بدعوة كريمة من السيد أحمد جناحي، تشرفت بلقاء رواد المجلس المحرقي بمشاركة السيد فيصل فولاذ، لمناقشة مجريات مجلس حقوق الإنسان في جنيف. ورغم أن الجلسة صادفت ليل سفري، إلا أني كنت حريصاً على حضور المجلس، وذلك لما يمثله المجلس وصاحبه من مكانة وطنية، وبما تمثله المحرق كقلعة وطنية على مر العقود وحتى اليوم.
لقد أثارت الجلسة الخاصة للمراجعة الدورية الشاملة لحقوق الإنسان في البحرين أمام مجلس حقوق الإنسان بتاريخ 21 مايو/ أيار 2012، ردود فعل واسعة، محلية وعربية ودولية.
ولقد تعرض الوفد الحقوقي البحريني المستقل المشارك في المراجعة إلى حملة تشويه لا سابق لها في الإعلام الموالي، وهو لايزال في جنيف، وتجاوزت حملة الافتراءات كل الحدود، بحيث شعر أعضاء الوفد أنهم مستهدفون، بحيث لفتوا نظر رئيسة المجلس السيدة (لورا يتسير)، وهي بدورها لفتت نظر رئيس الوفد الرسمي وزير حقوق الإنسان صلاح علي، مطالبة منه بتطمين الحقوقيين على سلامتهم. لكن رد علي كان الإنكار، فكان بمثابة مؤشر سلبي، ويعبّر عن سياسة الدولة، ولذلك استمرت وتصاعدت الحملة الظالمة. لذلك رأيت في ندوة مجلس جناحي فرصةً لوضع الأمور في نصابها، والرد على هذه الافتراءات.
ومما لاحظته، حجم التعبئة الخاطئة، والمعلومات المضللة لدى بعض الحاضرين، إلا أنهم ذوو معدن وطني أصيل، ولذلك سرعان ما تفهموا الوضع عندما اتضحت لهم الحقائق.
في البداية، كان لابد من شكر صاحب الدعوة، والإشادة بالمحرق كقلعة وطنية للنضال الوطني لشعب البحرين في مختلف مراحله، وأنها لن تكون ساحةً للفزعة، ولن يكون أبناؤها إلا كما عهدناهم، وطنيين غيورين على وطنهم وشعبهم، لا تلوّثهم الطائفية، وهم الذين عاشوا متحابين سنةً وشيعة، عرباً وعجماً.
كان لابد من الإيضاح للحضور الكريم وعبرهم إلى المواطنين، أن ممثلي المجتمع المدني لم يكونوا متطفلين على المشاركة في جنيف، فمنهم من كانوا قبل ذلك أعضاءً في اللجنة الإشرافية للمراجعة الدورية الشاملة برئاسة وزارة الخارجية والأمم المتحدة طوال أربعة أعوام، إلى جانب ممثلي الوزارات وغرفة التجارة وجمعيات مقربة من الحكم، رغم تحفظاتهم على عمل اللجنة، كما هي عادة اللجان التي تسيّرها الحكومة.
كما أن آلية المراجعة الدورية الشاملة، التي كانت البحرين أول دولة انضمت إليها في مايو/أيار 2008، تنص على مشاركة منظمات المجتمع المدني في وضع وتنفيذ وتقييم البرامج المرتبطة به. وحكومة البحرين لا تفتأ تكرّر أن المجتمع المدني، وبالطبع غرفة التجارة، شريكان للحكومة في كثير من برامجها وخططها ومجالسها.
إذاً ومن هذا المنطلق، شرحت تجربتنا المريرة في اللجنة (محاولاتنا للتعاطي الإيجابي، كما شرحت آلية تقديم التقارير الثلاثة لمجلس حقوق الإنسان، والحكومي، والأهلي، وخبراء الأمم المتحدة)، وكيف قدّمنا التقرير الأهلي منذ 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2011، ما أتاح للحكومة فرصة الإطلاع عليه ومعرفة ما جاء فيه.
وكان بإمكانها الاستفادة من ذلك حيث أنها قدّمت تقريرها في أواخر مارس/آذار 2012، لكنها لم تفعل. والأغرب أن مسئولي وزارة حقوق الإنسان وآخرهم صلاح علي، كما جاء في خطابه أمام مجلس حقوق الإنسان، ظلوا يصرون على أن ممثلي المجتمع المدني شاركوا في وضع التقرير الحكومي، والذي أسموه «وطنياً»، وهو أمرٌ غير صحيح البتة.
أعود إلى أسئلة رواد المجلس، وبعضها انطلق مما روّج في بعض الصحف، ووسائط التواصل الاجتماعي. وأهمها:
1 – هل صحيح أنكم استلمتم أموالاً من إيران؟
2 – هل صحيح أنكم تعاونتم مع منظمات معادية للبحرين؟
3 – من الذي تكفل بنفقاتكم؟ وهل صحيح أنكم سكنتم في فنادق 5 نجوم؟
4 – كيف يمكن لجلالة الملك أن يعفوا عن المتآمرين الداعين لإسقاط النظام، وإقامة الجمهورية؟
5 – هل صحيح أن أميركا وإيران يتآمرون على البحرين؟
لقد سبق أن استمعنا لهذه الادعاءات الحمقاء من قبل، ولم نرد عليها مباشرة، ليقيننا أننا لسنا في موضع الاتهام، وأن من يسوقونها لا مصداقية لهم. لكن كان من الضروري، واحتراماً للحاضرين أن نوضح الحقائق.
الحقيقة الأولى هو أن تقريرنا المقدم للمجلس مسنودٌ بالحقائق، لأنه جرت غربلته من قبل خبراء الأمم المتحدة قبل اعتماده، ولذلك كان مقنعاً، عكس تقرير الحكومة، وهو ما جعل 50 دولة من بين 67 دولة تحدّثت في جلسة البحرين، واستندت إليه، وساقت انتقادات شديدة لسجل البحرين في حقوق الإنسان، وقدّمت توصيات محددة، يتوجب الالتزام بها من قبل البحرين.
كما أنه من المعروف أن وزارة التنمية وحقوق الإنسان قد أعاقت تمويل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لأربعة أعضاء من المجتمع المدني المشاركين في لجنة التسيير. لذا لا يحق لأية جهة أن تسأل الحقوقيين المستقلين كيف تدبّروا أمورهم، في حين لم تسأل كيف تدبر الوفد الموالي أمره. كما أننا لم نسأل كذلك.
أما حكاية إيران والعلاقة مع إيران، فالكلّ يعرف خلفيات ومواقف الحقوقيين البحرينيين، وإذا كانت بعض القنوات الأخرى حاضرةً، فكان بإمكان تلفزيون البحرين أن يغطّى فعاليات الحقوقيين البحرينيين، وهو الذي غطّى فعاليات الوفد الرسمي، ووفد الموالاة.
الغريب في الأمر، القول إن كل دول العالم تعادي البحرين في جنيف، وأن هناك مؤامرةً دوليةً على البحرين، فكيف يعقل ذلك والدولة تتفاخر بعلاقاتها الممتازة مع الشرق والغرب، ومع العرب والعجم؟!
هناك حالة إنكار لما يجري في البحرين، والخلل العميق في الحياة السياسية، والأزمة التي تمر بها بلادنا، وعندما يتحدث عنها الآخرون يقال لهم إنكم مضللون، متآمرون!
من هنا، فإن عدم قبول البحرين بأيٍّ من التوصيات الـ 76 الواردة في جلسة المراجعة، حتى بعد عقد جلسة الإقرار النهائية في 26 مايو 2012 بعد مرور خمسة أيام، كانت كافية لقيادات الدولة مراجعة الموقف في ضوء الإجماع الدولي، والإقرار بشيء من الواقع.
المهم أنه من خلال النقاش الأخوي تجلت الكثير من الحقائق للحضور، ولذلك تناوب عددٌ من المتحدثين على التأكيد على المطالب الشعبية بالإصلاح الشامل، والخروج من المأزق الحالي بتطبيع الأوضاع، ومصالحة وطنية شاملة، وكذلك عرض الانتهاكات الفاضحة لحقوق الإنسان من قبل الدولة وأجهزتها. وضرورة التلاحم الوطني ونبذ الطائفية والقبلية، والاعتزاز بالمواطنة.
وهكذا هي المحرق وأهلها ذوو المعدن الأصيل. وستظل المحرق عنواناً للوطن، وسيظل المحرقيون وطنيين بامتياز، ولن يكونوا أزلاماً أو تابعين.
عبدالنبي العكري
صحيفة الوسط البحرينية – العدد 3595 – الأربعاء 11 يوليو 2012م الموافق 21 شعبان 1433هـ