كاتب بحريني
بدأ منذ يوم الجمعة (1 يوليو/ تموز 2016)، سريان قرار هيئة مكتب النواب والأمانة العامّة لمجلس النواب، بمنع النواب من انتداب أقاربهم من الدرجتين الأولى والثانية للعمل في مكاتبهم النيابية، فيما توعّد نواب بإغلاق مكاتبهم احتجاجاً على القرار المذكور، مُحمِّلين رئيس مجلس النواب والأمين العام للمجلس المسئولية الكاملة لإغلاق النواب مكاتبهم اعتباراً من تاريخ سريان القرار المشار إليه.
قضية التوظيف في مجلس النواب أكبر من ذلك بكثير، قضية «تلاعب ومحسوبية» من قبل بعض النواب وبعض الكيانات السياسية والكتل، قضية لم تكن خافية على أحد، حتى فصّل فيها ديوان الرقابة المالية، وعرّاها أحد النواب السابقين لمجلس النواب مُعلناً تحدّيه لمن يقول عكس ذلك دون أن يردّ عليه أحد.
بعيداً عن ما يشهده المجلس النيابي في البحرين، والذي أصبح محسوماً مُسبقاً لدى الرأي العام بمختلف فئاته وأطيافه وتوجُّهاتها، يدور الحديث حالياً عن ممارسات عديدة في المجلس.
رائحة ذلك ليست جديدة، بل كانت متداولة وقديمة، وقد تمّ التطرُّق لها كثيراً وخصوصاً تلك المتعلقة بالتوظيف، والواسطات والمحسوبية والتجاوزات المالية في مخصصات السفر، وغيرها.
«الفساد المالي والإداري» كشف عنه النائب «العتيد» ذو السنوات الـ 12 في مجلس النواب، السلفي جاسم السعيدي في مقابلة صحافية نُشرت عبر صحيفة محلية في الثامن عشر من مايو/ أيار 2014.
في تلك الفترة خرج السعيدي عن صمته، وشنَّ هجوماً قويّاً على مسئولين بمجلس النواب، واتهمهمم بـ «الفساد» حتى ذهب للقول إن ذلك أدّى إلى «ضجر الكثير من النواب المخلصين، حتى وصل الحال إلى أنهم لم يعاودوا الترشح بعد الدورة الأولى».
السعيدي قال وأكد أن «المؤسسة التشريعية والرقابية» في البحرين والمعنيّة بمحاسبة المفسدين، بها «فساد» كشفه ديوان الرقابة المالية… فهل يُعقل ذلك!
المؤسسة التي كانت من المفترض أن تكون مثالاً للتعددية، والانسجام، والمساواة، والعدالة، والإنصاف، وعدم التمييز، في التوظيف والتعيين، اعتمدت على «الواسطة» و «المحسوبية»، بل ذهبت لأبعد من ذلك عندما بُنيَ هيكلها على محاصصات، إذ سيطرت على هياكله الإدارية تكوينات، ضمن حقيقة لا يمكن إنكارها.
النائب السلفي السعيدي كشفها في مايو 2014، وتحدّث عنها، وأكد علانية أنه «لم يتقدّم بأيِّ طلب لتوظيف شخصية في المجلس، لا من قريب أو بعيد، ولم يتوظف له أحد»، في إشارة واضحة منه لما يحدث داخل المؤسسة النيابية.
جمعية سياسية معروفة، حملت على عاتقها ولازالت، رفض أي خطوات تصحيحية قادها رئيس مجلس النواب الحالي والأمين العام لما حدث طوال سنوات في التوظيف، وحوّلت المجلس لـ «كانتونات» معروفة لدى الجميع، وتغلغلت فيها مستغلة ما تمُرُّ به البلاد من احتقان.
تلك الجمعية السياسية رفضت في بيان لها ونفت بشدّة وجود «مخالفات مالية، أو فساد بالأمانة العامّة، أو حتى محاولات للسيطرة على الأمانة من قبل الجمعيات السياسية»؛ بل ذهبت وعلى لسان أحد أعضائها إلى أكثر من ذلك من خلال التأكيد على أن «تقارير ديوان الرقابة المالية والإدارية ومنذ تأسيس المجلس (من العام 2003) تدقق على أعمال الأمانة وخلت من أيِّ اتهامات بالفساد».
من باب تنشيط الذاكرة فقط، فإنّ ديوان الرقابة المالية في تقريره الذي نُشر في ديسمبر/ كانون الأول 2011، أكد وجود مخالفات في عمليات التوظيف في الأمانة العامّة لمجلس النواب، وتعيينات دون الإعلان أو الرجوع لملفات طلبات التوظيف المؤجلة لدى الشئون الإدارية بالمجلس لاختيار صاحب الكفاءة المناسب. كما تحدّث التقرير عن اكتشافه أن «العديد من الموظفين لا تتطابق مؤهلاتهم العلمية مع المؤهلات العلمية المطلوبة لشغل الوظائف التي يشغلونها»، كما تحدّث عن مخالفات في صرف المستحقّات المالية المتعلقة بالموظفين والعمل الإضافي.
المخالفات التي ذكرها تقرير ديوان الرقابة المالية، هي من أهم أسباب الحديث عن وجود فساد في مجلس النواب، وكذلك سيطرة جمعيات سياسية على مفاصل التوظيف في الأمانة العامّة.
تلك الجمعية التي رأت في فصل بعض المسئولين في الأمانة العامّة لمجلس النواب من المنتمين لها «سابقة خطيرة، وتفريطاً في حقوق الموظفين البحرينيين بالسلطة التشريعية بشكل خاص، والذين أصبح البطش يهددهم في أيِّ وقت، وهو ما لا يمكن القبول به تحت أيِّ شكل، مطالبةً بمراعاة القانون والعدل والابتعاد عن حملات التشويه والطعن وتصفية الحسابات، والتدرُّج في العقوبة بعد التحقيق واستنفاد الطرق جميعاً انتهاءً بالفصل»، نسيَت مواقفها وكيف استَغلّت نفوذها وسلطتها في فصل موظفين.
النواب ذاتهم المدافعون عن ما جرى سابقاً، يعودون من جديد لرفض قرار منع النواب من انتداب أقاربهم من الدرجتين الأولى والثانية للعمل في مكاتبهم النيابية. يُقال إنّ وراء القرار أموراً أكبر، ونعيد ونُكرِّر أن «الدائرة لا تتوقف عن الدوران، وإنْ بعدَتْ عنك اليوم فغداً ستدنو منك».
صحيفة الوسط العدد 5049 – الإثنين 04 يوليو 2016م الموافق 29 رمضان 1437هـ