمل الإسلامي «أمل» وجمعية الممرضين البحرينية.
الخطوة الثانية هي السيطرة على الجمعيات التي لا يمكن حلّها بسبب تاريخها وثقلها المهني، من خلال حلّ مجالس إداراتها وتعيين مجالس إدارات ذات توجهات موالية، ولا يهم إن تم ذلك بالتزوير أو اختراق القانون أو النظام الأساسي للجمعية كما حدث في جمعية الأطباء البحرينية وجمعية المحامين البحرينية. ففي حالة جمعية الأطباء تم حل مجلس الإدارة دون مسوغ قانوني، وتم إجراء الانتخابات بإدخال الأطباء الأجانب وإعطاؤهم الحق في الترشح والانتخاب رغم أن القانون الأساسي للجمعية يحدّد شروط العضوية في أن يكون العضو العامل «بحريني الجنسية، وأن يكون حاصلاً على شهادة البكالوريوس في الطب البشري أو طب الأسنان أو ما يعادلها من إحدى الجامعات أو الكليات المعترف بها في دولة البحرين، وأن يكون حسن السمعة والسلوك وألا يكون قد صدر ضده حكم في جناية مخلة بالأمانة والشرف إلا إذا ردّ إليه اعتباره».
أما الخطوة الثالثة فهي خلق بديل للجمعية، وذلك في حال عدم إمكانية حلّها أو السيطرة عليها، كما حدث للاتحاد العام لنقابات عمال البحرين، والاتحاد الحر لنقابات عمال البحرين، وهنا أيضاً لا يهم إن كان خلْق الكيان الجديد قد جاء وفقاً للقانون الذي ينص على أنه «يجوز لكل نقابتين أو أكثر من النقابات العمالية المتشابهة أن تنشئ فيما بينها اتحاداً نقابياً، ويكون إنشاء الاتحاد النقابي والانضمام إليه بعد موافقة أغلبية أعضاء الجمعية العمومية للنقابة العمالية». أو كان خلاف ذلك كما حدث في الاتحاد الحر حين تم إنشاؤه من عدة نقابات من قطاعات مختلفة تماماً، وليست متشابهة كما حددها القانون.
وأخيراً هناك بالطبع الجمعيات المزيفة أو ما يطلق عليها بجمعيات «الغونغو»، والتي خُلقت أساساً لضرب الجمعيات الحقيقية، وكل ما يمكن أن تقوم به الدولة في هذه الحالة هو المزيد من الدعم المالي والسياسي المقدم لها.
صحيفة الوسط البحرينية – العدد 3611 – الجمعة 27 يوليو 2012م الموافق 08 رمضان 1433هـ