سعيدة بنت ناصر والملقّبة أيضاً بـ «أم ناصر»، هي شخصية قيل بأنّها بحرينية، ويرجع إليها المثل الشعبي «سعيدة بنت ناصر.. للسان طويل والحيل قاصر»، وللأسف فإنّ ديوان الرقابة المالية والإدارية ينطبق عليه هذا المثل بحذافيره!
الديوان على مدى 11 عاماً، قدّم التقارير تلو التقارير، وفي جعبة هذه التقارير الكثير من ملفّات الفساد التي فاحت ريحتها إلى الجوار وإلى أرجاء المعمورة، ولكن على رغم لسان الرقابة المالية والإدارية الطويل، إلاّ أنّ الحيل قاصر، فتقارير الديوان تروي حكايات الفساد ولكنّها لا تستطيع المحاسبة ولا المواجهة!
تحدّث تقرير الرقابة المالية والادارية عن إهدار حقيقي لأموال الشعب، في تصرّف غير أخلاقي من قبل بعض الوزراء والمسئولين، ولأنّ المحاسبة ضعيفة على رغم الرقابة التمحيصية عليهم، فإنّ هناك من المسئولين ومن الوزراء من لا يبالي أبداً بهذا التقرير، لعلمه بأنّ هذا التقرير (ما يودي ولا اييب) و(لا يخرّع)! إذاً أين الخلل مادام الديوان يقوم بعمله على أتم وجه في كشف أوجه الفساد التي تعانيها مؤسسات الدولة؟
الخلل يكمن في أنّ الديوان جهاز مهني يؤدي مهامه بوصفه حلقة ضمن حلقات، ولا يجوز مطالبته بالقيام بأدوار الآخرين، بما في ذلك التحقيق والمساءلة، ولو تمّ إلحاق الديوان بمجلس النوّاب، وكان للنوّاب الصلاحيات الكاملة في الاستجواب، فإنّنا سنشهد حراكاً مغايراً لما نراه على أرض الواقع، ولكن ديوان الرقابة لا يشكّل مصدر خطر لدى الوزارات، وهو بهذه الحالة السقيمة، مجرّد كتاب مذيّل لا يستطيع النوّاب استخدامه كورقة رابحة من أجل استرداد أموال الشعب!
لا تهمّنا أرقام الفساد التي أوردها التقرير، ولكن ما يهمّنا هو ما بعد التقرير، هل ستُشكّل لجنة هذه السنة على غرار السنة السابقة؟ وهل سيُزج بصغار الموظّفين أو المسئولين لتحويلهم إلى النيابة وترك الوكلاء والوزراء يرتعون؟ فهم أولى بالمحاسبة من صغار الموظّفين!
كنّا نأمل أن يكون هناك عقاب رادع شديد من قبل الجهاز التنفيذي لمن تسوّل له نفسه المساس بالأموال العامّة، ويجب أن نفرّق بين الفساد وسوء الإدارة فيما يخص أموال الدولة، فالعقاب وجب أن يظهر حتّى قبل بزوغ التقرير إلى النور، لأنّ لكل وزارة إدارة معنيّة بالشئون المالية، وربّما قد يكون هناك تفرّع للإدارات المالية في نفس الوزارة، ولكن ما وظيفة هذه الإدارات المالية وإنجازاتها داخل الوزارات؟
الغريب في الأمر أنّ ديوان الرقابة يتكلّم عمّا هو واضح وضوح العيان، واستقى معلوماته من الوزارات نفسها أو المؤسسات شبه الحكومية، ولم يستقِ معلوماته عبر مخبرين سريّين، فلماذا تقوم إدارات الشئون المالية بالتغافل والوقوع في الأخطاء وقبول الفساد المالي، وهم يعلمون بأن الديوان سوف يكشف الأوراق؟ نحن فعلاً نريد معرفة وظيفة مدراء ومسئولي الإدارات المالية! ونتساءل إن أُسنِدت إليهم أعمال أخرى غير وظيفتهم الأساسية؟ وجيش الموظّفين الذين يتبعون تلك الادارات، هل هم (جالسين سمنديغة) لا شغل لهم ولا شاغل؟
ناهيك أنّ التقرير قد استثنى مؤسّسات أو وزارات حيوية في الدولة، يعرفها الجميع، والجميع يتساءل هل هناك فساد في هذه المؤسسات أم أنّ ديوان الرقابة المالية والإدارية لا دخل له بها؟ وهل هذه المؤسسات عُرضَت على السادة النوّاب من دون علم أحد، أم أيديهم بعيدة عنها؟
ما تطرّقنا له سابقاً هو تحقيق بحت عن الفساد المالي، أما الفساد الإداري فلا نستطيع التحدّث عنه بسبب حجم الفساد الواضح وضوح الشمس، والذي هو في حد ذاته يحتاج إلى عدّة سنوات لمعالجته، لأنّ الفساد المالي لم يحدث لولا الفساد الإداري.
إنّ تركيا لم تتقدّم أنملة واحدة إلاّ بعد القضاء على الفساد، ولا ننسى جملة أردوغان المشهورة آنذاك عن سبب تقدّم تركيا وتطوّرها، تلك الجملة التي دخلت التاريخ من أوسع أبوابه، وهي جملة بسيطة جداً: «لم أسرق»! فتقدّمت تركيا في المركز الاقتصادي على مستوى العالم من المركز 111 إلى 16!
صحيفة الوسط البحرينية – العدد 4506 – الخميس 08 يناير 2015م الموافق 17 ربيع الاول 1436هـ
http://www.alwasatnews.com/4506/news/read/951058/1.html