Skip to main content

1297195597

لم يكن أحد من قادة الأحزاب والتكتلات التونسية ولا مراكز البحوث والاستطلاعات، قادراً على التنبؤ بنتائج الانتخابات التشريعية التونسية التي جرت في تونس في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 2014، وقبلها خلال 20 – 22 في المهجر. وقد ثبت خطأ توقعات الأحزاب واستطلاعات الرأي التي أجريت، كما أن ما أعلن في الصحف لم يكن دقيقاً حتى أعلنت الهيئة العليا للانتخابات النتائج الرسمية يوم الخميس 30 نوفمبر 2014.

كانت المفاجأة فوز حزب «نداء تونس» الذي تشكل في 2012 حيث نال 85 مقعداً، وتبعته «حركة النهضة» التي فازت بـ69 مقعداً أو ما يقارب نصف المقاعد التي نالتها في انتخابات 2011، ثم أتت باقي الأحزاب متأخرة جداً مثل الاتحاد الوطني الحر (ليبرالي) 16 مقعداً، والجبهة الشعبية (يسار راديكالي) 15 مقعدا، حزب آفاق تونس 8 مقاعد، ثم حزب الرئيس المرزوقي (المؤتمر من أجل الجمهورية) 4 مقاعد فقط، في حين كان له 22 مقعداً في انتخابات 2011، ومقعدان للتونسيين في الخارج، ونالت 4 أحزاب ما بين 2 و3 مقاعد، في حين نالت باقي اللوائح الصغيرة لأحزاب وتكتلات مستقلة مقعداً لكل منها بما مجموعه 25 مقعداً.

إذاً نحن أمام حزبين كبيرين مختلفين تماماً في البرنامج والايدلوجية، أي حزب نداء تونس الليبرالي العلماني وهو أقرب إلى ائتلاف لعدة قوى وشخصيات، وحركة النهضة وهي حركة إسلامية إصلاحية، فيما باقي الأحزاب والقوى متشرذمة ومتنافرة. وهذه النتيجة ستنعكس أيضاً على انتخابات الرئاسة المقرّرة في 24 نوفمبر 2014 والإعادة في 1 ديسمبر 2014، حيث هناك 27 مرشحاً يعكسون الخارطة السياسية. ولذا يتوقع أنه بعد الجولة الأولى في 24 نوفمبر، فإن التنافس سينحصر ما بين مرشح نداء تونس الباجي قايد السبسي، والمرشح المفضل لحركة النهضة. وإذا ما فاز مرشح نداء تونس فإننا أمام وضع يكرّر الجميع أنهم لا يرغبون فيه، أي هيمنة حزب واحد على السلطة والمشهد السياسي.

المعضلة التي يواجهها التونسيون الآن، هو أنه بحسب الدستور فإن الرئيس وهو المنصف المرزوقي، مخوّل بتكليف الحزب الفائز وهو هنا نداء تونس بزعامة الباجي السبسي، والذي بدوره يرفض ذلك باعتبار أن المنصف المرزوقي رئيس مؤقت من قبل المجلس التأسيسي الذي انتهى أجله. كما أن هناك جفوةً ما بين الرجلين وما بين حزبيهما، نداء تونس والمؤتمر من أجل الجمهورية، ما يجعل الحسم بيد المحكمة الدستورية.  ويقترح عدد من الأحزاب والسياسيين التوانسة أن تستمر الحكومة المؤقتة برئاسة مهدي بن جمعة، إلى ما بعد انتخابات الرئاسة، بحيث يكلف الرئيس المنتخب حزب نداء تونس أو تحالفاً يقوده الحزب بتشكيل الحكومة، لتتقدم إلى البرلمان الجديد لنيل الثقة بحسب ما يتطلبه الدستور.

وهناك عامل جديد في سباق الرئاسة، وهو دعوة رئيس المجلس التأسيسي السابق والمرشح للرئاسة مصطفى بن جعفر والذي لم ينل حزبه سوى مقعد واحد، أحزاب التيار الديمقراطي الاجتماعي، إلى الاتفاق على مرشح واحد وانسحاب باقي المرشحين الـ 25 من السباق، ويوافقه في ذلك زعيم الحزب الجمهوري أحمد الشابي، الذي لم ينل سوى مقعد واحد أيضاً. ويبدو أن ائتلافاً يتشكل لتقديم مرشّح في مواجهة مرشحَيْ نداء تونس وحركة النهضة.

إذاً نحن أمام خارطة سياسية جديدة وتركيبة جديدة لسلطات الجمهورية الثانية: الرئاسة والبرلمان والحكومة، وفي ظل هذا الاستقطاب فهناك احتمالان أولهما أن يستثمر حزب نداء تونس أغلبيته في البرلمان للتحالف مع أحزاب صغيرة، في حين تبقى النهضة وأحزاب أخرى في المعارضة، وكذلك فوزه المحتمل بالرئاسة، ليهيمن على الجمهورية الثانية؛ أو أن يسعى رغم الاختلاف الكبير بينه وبين النهضة وغيرها، إلى تشكيل حكومة ائتلافية ذات قاعدة عريضة، بحيث يكون رئيس الوزراء توافقياً من خارج نداء تونس. وكذلك الأمر بالنسبة لرئيس البرلمان، بينما تؤول الرئاسة إلى الباجي قايد السبسي زعيم نداء تونس.

أملنا أن يستمر النهج التوافقي التونسي، وتغليب المصلحة الوطنية على المصالح الذاتية، فالمهام جسيمة لا يستطيع تحمل عبئها أي حزب بمفرده، لبناء تونس الجديدة، أمل الأمة العربية وربيعها.

عبدالنبي العكري

صحيفة الوسط البحرينية – العدد 4450 – الخميس 13 نوفمبر 2014م الموافق 20 محرم 1436هـ