نظم مكتب الأمم المتحدة للمفوضية السامية لحقوق الإنسان في الدوحة بقطر منتدى عربياً بشأن «حماية الحق في التعليم خلال الأوضاع غير الآمنة والنزاعات المسلحة»، وذلك بالتعاون مع مركز حماية التعليم خلال انعدام الأمن والنزاعات في الدوحة خلال الفترة 19 – 21 يناير/كانون الثاني 2014 في فندق كابنيسكي بالبحر الميت.
وقد دُعي لحضور المنتدى ممثلون عن المؤسسات الرسمية والأهلية والخبراء المعنيون بالموضوع، ومنها وزارات التربية والتعليم، ومؤسسات حقوق الإنسان والخارجية ومنظمات حقوقية أهلية وطنية ودولية معنية بالتعليم. ومثّل البحرين وفد ضم بعض مسئولي وزارة التربية والمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، والجمعية البحرينية للشفافية التي مثّلها رئيسها.
الموضوع خطير ومهم في ضوء الحرمان الكامل أو الجزئي للحق في التعليم والمخاطر التي تحيط بتعليم الملايين في مناطق النزاعات الساخنة مثل سورية وليبيا والعراق، أو باردة مثل لبنان والبحرين، أو في البلدان التي تستضيف اللاجئين السوريين والفلسطينيين كلبنان والأردن وتركيا والعراق وفلسطين المحتلة.
في أول مفاجأة لي في المنتدى، وجدت على طاولة التوزيع كتاباً مصقولاً صادراً عن وزارة التربية والتعليم من ثلاث لغات: العربية والإنجليزية والفرنسية في طبعته السابعة بعنوان: «المدارس في مواجهة التخريب والاعتداءات» يتضمن عرضاً لما يُدعى «عمليات تخريب للمدارس والتسبب في اضطراب العملية التعليمية في البحرين»، مرفقة بصور حرائق وأعمال شغب، ويحمل الكتاب مسئولية أعمال العنف والتخريب للأسباب التالية:
1 – الأزمة الخطيرة التي مرت بها المسيرة التعليمية التي تتحمل مسئوليتها بالكامل الجمعيات السياسية المعارضة التي أرادت الانقلاب على الدولة ومؤسساتها، ولم تعبأ في سبيل تحقيق ذلك بحقوق الطلبة ولا بحقوقهم كأطفال ولا بأمنهم الجسدي والنفسي، فألحقت بهم وبالتعليم كارثة حقيقية، تمثلت في هذا الشرخ النفسي والطائفي الخطير الذي تحتاج معالجته إلى سنوات من العمل التربوي والنفسي».
2 – جمعية المعلمين التي مارست أنشطة سياسية يحظرها القانون وسياسة طائفية منظمة في قصر العضوية على طائفة دون غيرها، كما تجاورت الجمعية صلاحياتها بتحريضها جميع فئات المجتمع على الإضراب والاعتصام وشل حركة التعليم وحرمان الطلبة من حقوقهم الدستورية والإنسانية في الحصول على التعليم. وهكذا تثبت وزارة التربية أنها جزء من منظومة أمنية لتجريم المعارضة الوطنية وتسويغ التنكيل بقيادات جمعية المعلمين وحلها لاحقاً، في انحراف فاضح عن مهمتها في التربية والتعليم دون تمييز أو تحيّز سياسي.
ولقد لقي الكتاب الاستهجان من قبل معظم الحاضرين، والأنكى أن وفد وزارة التربية وضع (ستاند) مقزّزاً يظهر فيه الطلبة كمجرمين ومخربين، ما دعا منظمي المنتدى إلى مصادرته.
هذه المقاربة للوزارة لأزمة التعليم في البحرين وما لحق بالمؤسسات التعليمية من تخريب منهجي في بنيتها وبرامجها، والاستهداف السياسي والطائفي لمئات المعلمين والمعلمات، والمبتعثين والطلبة من الجنسين، من المرحلة الابتدائية حتى الجامعية وما بينهما، كله مثبتٌ بالوقائع والتقارير الوطنية والدولية، ولكن أن تنشر الوزارة غسيلها في مؤتمر دولي فذلك مدعاة للعجب.
على مدى ثلاثة أيام استمع المؤتمر لكلمات واستعرض أوراق عمل في جلسات عامة أو اجتماع مجموعات عمل متخصصة، لمعرفة أسباب وظروف وأبعاد ومخاطر انتهاك حق التعليم في بلدان الأزمات. ولم يقتصر موضوع النقاشات على البلدان التي تشهد حرباً كسورية، أو نزاعات مسلحة كالعراق وليبيا والسودان، أو التي مرت بهذه التجربة مثل الجزائر، بل شملت أيضاً البلدان التي تشهد توترات أمنية مثل البحرين ولبنان ومصر، التي انعكست عليها الأزمات مثل انعكاس الأزمة السورية على لبنان والأردن وتركيا والعراق.
الأوراق استعرضت الجهود العربية والدولية، الرسمية والأهلية، في توفير التعليم لملايين الطلبة السوريين اللاجئين، أو دعم الجهود الرسمية في توفير التعليم للطلبة في بلدان الاضطرابات مثل العراق وليبيا واليمن والسودان، وحتى في مصر وتونس. وفي مقدمة المنظمات الدولية، وكالة غوث اللاجئين (مقرها جنيف) وبرنامج الغذاء العالمي (مقره روما)، ومنظمة الثقافة والعلوم والآداب «اليونسكو» (مقرها باريس). ومن أهم المنظمات الأهلية الدولية أنقذوا الأطفال (Save Children) والمنظمة المشاركة في تنظيم هذا المؤتمر «حماية التعليم في ظل انعدام الأمن والاضطرابات» (مقرها الدوحة)، والتحالف الدولي للحق في التعليم في ظل التوترات ومقره نيويورك. وهناك منظمات مساندة مثل الصليب الأحمر الدولي. وتتكامل هذه المنظمات مع المنظمات الوطنية والأهلية في بلدان اللجوء مثل جمعيات الهلال والصليب الأحمر والجمعيات الخيرية، وكذلك الوزارات المعنية كالتربية والتعليم والصحة والداخلية، والعديد من الجمعيات والأفراد المتطوعين. وعندما كنت في لبنان في منتصف ديسمبر/ كانون الأول 2013، شاهدت حملة وطنية لبنانية، لجمع البطانيات والملابس والكتب والدفاتر للاجئين السوريين. كما زرت مؤسسة عامل التي خصصت عدداً من مبانيها الـ 37 المنتشرة في لبنان لتعليم الأطفال السوريين اللاجئين.
وعلى رغم هذه الجهود فإن الكارثة السورية التي لا سابق لها، أكبر من مجاراتها، ولذا فإن أغلبية الطلبة السوريين من مختلف المراحل لا يحصلون على التعليم، أو يحصلون على تعليم متدنٍ، هذا إضافة إلى حالة العوز والفقر بل والجوع الذي يعانيه اللاجئون السوريون.
أما الجانب الآخر من المعضلة فهي الزجّ بالتعليم في معمعان الصراعات المحتدمة في البلدان العربية، وقد ذكرنا نموذج البحرين. وهناك وسائل الإكراه والتعبئة الأحادية، وفرض تعليم منحاز من قبل الأطراف المتصارعة في مناطق سيطرتها كما هو الحال في السودان (دارفور مثلاً) والداخل السوري.
لا نستطيع استعراض جميع جوانب المؤتمر، لكنه اتفق في النهاية على تشكيل تحالف عربي من أجل الحق في التعليم في ظل الأزمات، وتحييد التعليم عن الصراعات السياسية وحماية المدنيين في البلدان التي تشهد نزاعات عنيفة، وتحييد المؤسسات التعليمية كالمدارس والمعاهد والجامعات، وعدم استخدامها كمقرات للقوى المتصارعة كما يجري في سورية، وعدم تجنيد الطلبة في صفوف المتصارعين بأي شكل من الأشكال، ودعوة البلدان المضيفة للاجئين بمن فيهم الطلبة باعتبارهم ضيوفاً لهم كرامتهم وحقوقهم.
في تعليقي على مشارك من وزارة الخارجية الأردنية، يحث المجتمع الدولي على القيام بمسئوليته تجاه اللاجئين السوريين، قلت أن الأولى أن تقوم الجامعة العربية والدول العربية بمسئوليتها تجاه أشقائهم السوريين، خصوصاً أن بعض الدول العربية ولاسيما الخليجية دفعت المليارات لتمويل الحروب العربية ومنها الحرب في سورية، فالأولى أن تدفع الملايين لإغاثة السوريين في الداخل والخارج وتتوقف عن تسعير الحرب.
صحيفة الوسط البحرينية – العدد 4161 – الثلثاء 28 يناير 2014م الموافق 27 ربيع الاول 1435هـ