احتفلت الجمعية البحرينية للشفافية الأسبوع الماضي باليوم العالمي لمكافحة الفساد، ومن جملة ما أشار إليه الباحث الاقتصادي جاسم حسين في ورقته على نحو سريع الحركة الطلابية في مصر «طلاب ضد الفساد Students against Corruption».
بعد الانتهاء من الحفل، والحق يُقال بأنني تذكرت مشروعاً نوعياً عن «التربية على ثقافة النزاهة ومكافحة الفساد» لطلبة الجامعات الخاصة في البحرين، إذ سبق وأن تحدّث إليّ عنه رئيس جمعية الشفافية المهندس عبدالنبي العكري في العام 2011، ولم يبصر النور إلى الآن رغم حصول الجمعية على مصادر للتمويل، إلا أن ثمة إجراءات رسمية لازالت تقيّد عمل منظمات المجتمع المدني كانت سبباً مباشراً وراء تعطيل المشروع المذكور!
مؤخراً، أصدرت منظمة الشفافية الدولية «Transparency International» تقرير الفساد العالمي: التعليم «Global Corruption Report: Education» للعام 2013 وفيه تأكيد على أن التعليم حق أساسي من حقوق الإنسان وبأنه بات يستوعب أكثر من خمس إجمالي إنفاق القطاع العام الحكومي، إذ يعدُّ عاملاً محفزاً من أجل التنمية الشخصية والاجتماعية والاقتصادية، وهو المفتاح الذي سيقودنا إلى مستقبل أفضل.
التعليم عُرضة للفساد كما أشار التقرير، حيث أن الكثير من الموارد المخصّصة لا تحظى بالرقابة الكافية من مرحلة خروجها من الحكومة المركزية وحتى بلوغها المدارس، فهناك الكثير من الآباء ممن يحرصون على تعليم أفضل لأطفالهم، يسدّدون رسوماً تعدُّ غير قانونية، فعلى سبيل المثال الرشاوى المدفوعة للحصول على مكانٍ في مدرسة ابتدائية متميزة في الفيتنام، إذ تبين أنها تُدفع بمعدل أكثر من ضعف نصيب الفرد من إجمالي الدخل القومي هناك.
يستند التقرير إلى معهد إحصاءات اليونسكو في الحديث عن تزايد أعداد طلبة التعليم العالي على مستوى العالم من 32 مليوناً في العام 1970 إلى 159 مليوناً في العام 2008، وأن ليس بالإمكان اختزال التعليم العالي في النخبة كما كان في السابق، فالبيئة التي تعمل بها مؤسسات التعليم العالي تجلب مخاطر الفساد الخاصة بها؛ ولأن المؤسسات التي تغيب عنها آليات الرقابة الفعالة والإشراف هي الأكثر عُرضة للفساد، مما قد يعرض سمعة المنتجات البحثية والخريجين إلى الانهيار.
يعتبر التقرير التلاميذ الصغار أول ضحايا الفساد في التعليم، فالخطورة تكمن إذا ما تواجد في مجتمعاتنا الأطباء والقضاة والمهندسون غير المدربين أو المزيّفين أو البحوث العلمية المزوّرة التي ينفّذها أكاديميون فاسدون.
كما ويؤكد التقرير على أن الفساد في التعليم ينال أكثر ما ينال من الفقراء والمهمشين، ولاسيما النساء والأقليات غير القادرين على تحمل كلفة الدراسة والقواعد التي تحدّد من ينجح ومن يرسب، كما يبحث التقرير في مداخل الفساد بكل مرحلة من مراحل التعليم، حتى قبل الولوج من بوابة المدرسة وحتى الوصول إلى التخرج من درجة الدكتوراه والبحث العلمي الأكاديمي. ويشمل الفساد في المدارس مسألة المشتريات الحكومية في مجال الإنشاءات، ما يطلق عليه «المدارس الوهمية» و»معلّمون أشباح»، وتشتيت للموارد المخصصة للكتب المدرسية والإمدادات الخاصة بالتعليم والرشوة من أجل دخول سلك التعليم وشراء الدرجات والمحسوبية في تعيينات المعلمين والدبلومات المزيفة، وإساءة استخدام المنح الدراسية في تحقيق ربح خاص، ونسب تغيّب المعلمين والتعليم الخصوصي في أماكن التعليم الرسمية، وممارسات مثل الاستغلال الجنسي في الفصول وقاعات الدرس كانتهاكات للسلطة المعهودة بالقائمين على التعليم، وفساد مؤسسات التعليم العالي أثناء عمليات الالتحاق بها وإجراءات القبول، والمحسوبية في إعطاء مناصب القائمين بالتعليم والرشوة في الإسكان الجامعي ومنح الدرجات والتأثير السياسي وسرقة البحوث ونسبها إلى غير مؤلفيها، و»المؤلفين الأشباح» وإساءة استخدام صلاحيات المحرر في الدوريات الأكاديمية والدبلومات الممنوحة عبر الإنترنت و»دكاكين» منح الدرجات العلمية والتلاعب ببيانات وظائف الخريجين والفساد في الاعتراف بالدرجات العلمية في التعليم العابر للحدود، وهي جميعاً تعرض أكثر من 3.7 ملايين طالب أجنبي للخطر في شتى أنحاء العالم كما أشارت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في العام 2011.
يدعو التقرير وزارات التربية والتعليم في العالم لتكون أول الناظرين إلى الفساد كعائق على طريق التعليم عالي الجودة والتنمية الوطنية، وتبني منهج مرجعيته الأساسية احترام حقوق الإنسان والتزامات القانون الدولي والإقليمي لحقوق الإنسان في كل سياساتها وتحرّكاته الرامية لمحاربة الفساد في التعليم، ويجب على المجتمع الدولي والمنظمات الدولية المعنية مثل البنك الدولي واليونسكو أن يمنحوا الأولوية لجهود مساعدة الحكومات في التصدي للفساد في مجال التعليم وتطوير مؤشرات محاربة الفساد والحوكمة.
في التقرير إشارةٌ إلى ما يمكن أن تلعبه الشفافية في محاربة الفساد في التعليم، كتمكين الجمهور من الوصول إلى المعلومات، وضرورة وضع نظم المحاسبة في المؤسسات التعليمية من حيث القواعد والإجراءات ذات الصلة كآلية مراقبة الامتثال، وصياغة مدونات السلوك بالمدارس والجامعات، واعتماد اتفاقيات التعاون بالنسبة لمجالس إدارة المدارس ومنظمات المجتمع المدني والأطراف الأخرى، مثل: «تعهدات النزاهة»، كأداة فعالة لمحاربة الفساد وتحسين سمعة وجودة التعليم في المدارس والجامعات، وتمكين مؤسسات المجتمع المدني من التواصل مع آليات حقوق الإنسان الدولية والإقليمية لمحاسبة الحكومات في سعيها للتصدي للفساد بشكل عام والفساد في التعليم على وجه التحديد.
لم يغب عن التقرير دور البرلمان في التصدي للفساد في التعليم، إلى جانب المجتمع المدني ودوره في دعم المبادرات المدنية المحلية لاستعادة التكاليف وكذلك المقاضاة، ودور الحكومات في إنشاء هيئات وطنية متخصصة من أجل تيسير وصول الجماهير إلى آليات تقديم الشكاوى، ووضع التشريعات والسياسات والإجراءات القانونية لحماية فاضحي الفساد في قطاع التعليم في جميع المستويات الحكومية وفي المدارس والجامعات، ومطالبة المواطنين بحقهم في التعليم الخالي من الفساد.
حسب التقرير، فإن سدّ الفجوة في مجال الفساد في التعليم يتطلب الوفاء بمطلب اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد ودعوة الحكومات والشركات والمعلمين والأكاديميين والطلبة والباحثين والآباء والمواطنين في شتى أنحاء العالم إلى التحرك من أجل إنقاذ التعليم من براثن الفساد.
من التوصيات العامة التي ذكرها التقرير الحاجة إلى التوصل إلى فهم أفضل للتعليم كأداة ضرورية في حد ذاتها في معرض الحرب ضد الفساد، وجعل المدرسة والمعلمين في صدارة السياسة التعليمية وجهود مجابهة الفساد.
صحيفة الوسط البحرينية – العدد 4117 – الأحد 15 ديسمبر 2013م الموافق 12 صفر 1435هـ