فعاليات: التقدم رغم اختلاف المعايير رهين بإيجاد وزارات ومراكز تخطيط وإيقاف الفساد
تراجع مرتبة البحرين ضمن تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية 6 مراتب
الجفير – صادق الحلواجي
أظهر تقرير الأمم المتحدة حول التنمية البشرية للعام 2013، تراجع مرتبة مملكة البحرين على صعيد التنمية البشرية 6 مراتب عما كانت عليه سابقاً. بعد أن احتلت المرتبة 48 عالميّاً على مستوى التنمية في مجالس التعليم والصحة، والثالثة عربيّاً بعد كل من قطر ذات المرتبة 36، والإمارات العربية المتحدة التي نالت المرتبة 41 عالميّاً. فيما نفى المنسق المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي بيتر غروهمان، أن تكون البحرين تراجعت، معتبراً ذلك تغييراً في المعايير التي على أساسها أعد التقرير.
وأجمعت فعاليات خلال حلقة حوارية نظمتها الجمعية البحرينية للشفافية بنادي العروبة مساء أمس الأول الثلثاء (23 أبريل/ نيسان 2013) بشأن «تقرير الأمم المتحدة حول التنمية البشرية للعام 2013»، على أن «تقدم البحرين ضمن مراتب تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية رغم اختلاف المعايير رهين بإيجاد تخطيط سليم لكافة المشروعات التنموية، وتوقف الفساد المالي والإداري ومكافحته بالشفافية والنزاهة والتشريعات الملزمة».
وقالت الفعاليات: «لا يمكن أن تحقق أي دولة تقدماً على أي صعيد من الأصعدة طالما لا توجد لديها خطة متكاملة تعمل وفقها، وهي التي تتمثل في إيجاد هيئة أو وزارة معنية بالتخطيط الذي يربط كافة المشروعات والرؤى لوضعها على طريق واحد للتنفيذ. وذلك بمقابل التصدي لكافة أوجه الفساد المالي والإدارية المستشري في الأجهزة التنفيذية المعنية بتطوير تلك الخطط والمشروعات».
وأضافت أن «غالبية الوزارات الحكومية لديها خطة استراتيجية أعلنت عنها على غرار رؤية البحرين الاقتصادية حتى 2030، وبعضها جاءت بصورة جزئية تمتد إلى أعوام قليلة ثم يتم تجديدها وتطويرها، إلا أنها تبقى حبيسة الأدراج مع تغير الوزراء والمسئولين عدا التبجح الإعلامي بوجودها».
وشارك خلال الندوة الحوارية عدد من المعنيين في تخصصات التربية والتعليم، وكذلك في الاقتصاد وتقنية المعلومات، إلى جانب مهندسين وأكاديميين. فيما اعتذر ممثلو مكتب الأمم المتحدة في البحرين عن عدم الحضور لظروف طارئة.
وخلال الندوة، قال النائب السابق جاسم حسين في حديثه عن الجانب الاقتصادي لتحليل التقرير، إن «قراءتي للموضوع تدور حول تبيان أداء دول مجلس التعاون في التقرير الذي تأخر إصداره خلافاً للماضي، وما يميزه عدم اعتماده على متغير واحد كمستوى دخل الفرد أو غيره، بل أخذ بالعمر والصحة ونسبة التعليم، وهذا يكون تميزاً عوضاً عن اقتصاره على مستوى الدخل فقط. أما فيما يخص دول مجلس التعاون لاحظنا أن دولتين هما قطر والإمارات تم تصنيفهما من ضمن الدول ذات التنمية البشرية العالية جدّاً، ولأول مرة البحرين عادت إلى الخلف بست مراتب».
وأضاف حسين «أعتقد ليس من الخطأ ربط تراجع مرتبة البحرين بالتداعيات السياسية في البحرين، لكن الجميل هو حصول قطر على المرتبة 36 في العالم من بين 190 دولة، وهو يعتبر انجازاً خليجيّاً بكل تأكيد، والمميز في هذه الدولة أنها احتلت مرتبة متقدمة عالميّاً من حيث مستوى الدخل».
وأوضح النائب السابق أن «دول الخليج لديها القدرة التي تعزز من مكانتها مقارنة بالوضع المالي المريح وبقاء ارتفاع أسعار النفط، فالصناديق السيادية الخليجية تمتلك مليارات الدولارات، وبإمكانها تطوير التعليم والصحة وتحسين مستوى الدخل، علاوة على إيجاد مراكز بحثية. وتجربة قطر تبين أنه من الممكن تحقيق ذلك»، مشيراً إلى أنه «لا يمكن قياس تقدم أي بلد بعدد ناطحات السحاب بل بمستوى وجود تقدم في الرفاهية والمعيشة وشبكات المواصلات المتقدمة والبنية التحتية المتكاملة، علاوة على التنمية الشاملة للجميع، فهذا هو المعيار الحقيقي».
وختم حسين بأن «الأمم المتحدة تأخذ الأرقام من جهات حكومية، وهي تعتمدها على مبدأ الصحة باعتبارها صحية، لكن يبقى الجانب الإيجابي أن هذا التقرير لم يعتمد على معيار واحد على رغم العديد من المراسلات».
العبيدلي: براءة الاختراع بالبحرين صفر
من جانبه، تداخل الرئيس التنفيذي لمؤسسة «النديم لتقنية المعلومات» والكاتب عبيدلي العبيدلي، في الندوة متبنياً الجانب التقني والإنتاجي الصناعي، وعلق بأن «لديَّ مآخذ على كل تقارير الأمم المتحدة، فهي تتعامل بالأرقام وتقسمها على عدد السكان، وهذا غير صحيح؛ لأن هناك أرقاماً تتركز في فئة وتقل في فئة أخرى. ولم يورد في أي تقرير أن السيولة الموجودة هي دليل للتبذير أم للرفاهية والتقدم، فهناك دول عدد سكانها كبير جداً لكن انتاجها واستهلاكها النفطي يزيد على دول أخرى تستهلك حجماً كبيراً من النفط على رغم قلة عدد سكانها».
وقال العبيدلي: «لم تعد مقاييس تقدم أي مجتمع كما كانت في السابق؛ لأن الأساسيات اختلفت، فالأمية اليوم ليست كما كانت، بل هي الآن تتمثل في من لا يستطيع استخدام وسائل التواصل والأجهزة الالكترونية. فنحن اليوم مستهلكون للتكنولوجيا بشكل تبذيري وليس معلوماتي تقني»، مضيفاً أن «دخل الأموال بقطاع تقنية المعلومات في العام 2012 كان 103 ملايين دولار، 48 في المئة من هذا الدخل كان من نصيب 4 شركات كبيرة، يعني أن 52 المتبقية يجب أن يوزع على البقية من الشركات، فأين انسجام ذلك مع توزيع تقرير الأمم المتحدة».
وختم العبيدلي بأنه «لا يوجد لدينا اهتمام خليجي ببراعة الاختراع والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، فالبحرين صفر على هذا الصعيد، وهي ركائز أساسية في مجتمع المعلومات المتطور والمتقدم، وأعتقد نحن دول مجلس التعاون الفجوة بين أجيال أبنائنا والتقدم العالمي أضيق من جيلنا الحالي والمستقبلي».
رضي: التقدم غير مبني على إنتاج حقيقي
من جهته، أفاد النقابي كريم رضي بأن «التقرير تمت صياغته بطريقة تحذير لدول الشمال من دول الجنوب، ووجه رسالة إلى أن البرازيل والهند والصين ستصبح في الأعوام المقبلة دولاً تسيطر تقنيّاً واقتصاديّاً على كل دول العالم بما فيها المتقدمة اقتصاديّاً حاليّاً مثل أميركا وألمانيا وغيرهما».
وأضاف رضي «على اختلاف مراتب الأنظمة في الدول المتقدمة الرتب، إلا أنها تبقى تقدم تجارب مهمة، ودول الخليج وحتى إن شهدت تقدماً في التنمية البشرية، إلا أن ذلك ليس مبنيّاً على انتاج حقيقي بل على النفط فقط. ودول الخليج فيها أسوأ حالات مؤسسات المجتمع المدني والحريات»، مشيراً إلى أن «التحدث عن قطر لوحدها يعد ظلماً لأننا نتحدث عن مجتمع على حد ذاته، ولابد من شمولية الكلام عن مختلف دول الخليج، فهناك أسئلة كثيرة لم يجب عليها التقرير في الدول التي تشهد رفاهية بما فيها قطر، فالكثير من المشكلات على سبيل المثال المتعلقة بالعمالة الآسيوية تشهدها قطر من دون حل».
وختم رضي «إذا لا توجد شبكة كاملة وبنية تحتية حقيقية، وكذلك وضع جيد لمؤسسات المجتمع المدني، وضمان لكل الحريات والحقوق، لا يمكن قياس تقدم ورفاهية الدولة اعتماداً على مستوى الدخل والصحة والتعليم فقط».
العسبول: تقدم البلاد ليس بعدد الخريجين
كما شارك خلال الندوة سعيد العسبول متطرقاً إلى ضرورة إصلاح القضاء والتركيز على إبعاد الشوائب التي تدور حوله لضمان دخول الاستثمارات في البلاد، والتي تتطلب الأمن القضائي للحفاظ على رؤوس أموالها وممتلكاتها.
وقال إن «التنمية البشرية في البحرين بحسب وجهة نظري هي في تراجع وليست في تقدم، ولا يمكن قياسها بعدد الخريجين ولا عدد المتدربين، بل بنوعية المناهج التعليمية وبرامج التدريب والتأهيل، وكذلك نوعية الشهادات الاختصاصية التي لا تتوافر إلا بمحدودية. وعليه، فقياس التنمية بعدد الخريجين هو معيار غير صحيح، فقد كانت لدينا معاهد تدريب مرموقة سابقاً مثل مركز تدريب الكهرباء الذي بات مشلولاً».
وختم العسبول بأن «فاعلية الأداء هي الأهم للتنمية البشرية، فمعروف أن لدينا فجوة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل، لكن العقلية في مؤسسات التعليم والتدريب، أو حتى المؤسسات الإدارية والتشغيلية والانتاجية تبقى متخلفة ودون المستوى الواقعي».
آل محمود: لا تنمية من دون إيقاف الفساد
وشاركت رئيسة دار الأمان وعضوة جمعية الاجتماعيين البحرينية، هدى آل محمود، فقالت: إن «من أهم الأمور والتحديات التي دائماً ما تظهر أن الخليج يواجه غياب خطط التنمية ومكافحة الفساد. وهذا يضرب في مقتل أي مشروع تنمية، فلا يمكن وجود تنمية من دون مكافحة للفساد عبر وزارة تخطيط لتجمع المتبعثرات من المشروعات والكفاءات والخبرات وغيرها».
وأوضحت آل محمود «اشتركت شخصيّاً في استراتيجيات وزارات مختلفة، لكن في النهاية وللأسف تكون السيادة لخبراء من الخارج، علاوة على أن هذه الاستراتيجيات تبقى حبيسة الأدراج، فنحن لا توجد لدينا استراتيجيات ولا تخطيط»، مستدركةً بأن «بيئة الفساد المستشرية لا تسمح بتنمية، سواء تنمية عقول أو تعليم أو صحة، فمناصب حساسة دورها يجب أن يأخذ مساره للتنمية يعين فيها أفراد لتحسين أوضاعهم وترقيتهم وللإحالة إلى التقاعد».
وبينت آل محمود أن «كل مؤتمر يظهر فيه الهم نفسه، وهو التقييد الممارس لمؤسسات المجتمع المدني، فقانون المؤسسات المجتمع المدني الحالي أسوأ من قانون أمن الدولة. وعليه، نحن نتحدث عن أية تنمية من دون الحديث عن أساسياتها سواء في البحرين أو الخليج، فالسياسة الوحيدة الموجودة هي تحجيم كل شيء، والكلام يدور فقط حول جهود متفرقة وفردية وسط أرضية غير مستقرة».
العريبي: البحرين تفتقر إلى مراكز للبحوث
تداخل حسين العريبي، وهو من معهد البحرين للتدريب، وقال: «لا أرغب في الإضافة على ما تقدم به الإخوة المتحاورون، لكن يبقى أن لدى دول الخليج ممثلة في مجتمعاتها وعياً أكثر من السابق، لكن هل يتناسب مع الدول التي تواكب التطور؟ فموضوع البحوث على سبيل المثال ولو على مستوى بسيط إذا رغب فرد دراسة جدوى فإنه يحتاج إلى معلومات أساسية وبسيطة، لكن نحن نفتقر إليها في البحرين، بسبب عدم وجود مراكز للمعلومات والبحث وغيرها».
حبيب: مبادرات تطوير التعليم لا تتكامل
وعلى صعيد التعليم، تحدث الأكاديمي فاضل حبيب، وقال: «توجد نسبة من الرضا عن أوضاع التعليم في البحرين، وكان لافتاً قرار رئيس الوزراء فيما يتعلق بتطوير ودعم التعليم العالي وطاقم التعليم في جامعة البحرين والبوليتكنك، ونأمل أن يكون الأمر تشريعيّاً»، مشيراً إلى وجود «مشتركات بالنسبة إلى الوطن العربي على صعيد التعليم مثل أنه كمي وليس كيفيّاً، ونظام الشفافية والنزاهة والمواطنة».
ورأى حبيب «وجود مبادرات على صعيد مستوى التعليم، وتطرح مفاهيم، لكن هل تلامس هذه المفاهيم جوهر التعليم ومخرجاته؟ فيبقى الأمر مجرد مبادرات لا تتكامل»، مضيفاً «أصبحنا للأسف نأتي في خطوة متأخرة على صعيد التعليم الإلكتروني فالأطفال تستخدم الأجهزة لكن من غير المسموح استخدام الحواسب المتنقلة والأجهزة المحمولة في المدارس».
العليوي: مستوى التعليم في انحدار مستمر
من جهتها، قالت الأكاديمية غنية العليوي: «عملت لفترة طويلة امتدت أكثر من 12 عاماً في إدارة المناهج التي يفترض أن تكون دماغ وزارة التربية والتعليم، لكن هناك فجوة بين المعلمين كمستوى متطور وبين المسئولين الذين لا يرقون إلى ذلك التطور، فالمعلم البحريني مقارنة بالمعلم في قطر مثلاً يظهر بالنسبة إليه فارق، ولهذا السبب حتى الطالب البحريني وحجم مخرجات التعليم لديه هي بجهد المعلم وليس المسئولين، فهناك مسئولون في إدارة المناهج لا يعرفون استخدام أساسيات الحاسب الآلي حتى».
وأضافت العليوي: «كنت قائمة بأعمال تطوير بحوث المناهج، لكن ليس لدي الحق في إصدار تقرير تقييمي، لأنه قد يتضمن تقييماً ضد الإدارة في حالة تضمن سلبية، وهو ما لا يجوز هناك. علماً بأن الوزارة في انحدار مستمر، وكذلك الحال بالنسبة إلى جامعة البحرين والبولتيكنك ولاسيما مع استقدام المتطوعين إبان فترة السلامة الوطنية في العام 2011».
وختمت العليوي بأن «هناك كوادر ضخمة في المدارس لكن لا تقدم شيئاً، بل تعطل العملية التعليمية، لأن أغلبية لا يحملون حتى الشهادة الثانوية».