إجماع على خطورة تجاهل الفساد وتجميد «الرقابة المالية» في الأدراج
العدلية – سعيد محمد
خلُص المشاركون في الحلقة النقاشية للجمعية البحرينية للشفافية حول تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية إلى ضرورة قيام الحكومة والسلطة التشريعية ومنظمات المجتمع المدني والصحافة بتشديد القبضة على الفساد والمفسدين وفق ما ورد في التقارير التسعة من تجاوزات ومخالفات، مجمعين على «الخطورة الكارثية» لتجاهل حجم الفساد وتجميد التقرير في الأدراج، مع استمرار العبث بالمال العام وحماية المتورطين.
ووضعت الجمعية التقرير تحت المجهر على طاولة مستديرة مساء أمس الأول الإثنين (28 يناير/ كانون الثاني 2013)، وضمت الحلقة كل من رئيس الجمعية البحرينية للشفافية عبدالنبي العكري ونائب الرئيس السيدشرف الموسوي، بالإضافة إلى النائبين السابقين محمد جميل الجمري وعبدالنبي سلمان، والمحكم في قطاع الإنشاءات المهندس سعيد العسبول، كما وجهت الدعوة إلى جهات رسمية وبرلمانية ولم يحضر سوى النائب علي الدرازي، وأدار الندوة عضو مجلس إدارة الجمعية البحرينية للشفافية والإعلامي خليل يوسف.
التعاطي بشكل جدي
وتطرقت الحلقة إلى جوانب غاية في الخطورة كشفت حجم التهاون في ملاحقة الفساد والمتورطين فيه، حيث أشار رئيس الجمعية عبدالنبي العكري في كلمة افتتح بها النقاش إلى أن الجمعية تنظم مرة أخرى ندوتها حول تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية إدراكاً منها لأهمية التقرير ولدور ديوان الرقابة المالية والإدارية كجهة رقابية رسمية في الرقابة على الوزارات والهيئات والشركات الحكومية.
ولفت إلى أن التقرير أثار ردود فعل عديدة ومتباينة من قبل الحكومة ووزاراتها وشركاتها، وتمت مناقشته في اللجنة المالية بمجلس النواب وهو الآن لدى مجلس النواب للمناقشة، وقد أدلى عدد من النواب بدلوهم في التقرير وما يتوجب أن يتربى عليه، ونحن بانتظار ما يقرره مجلس النواب والشورى بشأن ما ورد فيه، كما أن التقرير أثار ردود فعل لدى الجمعيات السياسية والمجتمعية والصحافة والرأي العام عموماً، ونحن بدورنا في الجمعية البحرينية للشفافية ومن منطلق مسئوليتنا الوطنية والمهنية فإننا نتعاطى معه بشكل جدي.
وقال: «هذا هو التقرير التاسع لديوان الرقابة المالية والإدارية، ولذا نفهم تبرم النواب والمجتمع السياسي والمجتمع المدني وأغلبية أبناء الشعب البحريني لتكرار ذات الوقائع من إهدار للمال العام وإساءة استخدام بعض المسئولين لمواقعهم من أجل مصالح غير مشروعة، وما يزيدهم سخطاً هو احتواء التقرير على توصيف قضايا فساد واضحة أنها مخالفات، وهو ما أطلق عليه وجود (فساد بدون فاسدين) لعدم تسميتهم من قبل التقرير، كما أنهم محبطون لأنه على رغم النص على صلاحيات الديوان على إحالة قضايا الفساد إلى الجهات المختصة، أي النيابة العامة، فإن ذلك لم يحدث أبداً! ومن الناحية الأخرى، فإن النيابة العامة لم تبادر لتحمل مسئوليتها والتحقيق في قضايا فساد واضحة، وكذلك الأمر بالنسبة لديوان الخدمة المدنية».
تصريحات بعد كل تقرير
وفي مسار متابعة ردود الأفعال عقب كل تقرير يصدر، أوضح العكري بأن الحكومة ووزاراتها وشركاتها سعت إما للقول إنه جرى تصحيح الممارسات الخاطئة أو أنها بصدد معالجتها، وقد شكل مجلس الوزراء لجنة خاصة تنظر في التقرير واتخاذ ما يلزم بشأنه، وهو تكرار لما جرى في السنوات الماضية، لكنه طرح عدة أسئلة لمناقشتها على الطاولة المستديرة منها: «هل ما جاء في التقرير مجرد مخالفات وأخطاء أم أنها حالات فساد مالي وإداري ومن المسئول عنها؟ ولماذا لم يحدد التقرير المسئولين عن هذه الحالات بأسمائهم؟ وهل ما جاء في التقرير هو الحجم الفعلي أم أنه مجرد جبل الجليد الذي يخفي ما هو أعظم؟ وهل قام مجلس النواب بواجبه كجهة رقابة أهلية؟ وما هي التشريعات والجهات لتفعيل مكافحة الفساد وتفعيل الرقابة؟ وهل قامت النيابة العامة وديوان الخدمة المدنية والحكومة والجمعيات السياسية والمجتمعية والصحافة بواجبهم؟ وماذا يتوجب لكي يكون ديوان الرقابة المالية والإدارية فاعلاً ويتحمل مسئوليته الفعلية، وهل من صيغة لتحالف أهلي لمكافحة الفساد».
وطالب المهندس سعيد العسبول بالبدء بالاستماع إلى وجهات نظر المشاركين المطلعين على محتويات التقرير واستعراض أهم ما تطرق اليه من قضايا فساد، فيما أكد مدير الندوة خليل يوسف بأن كل فصل من فصول التقرير بحاجة إلى تحليل، إلا أن المؤسف أن الحكومة لا تعترف بكل هذه التجاوزات وتعتبرها كـ «ملاحظات» ستخضع للدراسة، فاتحاً المجال لمداخلة الكاتب والناشط الحقوقي عيسى سيار الذي شدد على أن دور ديوان الرقابة المالية والإدارية دور مفصلي في الرقابة على مؤسسات الدولة، لكن ما هي الآليات لمتابعة المخالفات القانونية والتجاوزات المالية والإدارية، لأن القانون يشمل مخالفات وتجاوزات، وعلمت بأن الديوان أحال شخصيات من المتجاوزين إلى النيابة لكنه لا يستطيع كشف أسمائهم! قائلاً: «بالنسبة لي كمهتم بالشأن العام أرى أن ديوان الرقابة المالية والإدارية بوضعه الحالي هو مجرد هيئة لعلاقات عامة، وبمجرد صدور التقرير يتم توزيعه والتقاط الصور ثم يركن في الأرشيف.
لنسمِّ الأمور بأسمائها
وأشار إلى أن هناك تجاوزات ومخالفات للسلطة التنفيذية، وهذه تصرح بأنها ستقوم بدراسة الملاحظات مع أنها ليست ملاحظات بل تقرير رقابي مدقق، وهنا يتوجب على الحكومة أن تصحح هذا الكلام وتسمي الأمور بأسمائها وتعترف بأن هناك تجاوزات ومخالفات من وزير وما دون، وفي هذه السنة، صدر عن مجلس الوزراء قرار بتشكيل لجان لمتابعة الملاحظات، ولم نعد نسمع عن تلك اللجان التي تشكلت حالها حال اللجنة التي شكلت لبحث الاستيلاء على أكثر من 60 كيلومتراً مربعاً من الأراضي! ونوجه تساؤلنا كمهتمين لمن يهمه الأمر وهي القيادة السياسية وهو: «إذا كان للديوان دور رقابي، فكيف نستطيع توظيف هذه المخالفات والتجاوزات في مكافحة الفساد وإهدار المال العام وخاصة أن البحرين وقعت على الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد بل صادقت عليها؟ وبالتالي كان مفترضاً تعديل دور ديوان الرقابة في ضوء هذه المصادقة لتعزيز التشريعات المحلية لمواكبة ما هو موجود في الاتفاقية الدولية فيما يتعلق بملاحقة مرتكبي الفساد وتشكيل دعاوى قضائية من خلال النيابة العامة، وبالوضع الحالي، فالبرلمان كجهة رقابة لم يحرك ساكناً وأشك في أنه سيحرك ساكناً! فالنواب لا يمثلون إلا أنفسهم، وتساؤل آخر إلى النائب العام بصفته المعني بالحق العام: «هل تم تشكيل دعاوى على هذه الحقائق المطروحة؟ كلها أمور نطرحها إلى القيادة السياسية ولمن يرفع إليه هذا التقرير، فقد نصل إلى التقرير العاشر والحادي عشر ويبقى الفساد.
قضايا فساد لم تتحرك
وربط مدير الندوة خليل يوسف بين ما طرحه سيار وبين ما قاله مستشار قانوني للديوان من أن هناك 7 إلى 8 قضايا رفعت إلى النيابة العامة، ولكن مضى على تلك الدعاوى سبع سنوات ولم تتحرك وهو يطالب بتسريعها، والسؤال هنا: «هل يعقل أن قضايا الفساد التي شملها التقرير هي فقط 7 إلى 8 قضايا؟ أليس غريباً أن يكون هناك (قضايا فساد لم تتحرك)؟ مبدياً استغرابه من اعتراض مجلس النواب على تشكيل هيئة مكافحة الفساد مع أن الاتقافية الأممية لمكافحة الفساد تؤكد على تشكيلها، لافتاً إلى أن ديوان الرقابة يتبع جلالة العاهل مباشرة والمتعارف عليه أنه يتبع السلطة التشريعية، لكن نظراً لوضع التركيبة الحالية للبرلمان غير القادر على تفعيل دوره، وحساباته ومساوماته ومزايداته، فإن تبعية الديوان إلى البرلمان لن تكون مجدية.
وتحدث النائب السابق عبدالنبي سلمان مستهلاً القول بأن الجمعيات السياسية تقرأ التقرير (قراءة أرقام صماء) دونما تمحيص للسياسات بعد 9 تقارير صدرت على مدى السنوات الماضية منذ أول تقرير في العام 2002، ذاكراً بأن التقرير التاسع الأخير هو الأضعف من ناحية مادته ومضمونه ومواضيعه، وهذا لا يعيب قدرة وإمكانيات الديوان: «فأنا أعتقد شخصياً بأنه بذل جهداً متميزاً مقارنة بحجم الطاقم الذي يعمل لديه، لكن الذي أساء وأضعف قيمة التقرير هو أن مجلس النواب في السنوات الأربع الأخيرة لم يهتم بالتقرير، ففي الفترة البرلمانية الأولى من العام 2002 إلى 2006، مثّل التقرير مادة خصبة للنواب بغض النظر عما أنجز، فقد تم تشكيل لجان تحقيق، أما إلى أين وصلت وكيف انتهت وما هو دور الكتل الموالية، فذلك لا ينفي أننا فضحنا الفساد في البلد».
لا يوجد حساب ختامي!
وتعمق أكثر بالتطرق إلى أن الحكومة تكتفي على هامش اجتماعها الأسبوعي بتشكيل لجنة لمتابعة التقرير وهذا ما يتكرر سنوياً، لكن بقراءة التقرير يمكن أن نطرح ملاحظات ومنها على سبيل المثال، عندما يتكلم التقرير عن أن وزارة الدفاع لم تقدم بيانات مدققة عن السنتين المالييتن 2010-2011، فهذه مخالفة لقانون الموازنة فما معنى ألا يوجد حساب ختامي والحساب الختامي هو كشف حساب؟ كيف صرفت هذه الموازنة؟ فإذا كانت هناك وزارة لا تقدم كشوفات للصرف كالمتعارف عليه لمقارنة الموازنة الجديدة بالموازنة القديمة، فعلى أي أساس يتم إقرار موازنة لوزارة معينة لم تقدم تقريراً عما صرفته في العامين الماضيين؟ ثم إذا تخلف البرلمان عن مراجعة الموازنة وتدقيقها، لماذا تتخلف الدولة؟ وكيف يناقش قسم الموازنة بوزارة المالية ويعتمد موازنة لوزارة لا تقدم كشوفات صرف؟ ثم إن الحكومة تكرر باستمرار أنها شكلت لجنة للملاحظات، وهناك نقاط تتكرر في كل التقارير التسعة الماضية، وأؤكد لكم أنها ستتكرر في السنة المقبلة ومنها مخالفات قانون المناقصات.
وزاد قوله: «مجلس المناقصات يتابع الموازنات ويضبطها، فعندنا يتم القفز على القانون ويتكرر ذلك سنوياً، فأين هي المحاسبة أساساً؟»، مستعرضاً نماذج للتجاوزات الهائلة بملايين الدولارات لمديونيات طيران الخليج وطيران البحرين وهيئة الكهرباء والماء لشركة بابكو، ومؤكداً على أنه منذ العام 2007، لا توجد حسابات ختامية لبعض الوزارات وهي تحصل على موازنات كل عامين دون كشوف ختامية، ولهذا نسأل: «أين البرلمان… أين مجلس المناقصات… أين وزير المالية؟»، أضف إلى ذلك أن وزارات كوزارة التربية والتعليم، وبعد صدور التقرير، تصرح بأنها صححت الأخطاء ثم يصدر التقرير التالي وتبقى المخالفات والتجاوزات كما هي، فأين موقف ديوان الرقابة المالية والإدارية من كلام وزير صرح بأنه صحح الأخطاء؟ ثم لنأخذ التجاوزات في شركة بابكو والتي كشفت منذ العام 2003 ولم يتم التحقيق بشأنها أو تصحيحها ومساءلة المتورطين والمفسدين حتى الآن.
أدوات سياسية وقانونية
ومن جانبه، وصف النائب السابق محمد جميل الجمري ما طُرح من ملاحظات بأنها لامست هواجس المتابعين والمهتمين بالشأن المالي، فهناك تجربة في مجلس النواب بشأن تفعيل ديوان الرقابة، فتقارير الديوان (مع أنها وضعت بحيث يستفيد منها النواب مباشرة لوجود تشخيص ممارسات في عدد من الوزارات والهيئات الحكومية)، إلا أن هذا يتطلب أدوات سياسية وقانونية لمتابعة هذه الممارسات، وما استفدناه من تجربتنا النيابية في العام 2006، هو توسع ديوان الرقابة توسعاً كبيراً وشمل أملاك الدولة، وحين استلمنا التقرير في العام 2007 كان قرارنا أن نأخذ التقرير لأبعد مدى حتى أن الجانب الحكومي رحب بذلك لكون البرلمان يعمل بشكل مضبوط ويتابع مكامن الخلل وكيف أن أموراً بهذه الحساسية تمس مستقبل البلد يمكن أن تتبعثر لعدم وجود إدارة جيدة.
واستدرك ليقول: «لكن ما يهمني هو إلى أين وصلت هذه الجهود؟ تقرير أملاك الدولة كان له أثر كبير في المجتمع لتبيان حجم الفساد كون أن هناك 65 كليومتراً مربعاً هي الأراضي المسلوبة، وبالنسبة لوزارة المالية، فلديهم وثائق وسلمتنا الوثائق وخاطبنا كل وزارة على حدة عن سجل الأملاك، وبعد حصولنا من كل وزارة وما لديها من أملاك مخصصة لمدارس ومشاريع إسكانية وخدمية، تبين أن تلك الأراضي اختفت وتحولت إلى مشاريع خاصة! ومع المتابعة وكشف الحجم الكبير من التجاوزات وتعاون الجهات معنا، تغير الأمر بعد بدء عمل لجنة التحقيق في أملاك الدولة وأغلقت مصادر الحصول على المعلومات، وبعد تقرير أملاك الدولة، أنشأنا لجنة أخرى بشأن (ممتلكات) وهي لمتابعة ما ورد في تقرير ديوان الرقابة بشأنها، وتكرر الأمر ذاته حيث كان يأتي الوزير المعني لوحده ويجمع الأسئلة ولا يجيب عليها أبداً، ثم تم اتخاذ خطوة تشريعية، فصدر مرسوم بقانون لسنة 2010 رقم 49 استثنى جهات إضافية من الرقابة، وهذا يكشف التراجع الكبير لمستوى الشفافية، فبدلاً من تصحيح الوضع من جانب صاحب القرار وبسبب عدم التعاون مع لجان التحقيق، حدث هذا التراجع، ولا نتوقع كثيراً في أن هناك تصحيحاً للأوضاع لأننا لا نشعر أن الحكومة واضحة، ونرى اليوم مخالفات كبرى والديوان يعمل لكن الآخرين لا يقومون بعملهم، والخلل كبير في تعاون الدولة مع جهاز ديوان الرقابة الذي كشف التجاوزات، ومع حجم هذه التجاوزات لا يمكن إلا أن تقدم الحكومة استقالتها.
أين النواب من التقرير؟
وتناول مدير الحلقة خليل يوسف الإشارة إلى أنه قبل سنوات: كانت الوزارات تتسابق في الدفاع عن نفسها وتفند ما جاء في التقارير، واليوم، ما عادت تهتم، فمع ما كشفته لجنة تحقيق أملاك الدولة وتجاوزات مستشفى الملك حمد على سبيل المثال، فاقت التجاوزات التوقعات، ثم تم السكوت عن الموضوع! وأيده عبدالنبي العكري في ذلك مضيفاً أنه بسبب الوضع السياسي العام في العامين 2011 – 2012، لم تذهب الكثير من المناقصات إلى مجلس المناقصات، وتم استغلال المناصب في أعمال غير مشروعة، بل وتضمن التقرير بعد إضافة القطاع الإداري، الترقيات والتعيينات وشئون التقاعد، ومع ذلك، جاء في التقرير أن وزارة التربية والتعليم قامت بتوظيف أكثر من 3 آلاف متطوع بدون أي مقاييس وخلاف السلم الوظيفي الصحيح، فالبحرين، وعلى رغم أنها أصبحت طرفاً في اتفاقية مكافحة الفساد، لكن النواب لم يطرحوا مشروعاً بقانون لأن الدولة أساساً اعترضت لعدم وجود حاجة لهيئة مكافحة فساد، والبحرين لم تتقدم بطلب لمراقبة دورية وإشراك المجتمع المدني في آلية مراقبة الفساد، وهناك قضية لم يتطرق لها التقرير وهي التسوية التي تمت بين «ألبا» و «ألكوا» وهذا الموضوع خطير فنحن نتكلم بخسارة لا تقل عن مليار دولار والبعض يرفع إلى مليارين، والتسوية هي 27 مليون دولار تعود على هيئة أقساط، وكانت «ألبا» ستكسب القضية، وهذا الوضع يثير الريبة! لكن يستطيع مجلس النواب الاعتراض على هذا الأمر ويطالب بإعادة المحكمة التي تجرى في لندن، متسائلاً من جديد: «أين موقع التقرير في مجلس النواب؟».
لا الحكومة… ولا البرلمان
وفي مداخلته، امتدح نائب رئيس الجمعية السيدشرف الموسوي التقرير بأنه ممتاز من الناحية المهنية، ويتوافق مع كل الشروط التي تتعلق بإصدار بهذا الحجم بوثائقه ومستنداته، ولكن المشكلة ليست في التقرير بحد ذاته بل في كيفية الاستفادة… فلا الحكومة تستفيد منه ولا البرلمان، وما يحويه التقرير يتم الاتفاق عليه من جميع النواحي بالنسبة لتنفيذ التوصيات فيما بعد، ومع ذلك لا يتم الالتزام بما ورد فيه، وفي تقديري، فإن المشكلة ليست في تقرير الديوان ووثائقه المهمة على مدى تسع سنوات، فقد أنار الطريق لمجلس النواب في البحث عن مناطق الفساد ومواقع الخلل منها، لكن المؤسف أن البرلمان لا يستفيد من هذا التقرير كما يجب بما فيه من كم هائل من المعلومات والحقائق، ويستطيع أي نائب استخدام أدواته الدستورية لتوجيه الأسئلة واستجواب الوزراء، لكن لم تتم الاستفادة من هذه الأدوات لكشف هذا الوضع، فعلى سبيل المثل، تكبدت البلد خسائر كارثية بلغت 450 مليون دينار لتغيير طائرات طيران الخليج، وخسائر مستشفى الملك حمد بلغت 32 مليون دينار وخسائر تسوية (ألبا-ألكوا) ولم يتطرق مجلس النواب لها بشكل جدي، ثم إن التقرير لم يتطرق إلى الفوائض المالية، ففي السنوات السابقة عملنا ندوات عن موازنة الدولة وتطرقنا إلى الفوائض المالية في العام 2008 والتي لم تدرج في موازنة 2009 واختفت، وكان المفترض من ديوان الرقابة أن يتابع أين ذهبت تلك الفوائض، أضف إليه صندوق الأجيال المقبلة منذ العام 2006 وفيه ملايين الدولارات لا يتكلم عنها أحد.
ثقافة (لي القانون)
واختصر المحكم في قطاع الإنشاءات المهندس سعيد العسبول المخاطر الكامنة في النفوذ والقدرة على (لي القانون) وما يتبع ذلك من خسائر فادحة تلحق بالوطن والمواطنين، وشدد على أن مكافحة الفساد وملاحقة المتورطين يوجب وجود هيئات مستقلة قادرة على تحريك الدعاوى لكن هذا غير متوافر في الوقت الحاضر مع كل الاحترام للمؤسسات الموجودة، لكنها لا تتمتع بالاستقلالية ولا تستطيع الوقوف في وجه ثقافة القفز على القانون.
ومن باب تجربة، لفت العسبول إلى ما وجده شخصياً فيما يتعلق بموازنة أحد المشاريع، ومع تطبيق الموازنة والكلفة ومقارنتها بمشاريع شبيهة قيد التنفيذ تبين الفرق الكبير جداً، لكن ما كشفه هو أمر في غاية الخطورة حين يصبح المتنفذ قادراً على الاستقواء ويصرح باستطاعته أن يلوي القانون بلا رادع.
البرلمان… (بمبر) سيارة
واتفق النائب علي الدرازي مع المشاركين في مخاطر التهاون مع المفسدين والمتورطين في قضايا الفساد وفق ما رصدته تقارير الرقابة، أما في كيفية التعامل مع التقرير من جانب البرلمان، فقد أوجز قوله: «أنا من الناس الذين انتقدوا طريقة التعامل مع التقرير ومحتوياته التي فيها توصيات مباشرة للحكومة يتوجب تنفيذها، ويحوي التقرير أيضاً تقييماً لأداء الحكومة ومدى تنفيذها لتوصيات التقارير السابقة فالأمور واضحة بالنسبة للحكومة، وخصوصاً أن التقرير صدر على أيدي متخصصين في التدقيق، ولست مقتنعاً أبداً في أن أجري تدقيقاً على تدقيق، لكنه قدم وصفاً طريفاً لكيفية تعامل الحكومة بقوله: «إن الآلية التي تطرحها الحكومة هي أنها تريد جعل البرلمان بمنبر (صدام سيارة)… يستقبل عنها الصدمات».
وكرر على وجود إشكالية في تنفيذ التوصيات، ومنها أن الديوان لا يستطيع ملاحقة المتورطين عبر النيابة العامة، وفي هذا العام، وضعنا أسلوباً مختلفاً في رصد المخالفات والتجاوزات في التقرير من خلال اللجنة المالية البرلمانية، فقد رصدنا التجاوزات ووضعنا أمام كل تجاوز ومخالفة نص العقوبة القانوني.
أما في شأن الاستجواب، فقد ذكر بأنه تم تشكيل لجنة تنسيقية بين كل الكتل لبحث استجواب الوزراء بحيث أن يتم إقرار كل استجواب ثم يذهب للجان، اتفقنا أو اختلفنا بشأنه، لكن المسألة الأكثر تعقيداً هي أن هناك تراجعاً ملحوظاً وفق أسلوب الاستجواب، وليست لدينا قاعدة قانونية من جانب المجلس لتقديم الجهة المرتكبة للتجاوزات إلى النيابة العامة، لكنه أبدى استعداده للتعاون في مجال كشف الفساد حتى آخر رمق.