Skip to main content

تداعى المدافعون عن «النزاهة» في دول الخليج للاجتماع في العاصمة السعودية (الرياض)، لبحث سبل مقاومة الفساد الذي استشرى في بلادهم، وكانت الدعوة قد وجهت لهم من المسئول عن حماية النزاهة في السعودية، ويبدو أن الجميع بدأ يشعر بأهمية التعاون على مكافحة كل وسائل الفساد، فكان اجتماعهم في الرياض هو الأول من نوعه في دول المجلس.

ممثل قطر عبدالله بن حمد العطية حضر هذا الاجتماع، ومن حسن حظه أن بلاده مصنفة أنها من أقل الدول العربية فساداً، بالإضافة إلى دولة الإمارات، وأن ترتيبها العالمي في الفساد السابع والعشرون، أما البحرين وعمان فهما من أكثر دول العرب فساداً – بحسب التصنيف نفسه – وأن ترتيب البحرين عالمياً الثالث والخمسون، أما عمان فتقع في خانة الواحد والستين، وتأتي السعودية والكويت في المرتبة الحادية عشرة عربياً والسادسة والستين عالمياً!

إذاً هناك فساد في كل دولة، ولكنه يتفاوت ما بين دولة وأخرى، وأيضاً هناك بداية شعور حقيقي بأهمية مكافحته والتقليل منه، حيث يصعب القضاء عليه بالكلية في الظروف الحالية لمعظم الدول الخليجية. ولهذا جاء هذا الاجتماع الذي باركه ولي العهد السعودي سمو الأمير سلمان بن عبدالعزيز، وحضره أمين عام دول الاتحاد للتشاور في أهم الطرق التي تقلل من حجم الفساد، وكذلك سبل التعاون بين دول الخليج لمحاصرته في أضيق السبل.

بطبيعة الحال ينتشر الفساد في العالم كله، لا أستثني دولة من ذلك، ولكن حجمه ووسائله تتنوع ما بين دولة وأخرى، وكذلك سبل التعاطي مع المفسدين.

ففي كندا مثلاً، تم إجراء تغيير وزاري العام 2002 راح ضحيته وزيرا الدفاع والأشغال بسبب فضيحة فساد مالي وإداري، وفي «إسرائيل» تمت إقالة رئيس الدولة بسبب فساد جنسي، وكذلك قائد الجيش بسبب فساد مالي! وهكذا نرى أن هناك دولاً تتعاطى بحزم مع كل المفسدين مهما كانت مكانتهم الاجتماعية، كما نرى في الوقت نفسه أن هناك دولاً تغمض عينيها عن فساد الحكام والمتنفذين ولا تفتحهما إلا إذا رأت مسكيناً أو فقيراً يسرق دراهم معدودة ليسد قوت يومه! وهذا التصرف أوحى للبعض فكرة: إما أن تسرق مثل غيرك من كبار القوم وإما أن لا تفعل ذلك، فالعقاب ليس على السرقة ذاتها إنما على دناءة النفس التي تجعل البعض يسرق مبالغ قليلة!

النفس البشرية السوية تكره الفساد والمفسدين لأنه يحد من حركة الإصلاح والتنمية، ولأنه كذلك يعطي البعض القدرة على التحكم في المال والمناصب من دون وجه حق وعلى حساب من يستطيع القيام بها وأداء حقوقها بشكل أفضل وأحسن. وهذا بطبيعة الحال يجعل قدرة الدولة الاقتصادية ومكانتها تنحدر كثيراً، كما يشحن النفوس بالكراهية والبغضاء لدولهم وللمسئولين عن حماية الفساد فيها.

والفساد له صور وأشكال متنوعة يستحيل حصرها في مقال صحافي، فالسرقة من المال العام مباشرةً فساد، وتعيين غير الأكفاء فساد، وظلم المواطنين فساد، وشراء الأسلحة لغير حاجة فساد، والرشوة والإهمال وعدم احترام ضوابط العمل وانتهاك القوانين، كل ذلك فساد عظيم تجب محاربته لأنه من أشد الأسباب فتكاً بالبلاد وأهلها.

ماذا فعل حماة النزاهة في اجتماعهم الأول في الرياض؟ الحديث عنه كان أقل من المتوقع بكثير، قيل إنهم اقترحوا إنشاء هيئة مستقلة تعنى بحماية النزاهة ومكافحة الفساد في الدول التي ليس فيها مثل هذه الهيئات! وقلت: هناك دول فيها مثل هذه الهيئات لكنها لم تفعل شيئاً حتى الآن لأنها لا تنظر إلا إلى الأسفل ويصعب عليها النظر إلى الأعلى، فما قيمة هذا الاقتراح إذا كان يصعب تنفيذه كاملاً؟ وقيل إنهم اقترحوا تبادل المعلومات بين الأجهزة المعنية لمكافحة الفساد! وقلت: هل المشكلة في نقص المعلومات؟ هناك فساد يراه الذي لا يكاد يبصر ولكن الهيئات وحدها لا تكاد تراه! فما قيمة هذا التبادل المعرفي؟ وتحدث القوم عن الإرهاب ومحاولة تفجير جسر الملك فهد، وجرّموا هذا الفعل!

قلت: أتفق معكم على إنكار الجريمة وبشاعتها – لو حصلت – ولكن أنتم وحدكم القادرون على إقناع الآخرين بعدم محاولة تكرارها. أوقفوا الفساد وسينتهي كل شيء!

الفساد داء خطير حاربته الأديان السماوية والقوانين الأرضية والفطرة البشرية السوية، والمطلوب: تطبيق الأنظمة على الجميع، وتذكر قول الرسول الكريم محذّراً أمته من تطبيق الشرع على الفقير واستبعاده عن الغني والوجيه، ويوم أن تفعلوا ذلك ستستقيم كل الأمور ويعيش الكل بسلام.

محمد علي الهرفي
صحيفة الوسط البحرينية – العدد 3847 – الأربعاء 20 مارس 2013م الموافق 08 جمادى الأولى