Skip to main content

خلال المرحلة المضيئة من تاريخ الأمة العربية، فترة حكم جمال عبدالناصر، جرى استنهاض الأمتين العربية والإسلامية من أجل تحرير الأراضي المحتلة وتحرير الإرادة من القوى الاستعمارية والإمبريالية الصاعدة، والتكاتف بين مكوّنات الأمتين العربية والإسلامية، وحتى التضامن بين أنظمة الحكم المختلفة في العالمين العربي والإسلامي.

ولقد أوضح عبدالناصر هذه الاستراتيجية في كتابه «فلسفة الثورة»، والدوائر الثلاث للثورة المصرية، أي العربية والإفريقية والإسلامية.

لقد انعكست هذه الاستراتيجية على كل شيء بما في ذلك توجه الأزهر الشريف للتقريب بين المذاهب الإسلامية، وخصوصاً السنة والشيعة. وبالفعل فقد استضاف الأزهر في ظل شيخ الأزهر محمد شلتوت عدة مؤتمرات، وتشكّلت مجموعاتٌ للحوار بين كبار علماء الدين السنة والشيعة، من مصر والعراق وإيران وغيرها، وتطوّر الأمر إلى تدريس الفقه الشيعي في الأزهر الشريف.

وبالطبع فقد انعكس ذلك إيجابياً على علاقات السنة والشيعة في مختلف البلدان العربية والإسلامية، وانخرط الجميع في النضال الوطني والقومي، وكانت الخلافات سياسيةً وليست دينية مذهبية، ولكن وكما يقول المثل «لقد مرت مياهٌ كثيرةٌ تحت الجسر».

وكان موت عبدالناصر المأساوي في 30 سبتمبر/ أيلول 1970، وهو يعمل لإطفاء نار الحرب على المقاومة الفلسطينية، مُؤذِناً بمرحلة انحطاط في كل شيء في الحياة العربية. وكان من أبرز ملامحها ارتداد الانتماءات من الوطن والأمة إلى الدين والمذهب، وأضحت التنظيمات السياسية والمجتمعية الطائفية تسيد المشهد العام على حساب التنظيمات الايدلوجية اليسارية والتقدمية والوطنية.

وجاءت رياح الربيع العربي المنطلقة من تونس الخضراء في ديسمبر/ كانون الأول 2010 لتعطي أملاً للعرب بالنهوض والخروج من المستنقع الآسن الذي غمرتهم فيه الأنظمة الاستبدادية ودعاة الفكر الطائفي والتمييز الديني. وهنا كان لابد للأنظمة الاستبدادية ودعاة هذا الفكر من أن تشهر الأسلحة الصدئة وفي مقدمتها الفكر الطائفي، مستفيدةً ليس فقط من دعاته الأصليين، بل المرتدين عن الفكر اليساري والقومي والوطني.

وفي هذا الإطار رُوّج لما سُمّي بـ «الهلال الشيعي» وخطره الذي يتجاوز الخطر الصهيوني، وبناءً عليه أضحى يروّج أن الشيعة ليسوا مواطنين مخلصين لأوطانهم وقوميتهم وأنهم عملاء لإيران؛ وأن إيران أخطر من «إسرائيل»؛ وأن الدعوة للتشيع هي أخطر من التصهين والتغرب. وهكذا يُوَاجَه كل تحركٍ للمواطنين العرب الشيعة من أجل حقوق المواطنين جميعاً بأنه مؤامرة خارجية، وكل مبادرة من إيران للتقارب مع الأنظمة العربية وفي مقدمتها مصر التي تحرّرت نسبياً من قبضة التحالف الإسرائيلي – الأميركي والحكم الاستبدادي التابع، بأنها مؤامرةٌ لنشر التشيع. وقد وصلت الهستيريا إلى التحشيد ضد زيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد إلى مصر. ولو كان الزائر رئيس وزراء دولة عدوة، لما عُومِل بهذه العدائية.

وقد جرى توريط الأزهر في ذلك، بإساءة استقبال رئيس دولة إسلامية كبرى في أول زيارةٍ بعد قطيعةٍ طويلةٍ من قبل النظام البائد، وفي مبادرةٍ للتلاحم بين أكبر دولتين إسلاميتين في المنطقة، ما سينعكس إيجابياً في حال حدوثه، ليس على صالح شعبي البلدين فقط، بل على تقارب السنة والشيعة، ولمّ صفوف الأمة الإسلامية، وخصوصاً أن إيران الثورة قد انحازت للقضية الفلسطينية خلافاً لعهد الشاه البائد.

وقد بلغت الهستيريا حدّها برد فعل لاعقلاني تجاه رسالة وجّهتها شخصياتٌ ثقافيةٌ إلى الرئيس المصري محمد مرسي حول رؤيتهم لمستقبل حكم المنطقة.

وبغضّ النظر عن صواب أو خطأ هذه الرسالة، فلا يجب أن يفسّر كل ما يصدر عن الشيعة أنظمة أو أحزاباً أو شخصيات، بأنه مؤامرة على أهل السنة، فالشيعة بالأساس أقليةٌ وهم خارج الحكم باستثناء إيران، وهم تاريخياً مندمجون مع إخوانهم المسيحيين والمسلمين. وكانوا في مقدمة المناضلين سواءً ضد الاستعمار أو ضد الأنظمة الاستبدادية.

إن تصويت شيعة البحرين في استفتاء الأمم المتحدة في 1970 حول خيار استقلال البحرين في ظل حكم آل خليفة ورفضهم الانضمام إلى إيران التي كان يحكمها شاه إيران (الشيعي مذهبياً)، يؤكد الخيار الوطني والقومي، وهذه سابقةٌ تكرّرت في أكثر من بلد عربي وإسلامي، من حيث رفض مكونات عربية مثل المسيحيين أو الشيعة أو الدروز التساوق مع العدو الوطني.

ليس معنى ذلك أنه لا يوجد متعصبون في أوساط الشيعة، كما هو الحال في أوساط السنة وغيرهم من الطوائف والمكونات، ولكن المطلوب اليوم هو الوقوف أمام هذا الجنون الطائفي، وتشطير أبناء الوطن الواحد والأمة الواحدة، إلى حد استباحة دماء بعضنا البعض، واستبدال العدو الوطني والقومي، بعدو موهوم هو في الحقيقة أخٌ وجارٌ وشقيق. وليكن شعارنا دائماً «إخوان سنة وشيعة…

هذا الوطن ما نبيعه».

عبدالنبي العكري
صحيفة الوسط البحرينية – العدد 3823 – الأحد 24 فبراير 2013م الموافق 13 ربيع الثاني 1434هـ