Skip to main content

 

جمال قارصلي: كلنا شركاء

من المؤسف أن نسبة كبيرة من العرب والمسلمين في ألمانيا وفي الكثير من الدول الغربية لا يشاركون في انتخاب من يمثلهم في برلمانات تلك البلاد, ولا يقومون بواجبهم الديمقراطي والدستوري, حيث أن حق الانتخاب في هذه الدول هو من أسمى الحقوق التي يمنحها دستور البلاد للمواطنين من أجل إختيار سلطتهم التشريعية. وفي الحقيقة من لا يمارس حقه في الانتخاب, يرتكب خطأ كبيرا, يعادل في النتيجة خطأ من ينتخب أشخاصا أو أحزابا هو ضد إنتخابها.

طبعا يوجد أسباب كثيرة لتقاعس المغتربين وعدم مشاركتهم في التصويت, ومنها هو عدم ممارستهم في أوطانهم الأصلية حقهم في الانتخاب, وكذلك تجربتهم السيئة في هذا المجال, لأن في أوطانهم الأم لا قيمة لصوتهم هناك, وأن ما يحصل في هذه البلاد من “إنتخابات” هو فقط مسرحية يقوم بأدوارها دكتاتور البلاد وحاشيته, وأن نتيجة هذه “الانتخابات” معروفة سلفا, وأن الحزب الحاكم “يفوز” في النهاية, حتى لو لم يذهب أي مواطن إلى صندوق الاقتراع, وتكون نتيجة التصويت عادة لصالح الديكتاتور بنسبة 99,9%, وربما ولولا العيب والخجل من الرأي العام العالمي, لكانت النتيجة أكثر من 100%. وفي بعض الأنظمة الديكتاتورية, وبعد ما حصل فيها “التطوير” و”التحديث” و”الشفافية” وصلت نسبة الأصوات التي أعطيت للدكتاتور أكثر من 87%.

بعض خصوصيات الانتخابات في ألمانيا:

هنا لا أريد أن أدخل في التفاصيل الدقيقة في نظام الانتخاب الألماني, ولكن ما يهمني هو تشجيع الألمان المنحدرين من أصول أجنبية على المشاركة الفعّالة في السياسة الألمانية والانخراط في أحزابها وأخذ المكان الذي يليق بهم, وعدم وقوفهم على أطراف المجتمع وترك الساحة السياسية للأحزاب اليمينية المتطرفة مثل “حزب البديل لألمانيا” أو غيره من الأحزاب المتطرفة في الدول الغربية والتي تكسب أصواتها على أكتاف اللاجئين والمغتربين, حيث تقوم هذه الأحزاب بتحريض المجتمع الغربي ضدهم وجعل منهم ذريعة لكل فشل يحصل في سياسة تلك الدول.

من المعروف بأن نظام الحكم في ألمانيا هو جمهوري فيدرالي برلماني ديمقراطي, ويوجد في كل ولاية (مقاطعة) من الولايات الستة عشر برلمانا ودستورا وحكومة خاصة بها, تدير شؤونها إلى جانب البرلمان الفيدرالي وبرلمان الولايات في برلين. وهنالك يوجد ثلاثة مُدُن ألمانية لها وضع الولاية بذات الحين, وهي برلين وهامبورغ وبريمن. ولهذا يوجد في العاصمة برلين أربعة برلمانات بنفس الوقت وهي: البرلمان الفيدرالي وبرلمان الولايات وهما معنيان بشؤون كل ألمانيا إلى جانب برلمان ولاية برلين وكذلك المجلس البلدي لمدينة برلين.

ربما يلاحظ المراقبون بأن عدد أعضاء البرلمان الألماني يتغّير في كل دورة برلمانية جديدة, وهو ليس عددا ثابتا, حيث أن عدد أعضاء البرلمان في الدورة الجديدة (24.09.2017) وصل إلى 709 عضوا, وهو رقم عالي جدا, ولم يصل إلى هذا المستوى على طول تاريخ ألمانيا الحديث, بالرغم من أن عدد نواب البرلمان كان في الدورة السابقة 631 عضوا وفي دورة أخرى سابقة كان فقط 614 عضوا. سبب هذا التفاوت في عدد أعضاء البرلمان في كل دورة برلمانية يكمن في النظام الإنتخابي الألماني وفي طريقة التصويت, حيث أنه يعتمد على مبدأ الأغلبية و النسبية في آن واحد في تشكيل البرلمان.

الناخب الألماني له صوتان, الصوت الأول ينتخب به أحد المرشحين في دائرته الإنتخابية التي يسكن فيها, وبالصوت الثاني ينتخب الحزب الذي يريد أن يمثله في البرلمان الفيدرالي. حيث أن ألمانيا مقسمة إلى 299 دائرة إنتخابية, ومن كل دائرة إنتخابية يصعد فقط مرشح واحد إلى البرلمان وهو المرشح الذي يحصل على ما يسمى بالأغلبية البسيطة, أي على أكثر الأصوات, وباقي المقاعد يتم توزيعها على المرشحين حسب النُسب المئوية التي حصلت عليها الأحزاب من الصوت الثاني. أسماء المرشحين تُأخذ بالتسلسل من قوائم مرشحي كل حزب والتي تكون قد قدمتها الأحزاب إلى وزارة الداخلية لكل ولاية تريد هذه الأحزاب المشاركة في الانتخابات فيها. أما العدد الثابت الذي لا يقل عنه عدد أعضاء البرلمان الفيدرالي هو ضعف عدد الدوائر الانتخابية, أي 598 عضوا. والتفاوت في عدد أعضاء البرلمان بين كل دورة وأخرى له علاقة مباشرة بعدد الدوائر الانتخابية التي يربحها كل حزب والنسبة المئوية التي يحصل عليها عن طريق الصوت الثاني.

ما حصل في الانتخابات الألمانية الأخيرة:

عادة, وقبل موعد الانتخاب, تقوم الأحزاب بعقد مؤتمراتها من أجل انتخاب قوائم مرشحيها لعضوية البرلمان. هذه القوائم يتم تقديمها من قبل الأحزاب, على الأقل قبل شهرين من موعد الانتخاب, إلى كل الدوائر المختصة في وزارة الداخلية لكل ولاية تريد أن تشارك هذه الأحزاب في الانتخابات هناك.

في الإنتخاب الأخير, بواسطة الصوت الأول, حصل الحزب المسيحي الديمقراطي (مع شريكه المسيحي الإجتماعي) على 231 دائرة انتخابية من أصل 299 وهذا يعني أنه قد حصل على 77% من مجموع الدوائر الانتخابية, ولكنه وبنفس الوقت حصل فقط على نسبة قدرها 33% من مجموع الصوت الثاني, وهو الذي يحدد نسبة تمثيله في البرلمان.

الفارق بين المقاعد التي يربحها الحزب في كل ولاية عن طريق الدوائر الانتخابية بواسطة الصوت الأول, والمقاعد التي حصل عليها بواسطة الصوت الثاني في الولاية, تعتبر مقاعد إضافية له, وهنا يجب تعويض الأحزاب الأخرى بنفس النسبة التي حصلت عليها في تلك الولاية, لكي يتم تمثيل كل حزب حسب النسبة التي حصل عليها عن طريق الصوت الثاني.

الأحزاب الصغيرة التي لا تتجاوز نسبة الأصوات التي حصلت عليها 5% من مجموع الصوت الثاني, أو لم تستطع الفوز بثلاثة دوائر إنتخابية في كل ألمانيا, لا يحق لها أن تدخل البرلمان, وبهذا يتم تقسيم أصواتها على باقي الأحزاب التي تجاوزت هذا الحاجز والذي يسمونه “العتبة الانتخابية” أو “نسبة الحسم”.

في الأيام الأخيرة الماضية سمعنا الكثير عن “إئتلاف جامايكا” في ألمانيا. هذا الائتلاف لا علاقة له لا في السياحة في جامايكا ولا في الحب لطبيعتها الخلابة, بل له علاقة بلون علم جامايكا والذي هو مؤلف من ثلاثة ألوان وهي: الأسود والأخضر والأصفر, ولأن لون الحزب المسيحي الديمقراطي هو الأسود ولون حزب الخضر هو الأخضر ولون الحزب الليبرالي هو الأصفر. في القريب العاجل ستبدأ المفاوضات بين هذه الأحزاب الثلاثة من أجل تشكيل الحكومة الألمانية الجديدة تحت قيادة المستشارة ميركل. ومن المتوقع أن ترى الحكومة الجديدة النور, وحسب تصريحات المستشارة ميركل, خلال الشهر الأخير من هذه السنة.

لاشك بأن الانتخابات الألمانية فيها شيء من التعقيد, ولكن تعقيدها يأتي من دقتها وعدالتها, وما نأمله هو أن نعيش اليوم الذي تستطيع فيه الأنظمة الديمقراطية في الدول العربية والإسلامية أن تنافس الديمقراطية الألمانية في نزاهتها وشفافيتها.

جمال قارصلي / نائب ألماني سابق