للسنة التاسعة يصدر ديوان الرقابة المالية وكذلك الإدارية، بعد أن تم تعديل قانون في ديسمبر/ كانون الثاني 2011 بإضافة الرقابة الإدارية إلى مهمات الديوان، يصدر تقريره السنوي عن أعمال الرقابة التي قام بها على الوزارات والهيئات والمؤسسات والشركات الحكومية. وكالعادة تثار ضجة وصخب، لبضعة أيام ثم تهدأ الضجة وتختفي.
في البداية، أود التأكيد أن كل ما أقوله عن التقرير لا ينتقص من كفاءة ونزاهة رئيس ديوان الرقابة المالية والإدارية حسن الجلاهمة، ولا الفريق الاحترافي العامل معه من محاسبين ومدققين ومحامين واستشاريين، ولكنه تدقيق في تقرير علني يعالج ما يجري في أجهزة الدولة وشركاتها، والتي هي ملكٌ عامٌ وبالتالي يخص شعب البحرين، ببرلمانه وأحزابه ومنظماته المجتمعية ونخبه حتى الإنسان العادي.
وكعادتها كل عام، فإن الجمعية البحرينية للشفافية ستنظّم حلقةً دراسيةً حول التقرير، وتدعو لها مسئولين ونواباً وممثلين عن الجمعيات السياسية والأهلية واختصاصيين، ونأمل أن يتغيّر سلوك بعض هؤلاء ويلبوا الدعوة لا أن يطنشوا.
في البداية، هناك مناطق خارج نطاق تفويض الديوان، وتشمل الديوان الملكي وديوان ولي العهد والمصروفات والمشتريات ذات الطابع العسكري، وكلنا يعرف أنها تمثل نسبةً مرتفعةً من الموازنة العامة. ونعرف أنه تتم صفقات تسلح بمئات الملايين من الدنانير، وعقود للصيانة والتدريب لا يطالها الديوان.
أما الجديد في العام 2011، فهو أن الحراك الجماهيري، سمح بالكشف عن الحجم الهائل من الفساد في أجهزة الدولة وشركاتها، ومنها الاستيلاء على 65 كيلومتراً مربعاً من أراضي الدولة من قبل المتنفذين تُقدّر قيمتها بالمليارات، وفضيحة الفساد في شركة «ألبا» من قبل «ألكوا» التي كلّفت البحرين ما يزيد على مليار دولار، واستبدال طيران الخليج لصفقة تزويدها بطائرات ايرباص التي تستخدمها الشركة، بطائرات بوينج لاعتبارات سياسية وتدخل لا شرعي خارج نطاق مجلس الإدارة والإدارة، مكلّفاً الشركة خسارة بمئات الملايين من الدولارات، وترسية العديد من المناقصات الحكومية طوال 2011 و2012 خارج نطاق ديوان المناقصات، وفضيحة مكاتب العلاقات العامة التي تكلف الدولة عشرات الملايين، والمستخدمة لتشويه سمعة المعارضة والمنظمات الأهلية المشروعة.
أما الوجه الثاني للفساد فهو من ضمن تغوّل الدولة واستشراء الطائفية، فقد انفلت جماح تسريح كفاءات بحرينية من مختلف المراتب، وإحلال آخرين محلهم بمن فيهم أجانب، وكذلك توظيف وترقية المئات، لاعتبارات طائفية ومعايير خاصة كالولاء، من دون مراعاة أصول التوظيف في الحكومة، ومن دون المرور بديوان شئون الموظفين. هذه وغيرها ممارسات وأوجه للفساد ترتب عليه خسائر جسيمة للاقتصاد الوطني ونهب لثرواته، وتدهور في كفاءة الجهاز الحكومي وشركاته، وإضعافٌ لمبدأ المواطنة المتساوية.
والأخطر أنه ترتب على ذلك هبوط التصنيف الائتماني للبحرين من قبل «موديز» و «ستاندرد اندبورز»، وهبوط البحرين في مؤشر الفساد العالمي الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية. كل ذلك ينعكس سلباً على الثقة في الاقتصاد والأنظمة الضابطة، ما انعكس تراجعاً في تدفق الاستثمارات الخارجية. وكان يتوجب اعتبارها فساداً وإحالتها إلى النيابة العامة للتحقيق فيها، ولكن لا حياة لمن تنادي.
التقرير كشف عمّا يعتبره مخالفات جسيمة للأنظمة المالية والإدارية في عدد من الوزارات والمؤسسات والشركات العامة، هي في الحقيقة ممارسات فساد يستفيد منها متنفذون في الوزارات والمؤسسات والشركات العامة، وتتضرر منها الدولة والمجتمع، وتؤدى إلى تدهور أداء وخدمات هذه الوزارات والهيئات والمؤسسات والشركات.
إن التدقيق والتنفيذ فيما جاء في رصد ديوان الرقابة للمخالفات الجسيمة والتي ترقى إلى الفساد في وزارات ومؤسسات وشركات الدولة، تحتاج إلى مجلدات وندوات تخصصية، لكننا نكتفي بقول ما يلي:
– أن تلكؤ وزارات وشركات مثل «بابكو» في تحصيل مستحقاتها من طيران الخليج وطيران البحرين معروف، وقد تحدت الشركتان وزير المواصلات كمال أحمد في مطالبة لهما بالتسديد. كما أن بعض النواب تحدّوا وزير الكهرباء والماء عبدالحسين ميرزا في الكشف عن الممتنعين الكبار عن تسديد فواتيرهم المتضخمة.
– يدقق التقرير في مخالفات ببضعة آلاف أو ملايين في جميع الوزارات والهيئات والمؤسسات والشركات، مثل شراء سنوات الخدمة، وبدلات المناوبة، واستخدام السيارات الحكومية لأغراض خاصة، لكنه يغفل قرارات كلّفت طيران الخليج مثلاً مئات الملايين بإيقاف خطوطها للعراق وإيران ولبنان، واستبدال صفقه الايرباص ببوينغ، ومكافآت بعشرات الملايين لمجالس إدارات فاشلة للشركات والهيئات العامة تسببت في خسائر باهظة. والتعاقد مع شركات علاقات عامة بعشرات الملايين همها تشويه المعارضة الوطنية البحرينية.
تقرير الديوان لم يتعرض أيضاً لاستنزاف غاز البحرين من قبل شركة ألبا، التي عصف بها الفساد وألحق خسائر جسيمة بالبلاد، وهو ما حاولنا إبرازه في الحلقة الدراسية حول ألبا، والتي قاطعها النواب ومسئولو ألبا معاً.
التدقيق فيما جاء في تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية للعام 2011، وكشف ما لم يتضمنه التقرير يحتاج إلى معالجة مطولة وهو ما تأمل الجمعية البحرينية للشفافية أن تعالجه في ندوتها القادمة.
صحيفة الوسط البحرينية – العدد 3712 – الإثنين 05 نوفمبر 2012م الموافق 20 ذي الحجة 1433هـ