عُقد في عمّان في 25 و26 يونيو/ حزيران 2012 وبدعوة من الشبكة العربية للنزاهة ومكافحة الفساد، التي يرعاها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، المؤتمر الإقليمي حول «دور سلطات العدالة في تنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد»، وذلك تحت رعاية رئيس الوزراء الأردني فايز الطراونة، الذي افتتح أعمال المؤتمر وألقى كلمة ضافية حول «جهود الأردن في مكافحة الفساد».
يستهدف المؤتمر عرض تقارير من 16 دولة عربية أطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد والتي دخلت حيز التنفيذ في يونيو 2005، وتبادل الخبرات، والاستماع إلى الخبراء حول آليات مكافحة الفساد والتعاون الإقليمي والدولي. وقد احتلت قضية استرداد الأموال المنهوبة في الدول العربية التي نجحت فيها الثورات وأطاحت بالحكام الفاسدين المستبدين في «تونس ومصر، واليمن، وليبيا» محوراً مهماً في أعمال المؤتمر، وقدمت وفود هذه البلدان عروضاً بجهودها في هذا المجال والعقبات التي تواجهها.
الأطراف الثلاثة ومواقفها
كما هو نظام مؤتمرات الأمم المتحدة فقد تمثل في المؤتمر الأطراف الثلاثة وهي الجانب الرسمي، ومنظمات المجتمع المدني وخبراء الأمم المتحدة. الجانب الرسمي تمثل بمسئولين كبار من بينهم وزراء العدل، ورؤساء الهيئات الوطنية لمكافحة الفساد وقضاة ومدعون عامون وخبراء. الأمم المتحدة تمثلت بمنسق الشبكة أركان سابلاني وخبراء من مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة في فيينا، وخبراء من مؤسسات دولية كالبنك الدولي، وخبراء دول أجنبية مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والبرازيل والأرجنتين وماليزيا التي لها تجارب ناجحة في مكافحة الفساد. أما المجتمع المدني فقد تمثل بممثلي منظمات الشفافية في الدول العربية المعنية، ومنها البحرين والكويت في الخليج العربي، ومع أن تمثيلها محدود إلا أن دورها في مناقشة تقارير البلدان مفيد أيضاً. وكان رئيس الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة في المغرب عبدالسلام أبودرار هو رئيس الدورة ممثلاً للجانب الرسمي العربي، فيما كان عزمي بشارة من فلسطين هو منسق المجموعة غير الحكومية.
تحدث الطراونة في كلمته عن الإصلاحات الدستورية والقانونية والمؤسساتية التي يشهدها الأردن، وأكد أن الإصلاح الدستوري كان في طور المناقشة قبل الربيع العربي، لكن الربيع العربي سرّع من وتيرة التعديلات الدستورية وقانون الانتخابات. لكننا نعرف أن القانون الانتخابي الجديد الذي أقره مجلسا البرلمان والأعيان، يواجه برفض غالبية القوى السياسية، ويتوقع أن لا يصدق عليه الملك عبدالله الثاني، ويرده إلى المجلسين، حيث يرتكز إلى الصوت الواحد للناخب، في حين أن المطلب الشعبي هو نظام الصوتين، صوت للمرشح الفردي وصوت للقائمة الانتخابية.
كما أطنب الطراونة في عرض جهود الأردن التشريعية والمؤسساتية والسياسية في مكافحة الفساد، ومنها تشكيل هيئة مكافحة الفساد التي يرأسها سميح بينو، الذي استفاض في عرض دور وصلاحيات وجهود المؤسسة.
وقدمت الوفود الرسمية العربية تقارير حول الجهود الحكومية في مكافحة الفساد في الأردن والسعودية والمغرب وتونس ومصر واليمن ولبنان وفلسطين والعراق والجزائر، فيما لم تقدم بلدان أطراف في الاتفاقية مثل السودان وسورية والبحرين، علماً بأن السعودية والسودان وسورية وجزر القمر موقعة على الاتفاقية وليست مصدقة عليها، أما الصومال و «أرض الصومال» ليستا موقعتين عليها، ولم تحضرا كما لم تحضر الكويت.
الشبكة العربية لتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد تأسّست بمبادرة من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في يوليو/ تموز 2008، وتضم 37 وزارة وهيئة معنية بمكافحة الفساد في 15 دولة عربية، بالإضافة إلى مجموعة من المنظمات غير الحكومية المعنية بمكافحة الفساد. وقد تعاقب على رئاسة الشبكة اليمن والأردن وأخيراً المغرب وسيخلفه لبنان في الدورة القادمة. والشبكة العربية هي إحدى الآليات الإقليمية العربية للتعاون وتبادل الخبرات في تنفيذ آليات التعاون للاتفاقية الدولية في مختلف المجالات، بما في ذلك تبادل الخبرات والقدرات والخبراء، واسترداد الأموال المنهوبة، وتعقب الفاسدين، وتسليمهم ومقاضاتهم، ولكن هناك بون شاسع بين الأهداف المعلنة والواقع المعاش وهو ما عبّر عنه بألم ممثلو الدول المتضررة من الهروب بالأموال المنهوبة من قبل القيادات الاستبدادية الفاسدة في البلدان التي أطيح بها مثل تونس ومصر واليمن وليبيا، والتي ترتب على نجاح القدرات فيها تغييرات متفاوتة في الأجهزة القضائية المناط بها استرداد الأموال المنهوبة، وتعقب كبار المسئولين الفاسدين والمفسدين. وهو ما عبّر عنه بصراحة القاضي فيصل عجينة القاضي المكلف بمأمورية لدى وزير العدل التونسي.
تقارير زاهية وإنجازات وهمية!
التقارير التي قدمها المسئولون في عدد من الدول العربية، حول جهود دولهم في مكافحة الفساد، كانت في معظمها زاهيةً كالورق المصقول الذي طبعت عليه، وقدّمت صورة مجافية للواقع باستثناء تطوير تونس والمغرب. والمستغرب أن غالبية الوفود الرسمية تحدثت عن إنجازات وهمية في مجالات مكافحة الفساد والمحسوبية وتعزيز الشفافية، واستقلالية الأجهزة الأمنية والقضائية والمؤسسات الوطنية المعينة، وكأن رياح الربيع العربي لم تجتح الوطن العربي من المغرب حتى اليمن، وتسقط أربعة أنظمة عربية وتهتز أخرى. وكأن لم يترتب على ذلك حجم الفساد الهائل الذي كان ينخر هذه الأنظمة، أو كأن ما يجري على الأرض العربية من ثورات وانتفاضات تستهدف ضمن ما تستهدف الفساد، وتجري في المريخ مثلاً.
أما الجانب الآخر من المأساة، فهو الإصرار على أن أجهزة الدولة المعنية بالأمن والقضاء والنيابة العامة، والأجهزة الرقابية مثل البنك المركزي والهيئة الوطنية والبرلمان، مستقلة فعلاً، وجادة فعلاً في ملاحقة الفاسدين ومقاضاتهم ومعاقبتهم، فكيف بنظام مستبد أن يكافح الفساد ويعاقب الفاسدين؟
لم يتواضع هؤلاء فيقولوا مثلاً إننا نحاول ولكن هناك عقبات ونحتاج إلى كذا وكذا لتعزيز مكافحة الفساد، ونحتاج إلى خبرات ودعم وتعاون الآخرين لتنفيذ الاتفاقية، كواحدة من أهم الآليات لمكافحة الفساد، والتعاون الدولي لذلك.
المفارقة أن الدول العربية التي لم يصدق العديد منها على الاتفاقية الدولية، فيما لا تنفذ المصدّقون عليها بنودها بجدية، توصّلت إلى الاتفاقية العربية لمكافحة الفساد والتي هي دون اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد من حيث الدقة والأحكام. أما الحجة الجاهزة فتندرج في «الخصوصية العربية»، وكأننا أمة وشعوب تختلف عن الأمم والشعوب الأخرى.
ولو أخذنا المادة (6) الفقرة الأولى على سبيل المثال، فإن جميع بنود الاتفاقية مرهونة بالنظام القانوني للدولة الطرف، وبذلك يحبط فعلياً إمكانية تطبيق الاتفاقية. وللحديث صلة.
صحيفة الوسط البحرينية – العدد 3614 – الإثنين 30 يوليو 2012م الموافق 11 رمضان 1433هـ