قال رئيس الجمعية البحرينية للشفافية شرف الموسوي، إن العمل التطوعي والمدني في البحرين، ليس في افضل حالاته بسبب ما وصفه بـ «الممنوعات» المفروضة عليه.
وفي حديثه عن الديقراطية في البحرين، رفض الموسوي اعتبار شعب البحرين حديث عهد بالديمقراطية، قائلا: «التجربة الديمقراطية في البحرين بدأت منذ بداية السبعينيات بعد انتخاب المجلس التأسيسي الذي تولى كتابة الدستور الأول للبحرين، وهو الدستور الذي تم التوافق عليه أيام المغفور له الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، ونتج عن تنفيذ هذا الدستور أول انتخابات نيابية في البحرين في العام 1973، وللأسف لم تستمر هذه التجربة الفتية في البحرين، حين تم حل المجلس في العام 1975، وثم إيقاف العمل ببعض المواد الدستورية المتعلقة بإعادة الحياة النيابية».
وتابع: «بعد ذلك تولى جلالة الملك زمام المبادرة في العام 2000، وبدأ بإعادة العمل بالحياة الديمقراطية بإصدار دستور 2002، وإعادة تشكيل مجلس الشورى وانتخاب مجلس نواب جديد ابتداء من بداية الألفية الثانية، لذلك فإن شعب البحرين ليس حديث عهد بالديمقراطية».
وأشار الموسوي إلى أن الممارسات الديمقراطية لشعب البحرين في الحياة العامة تواصلت من خلال استمرار الانتخابات في الجمعيات والأندية الرياضية والثقافية، مؤكدا أن الديمقراطية ليست الانتخابات فقط بل هي أحد أهم مؤشرات الديمقراطية، وأن الشعب استمر في تعلم ونشر الثقافة الديمقراطية بعدة أوجه.
وقال: «لو أتيح المجال لاستمرار التجربة الديمقراطية الأولى، لوصلت البحرين لمواقع متقدمة جداً في الممارسات الديمقراطية، سواء الرسمية أو الشعبية، ولانتشرت الثقافة الديمقراطية بشكل أكبر وأفضل بكثير مما هو عليه الآن، بحكم تراكم التجارب الانتخابية وتعدد مجالاتها».
واعتبر الموسوي أن المعايير الديمقراطية اللازمة متوافرة في البحرين، وأن شعب البحرين من الشعوب المتعلمة، وخصوصا أن التعليم النظامي في البحرين بدأ في العام 1920 بافتتاح مدرسة الهداية الخليفية، ويحمل العديد من أبناء الشعب شهادات أكاديمية عليا من العديد من الجامعات الأجنبية، ناهيك عن أن العديد من أبناء الشعب اختلط بالخارج بحكم الطبيعة الجغرافية للبحرين، وأن انفتاح المجتمع واختلاطه بالعديد من الجنسيات وتمازج الثقافات، جميعها عناصر تشكل بيئة مناسبة للديمقراطية.
كما أشار إلى أن وجود الدستور والقوانين التي تنظم العمل الديمقراطي وتحتوي على الممارسات والمعايير والأحكام الديمقراطية، جميعها مؤشرات تساعد على الممارسة الديمقراطية، وقال: «صحيح إننا لسنا في وضع متقدم من الممارسات الديمقراطية، ولكن التطور الطبيعي سيسهم بالتأكيد في إلغاء العديد من الممارسات غير الديمقراطية التي برزت في الآونة الأخيرة، وخصوصا التمييز والتهميش لبعض أفراد المجتمع، وبروز الممارسات الطائفية المقيتة. فكما يقال إن الديمقراطية تنظف نفسها من الشوائب».
أما بشأن المطلوب من الحكومة والشعب لتحقيق لتحول الديمقراطي، فأكد الموسوي على أهمية أن تقوم الحكومة بمنح المزيد من الحريات للشعب، وخصوصا حرية الرأي والتعبير، باعتبارها من المعايير البارزة للمجتمع الديمقراطي، معتبرا أن الالتزام بالتنفيذ الفعلي لمواد الدستور والقوانين المنظمة للحياة الديمقراطية، لا الانتخابات فقط تعتبر من الأمور المطلوبة من الحكومة، وفقا له.
وقال: «من أهم ما يجب أن تفسح الحكومة المجال فيه، هو نشر الممارسات الديمقراطية، ومنها السماح بدور حقيقي لمنظمات المجتمع المدني، تمكنها من العمل على نشر المبادئ الديمقراطية والحقوقية لتطوير الثقافة الشعبية».
وأضاف: «اليوم على المستوى العالمي، بدأت الدول الديمقراطية بالاعتراف والتعامل الفعلي مع الدور المتقدم لمنظمات المجتمع المدني، ومشاركتها ليس فقط في نشر الثقافة الديمقراطية، بل بدأت هذه الدول في إفساح المجال أمام هذه المنظمات من أجل المشاركة الحقيقة في اتخاد القرار، ولنا في ما تعتمده الأمم المتحدة في الاتفاقيات الدولية من النص الصريح لدور منظمات المجتمع المدني وتضمين جميع الاتفاقيات والعهود الدولية دور فاعل لمنظمات المجتمع المدني، خير دليل على ما نقول، وكما هو معروف، فإن الامم المتحدة تعترف بالتقارير التي تقدمها منظمات المجتمع المدني في تنفيذ الاتفاقيات المتعلقة بالحقوق الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية وغيرها، وتعتبر المنظمات الحقوقية الدولية من أنشط هذه المنظمات ولها تأثير مباشر على الأمم المتحدة والدول، منها منظمات الإغاثة».
وأكد في هذا الإطار على ضرورة أن تكون الحكومة أكثر إيجابية في مجال منح الشعب فرصة أكبر من المتاحة حاليا من أجل تحقيق التحول الديمقراطي الحقيقي للبحرين، مشيرا إلى أنه بالرجوع إلى الأحداث التي مرت بها البحرين منذ العام 2011، فإن ذلك يعود في جانب منه لانعدام الممارسات الديمقراطية الحقيقية.
وبشأن تقييمه للمساحة المتاحة للمجتمع المدني في البحرين، أكد الموسوي أن هذه المساحة بدأت تضيق على مؤسسات المجتمع المدني، وخصوصا مع فرض وزارة التنمية الاجتماعية ما وصفه بـ «أشد أنواع الشروط والممنوعات»، سواء تلك المتعلقة بتأسيس جمعيات جديدة أو ضيق الهامش المتاح للجمعيات والاتحادات القائمة في ممارسة أنشطتها، على حد قوله.
واشتكى الموسوي مما اعتبره معاناة المجتمع المدني في البحرين من التهميش والمضايقات، مشيرا إلى أن العمل التطوعي والمدني في البحرين لا يعتبر في أحسن حالاته في الوقت الجاري، وأن ذلك يعود في جانب كبير منه إلى أسلوب عمل وزارة التنمية الاجتماعية وتعاطي بعض موظفيها السلبي مع العمل التطوعي وما سماه بـ «البيروقراطية الصارمة» التي تتمتع بها الوزارة، مما يزيد من عمق مشكلات الجمعيات الأهلية، وفقا له.
وقال: «تمارس الوزارة سياسة إقصاء مؤسسات المجتمع المدني، وأحدث مثال لذلك هو استبعاد الجمعيات الأهلية من المشاركة في مؤتمر التنمية المستدامة الذي عقد في البحرين، بالرغم من إن تنفيذ أهداف الألفية يعطي دور كبير لمؤسسات المجتمع المدني للمشاركة مع الحكومة في تحقيقها، وسبق لبعض الجمعيات ومنها الجمعية البحرينية للشفافية أن خاطبت الوزارة بشكل رسمي لحضور هذا المؤتمر، إلا إن الوزراة لم تستجب لهذا الطلب بل لم تكلف نفسها عناء الرد على خطابنا مما يؤشر على حجم التهميش الذي تمارسه الوزارة لدور هذه الجمعيات».
وتابع: «تضع وزارة التنمية الاجتماعية العديد من المعوقات والشروط غير المنطقية عند تأسيس الجمعيات الأهلية الجديدة، وخصوصا إذا كان المتقدمين لتأسيس هذه الجمعيات أفراد لا يتناسب نمط تفكيرهم والسياسة العامة السائدة لدى الوزارة، ومن الشروط التعجيزية المطلوب تحقيقها قبل حصول المتقدمين على الموافقة، استئجار مقر وتأثيثه وتوفير موازنة لمدة سنتين بالرغم من أن قرار الموافقة على التأسيس غير متوفر، بالإضافة إلى ذلك المنع من الحصول على التمويل المالي سواء من الداخل أو الخارج، إلا بشروط وممارسات بيروقراطية عقيمة، تفقد هذه الجمعيات القدرة على تنفيذ خططها وبرامجها لصالح المجتمع، ولا ننسى ما قامت به الوزارة من حل لبعض مجالس إدارات الجمعيات والتدخل المباشر في تركيب جمعيات أخرى».
وواصل: «خيراً فعل صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، بسحب مقترح مسودة قانون الجمعيات الأهلية من التداول في مجلس النواب، لأن هذا القانون كان سوف يسهم في انهاء العمل التطوعي والمدني بسبب الشروط التي تضمنها، وسيسهم في تخلف العمل المدني مقارنة بما وصلت له الجمعيات في البحرين الآن».
وطالب الموسوي بإشراك منظمات المجتمع المدني في صياغة مسودة جديدة للقانون يتواكب وأفضل الممارسات ويحقق توصيات الحوار الوطني الذي تم في العام 2011، وبما يضمن مزيداً من الحرية في تشكيل الجمعيات ومنح مساحة أوسع لهذه الجمعيات للعمل على تنفيذ خططها والتزاماتها تجاه المجتمع.
وختم حديثه بالقول: «لو تطرقنا لخلفية تاريخية للعمل المدني في البحرين، فإن البحرين تعتبر من أوائل الدول العربية التي عرفت منظمات المجتمع المدني، والتي كانت ولازالت تعرف بالجمعيات والأندية والاتحادات أقدم من مثيلاتها في دول الخليج العربي الأخرى. إذ بدأ تشكيل الأندية والجمعيات في البحرين منذ بداية العشرينيات من القرن الماضي، كالنادي الأدبي (1920)، والنادي الأهلي (1936)، نادي العروبة (1939)، أسرة الأدباء والكتاب(1969)، جمعية المهندسين (1972)، جمعية الأطباء (1972)».