Skip to main content

خليل يوسف

  • الأسوأ والأخطر في أي مجتمع حين تتشكل بيئة فاسدة تتستّر على الفساد وتبرّره، تحييه وتسمح له بالتناسل..!

في ملف الفساد وصحبه وأعوانه وأربابه ورموزه والعابثين بالمال العام، وتأثيرات الفساد وتداعياته في أي منطقة او بلد سنجد مدى الارتباط الوثيق بين هذا الملف والظلم، ولعله من هذا المنطلق جاء عنوان مؤشر مدركات الفساد لعام 2023 الذي أطلقته منظمة الشفافية الدولية في 31 يناير الماضي بمناسبة اليوم العالمي للشفافية حاملاً شعار «الفساد والظلم»، والشعار يقرأ من عنوانه يكشف عن أمور مذهلة كثيرة أحسب أنها لا تحتاج الى شرح او تعريف..

المؤشر الذي دأبت تلك المنظمة على صدوره منذ عام 1995 يعتبر أحد أهم المؤشرات العالمية لقياس البيئة المساعدة في مجال تفشي الفساد في القطاع العام في العالم، البيانات تضمنها المؤشر فيها الكثير من المعلومات الصادمة منها أن معظم دول العالم لم تحقق تقدمًا يذكر في معالجة الفساد بل إن هناك فقدانًا للزخم في جهود مكافحة الفساد في جميع أنحاء العالم،

وإن هناك صلة واضحة بين الوصول الى العدالة والإفلات من العقاب والفساد، كما يشير الى تراجع أغلب الدول العربية بسبب عدم اتخاذ إجراءات جدية لمكافحة الفساد وتدهور فضاء مؤسسات المجتمع المدني، في الوقت الذي تطرق فيه المؤشر الى دول أخرى حققت نتائج جيدة على المؤشر بسبب إنفاذها لقوانين تتعلق بمحاربة الفساد هي على التوالي الدنمارك وفنلندا ونيوزلندا.

حسنًا فعلت الجمعية البحرينية للشفافية أن ذكّرت الناسين او المتناسين بمناسبة اليوم العالمي للشفافية، تم ذلك في احتفاليتها ومؤتمرها الصحفي والذي أطلقت من جانبها بحكم عضويتها في منظمة الشفافية الدولية ذلك المؤشر وطرحت رؤاها في شأن ما خرج به هذا العام من نتائج، كما استثمرت الجمعية هذه المناسبة لتعاود عرض بعض التوصيات التي دأبت على طرحها منذ عام 2008 وحتى الآن، وهي توصيات قالت الجمعية إنها تتطلب تحركًا مناسبًا وسريعًا لتحسين موقع البحرين في المؤشر العالمي للشفافية، وبدون هذا النشاط الذي قامت به جمعية الشفافية ما كان لأي طرف او جهة أن يذكّرنا بهذه المناسبة، او يشير إليها لا من قريب ولا من بعيد، ولا بأس هنا أن نذكّر بأهم تلك التوصيات لعل الذكرى تنفع، فهي تشمل إصدار قانون إنشاء هيئة مستقلة لمكافحة الفساد، وإصدار قانون حق الحصول على العلومات، وإصدار قانون لحماية الشهود والمبلغين نشر ثقافة النزاهة وتعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني، كما تشمل توصية بإنشاء مفوضية عليا مستقلة لإدارة الانتخابات، وإصدار قانون لحماية الشهود والمبّلغين عن الفساد.

تلك توصيات مطروحة منذ عام 2008 ولاتزال جمعية الشفافية تواصل في طرحها وتطالب بها وتؤكد على أهميتها من منطلق أنها تشكل مفصلاً مهمًا في محاربة الفساد المالي والاداري وحتى السياسي، وللإحاطة فإنه بالنسبة للتوصية الأخيرة، فقد وجدنا المملكة العربية السعودية ضمن خطواتها الجدية واللافتة والمرحب بها في مجال محاربة الفساد وهي تقدم على خطوة جديدة على صعيد محاربتها الفساد تمثلت في قرار صدر مؤخرًا عن مجلس الوزراء يقضي بالموافقة على نطام لحماية المبلغين والشهود والخبراء والضحايا تعزيزًا للنزاهة ولجهود مكافحة الفساد. (جريدة الرياض 15 فبراير 2024)

نعود الى مؤشر منظمة الشفافية الدولية الصادر حديثًا المعنون بـ«الفساد والظلم» فقد ارتكزت المنظمة على مرتكزات تبنتها توصلت من خلالها الى أن تفاقم الظلم الاجتماعي يؤثر بشكل غير متناسب على الفئات الأكثر ضعفًا، وأن النضال من أجل العدالة ومكافحة الفساد يجب أن يسيرا جنبًا إلى جنب؛ لأنه حين يعجز نظام العدالة عن دعم سيادة القانون يزدهر الفساد ويكون الفساد هو القاعدة، وتذكر أن إعاقة الوصول إلى العدالة غالبًا ما يتم بالنسبة للفئات الأكثر ضعفًا، وبالفعل بات من اليسير أن نرى هؤلاء بالذات او كثير منهم في العديد من البلدان لم يعد يقنعهم أي كلام عن محاربة الفساد والفاسدين، بل لم يعودوا يصدّقوا كل ما يقال عن محاربة هذا الوباء، وهذا العار، وهذه الفضائح في بلدانهم خاصة في ظل قناعات تترسخ وهي أن الفساد يمنع جهود التنمية من أن تحقق أهدافها ويضيّع على هذه البلدان فرص وموارد وأموال.

من المنطلقات المذكورة جاء المؤشر الذي عادة ما يغطي 180 بلدًا إقليمًا حول العالم استنادًا على بيانات وتحليلات وتقارير تتناول من أهمها الرشوة، اختلاس المال العام، استغلال المناصب العام لتحقيق مكاسب شخصية دون مواجهة العواقب، قدرة الحكومات على الحد من الفساد وفرض آليات فعالة لتكريس مبدأ النزاهة، التعيينات القائمة على الكفاءة وتلك القائمة على المحاباة في الوظائف العمومية، الملاحقات القضائية الحقيقية للمسؤولين، القوانين الكافية ذات الصلة بالتصريح بالممتلكات الخاصة والذمة المالية وتعارض المصالح في صفوف كبار المسؤولين، السيطرة على الدولة من قبل أصحاب المصالح الضيقة، وحرية عمل مؤسسات المجتمع المدني وقدرتها على النفاذ إلى المعلومة فيما يتعلق بالشأن العام، والوصول إلى المعلومات من قبل الجمهور بحرية وسهولة ومستوى الإفصاح والشفافية، وأخيرًا مدى الالتزام بمقتضيات اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد..

تلك أسس ومرتكزات يمكن استثارة نقاش حول كل منها خاصة في ظل تفاقم الأمثلة الدالة على الخروج على تلك الأسس وانتهاكها بشكل صارخ في العديد من بلدان العالم، ولذلك فإن منظمة الشفافية أكدت بأنها توصلت الى الارتباط الوثيق بين مستوى الفساد واحترام الدول لحرية الرأي والتعبير واحترام حقوق الإنسان ولا تهتم بالمسألة الديمقراطية وفيما فيما يخص تحديدًا الدول العربية فهو يشير الى عدم الرغبة السياسية لأغلب هذه الدول من اتخاذ إجراءات جدية لمكافحة الفساد، كما يشير إلى تدهور فضاء مؤسسات المجتمع المدني من الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وعدم العدالة وتوسيع قاعدة الظلم، وإعاقة أهداف التنمية المستدامة، والمؤسف أن منظمة االشفافية الدولية لاتزال تؤكد على أن النهج المختل والضعيف في معالجة القضايا المتعلقة بالتنفيذ والالتزام المستمر بتدابير مكافحة الفساد لايزال قائمًا في العديد من البلدان، وبناءً على ذلك تؤكد على الحاجة الماسة للإصلاح السياسي والحقوقي وأهمية خلق حركة عالمية ذات رؤية واحدة تتمثل في عالم تكون فيه الحكومات والشركات والمجتمعات المدنية والحياة اليومية للناس خالية من الفساد ولا يبقى محاربة هذه الآفة محصورًا في الاطار النظري بدلاً من التركيز على خلق ثقافة تعني بالمساءلة والمحاسبة في الدولة والمجتمع وقبل ذلك إرادة حقيقية في وقف نزيف الفساد..!

بالفعل الإرادة الحقيقية هي الأساس، لسنا بحاجة الى كثرة القوانين، قوانين للذمة المالية، وقوانين لتنظيم العقود والمناقصات ولحماية المال العام، وقوانين أخرى كثيرة، وهياكل إدارية تعنى بشكل او بآخر بالنزاهة و محاربة الفساد بقدر ما هو مطلوب أولاً وأخيرًا إرادة حقيقية وفعلية توفر قوة الدفع اللازمة التي لا مواربة فيها لبلوغ هدف محاربة الفساد على خير وجه، وإلا سيظل الجميع تائهين أمام حالة من الشعارات الفارغة المضمون، وأمام مجموعات ولوبيات فساد تساند بعضها بعضًا، لوبيات لها أذرع في كل شأن ومجال وميدان، والأسوأ والأخطر في أي مجتمع حين تتشكل بيئة فاسدة، بيئة تتستر على الفساد وتبرره وتحميه وتسمح له بالتناسل والتكاثر كالبكتريا و يصبح فيها مواجهة الفساد والفاسدين من المحذورات أو خطوطًا حمراء، هل هناك ما هو أسوأ وأخطر من ذلك على أي مجتمع أو بلد؟!

https://alay.am/p/7xmc