من أجمل وأغرب التعليقات التي صدرت بحق ديوان الرقابة المالية، وصفه بـ «الكنز الذي لم يستثمر بعد»!
هذا الوصف الأدبي الجميل، لم يرد على لسان الجمعيات السياسية المعارضة، ولا في وسائل التواصل الاجتماعي كـ «تويتر»، ولا في الفضائيات… وإنّما ورد على لسان النائب الأول لرئيس مجلس الشورى جمال فخرو، في الندوة الاقتصادية التي نظّمتها «جمعية الشفافية البحرينية» بعنوان «قراءة في تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية 2013 – 2014» في نادي العروبة مؤخراً.
في الاتجاه المعاكس، تنبّأ المنتديَان الآخران (جعفر أكبري وجاسم حسين) بسنوات عجاف تنتظر البحرين، واعتبرا المخالفات المتكرّرة في تقارير ديوان الرقابة سنوياً متعمدة ومخططاً لها، وتدلّ على وجود فساد ممنهج! بل إن سجالاً دار بين أكبري وفخرو بخصوص نسبة إنجاز المشاريع الحكومية الواردة بالتقرير (44 في المئة)، فأكّد أكبري أن النسبة الصحيحة أقل من ذلك بكثير (16 في المئة فقط)، وهو ما أثار احتجاج فخرو وطالب بالتوقف احتياطاً وجوبياً عند ما أورده التقرير!
فخرو من قدامى العاملين بمجلس الشورى (المعيّن)، ومواقفه محافظة أقرب لأقصى اليمين، رغم انتمائه «نظرياً» لليبراليين، وكثير منهم في الخليج ليبراليون فكراً، ومحافظون يمينيون سياسياً. من هنا نفهم تناقضات فخرو، فهو ينتقد الصحافة المحلية لطريقة تعاطيها مع التقرير، ومن جهة أخرى لا يتفق مع من يتحدث عن عزوف مجتمعي تجاه التقرير! والجماعة «الليبرالية» التي تشكل أقليةً، حين تنتقد مواقفها السياسية المائعة، وأجنداتها التي لا تتفق أغلبها مع المصلحة الوطنية العامة، «يزعلون» ويغضبون. وبعضهم يتصل بك ويبقى على الخط 45 دقيقة معترضاً على ما كتبته من رأي عن مواقفه التي لا تخدم الغالبية العظمى من الشعب!
كل عام، تنشر الصحف التقرير في ملحق خاص، وبعضها يكتفي بنشر مختارات من قضايا الفساد الزكية الرائحة، كعينات لتعريف الجمهور، الذي لا تهمه التفاصيل، خصوصاً إذا ما تكرّرت القصص نفسها، في الوزارات نفسها، كل عام. وهو ما يفسّر تضخم حجمه ما بين النسخة الأولى (2003)، من 130 صفحة إلى 650 صفحة العام الأخير. فالجمهور أمام ملف تضاعف عدد صفحاته خمسة أضعاف! والبحرين كما يقول فخرو: «اطلعت على كنزٍ من دون أن تعرف أن هذا الكنز بما تضمنه من مخالفات وتوصيات سيكون مستمراً»! والمفروض أن يتابع الجمهور حلقات هذا المسلسل المكسيكي الطويل دون ضجرٍ أو تأففٍ أو ملل!
التفسير «الليبرالي» الذي يقدّمه فخرو أن زيادة حجم التقرير، «لا يعني أن الأخطاء زادت، بقدر ما يعني أن الجهات الخاضعة للرقابة زادت! وأن حجم الرقابة زاد أيضاً، وأن الملاحظات أصبحت تكتب بشكل مهني»!
المتابعون للشأن العام، يرون – وخلافاً لفخرو – أن الجمهور لم يعد يكترث كثيراً بصدور التقرير، ومستوى الاهتمام انخفض كثيراً عن الأعوام السابقة، خصوصاً هذا العام، حيث ترافق مع زيادة احتقان الشارع السياسي. كما أن القصص أصبحت أقل إثارةً، فالمسلسلات الطويلة عادةً ما يملّ الجمهور من متابعة حلقاتها الأخيرة، خصوصاً حين تكون النهاية معروفة سلفاً: هناك فساد ولا يوجد فاسدون. وما تضمنه تقرير مهني عمل عليه محاسبون قانونيون في 650 صفحة مجرد «ملاحظات». وكل ذلك سيسجل ضد مجهولين، أو مخلوقات من الفضاء، وربّما من الجن القادمين من وادي عبقر!
الفائدة المؤكدة وربما الوحيدة، التي يتلمسها الرأي العام بكل جلاء، هي أن صدور التقرير يؤدي إلى «انشغال» مجموعة من «الكتاب الانشطاريين»، فيغيّرون «المود» لثلاثة أيام لمتابعة الموجة، فيتوقفون مؤقتاً عن سبّ الجمعيات المعارضة وتخوين الشخصيات الوطنية التي بُحّ صوتها وهي تطالب منذ سنوات بحماية المال العام والتوزيع العادل للثروة واحترام الحرية والعدالة وحقوق الإنسان!
صحيفة الوسط البحرينية – العدد 4541 – الخميس 12 فبراير 2015م الموافق 22 ربيع الثاني 1436هـ
http://www.alwasatnews.com/4541/news/read/960909/1.html