Skip to main content

انعقد في برلين في الفترة ما بين 7 و10 نوفمبر/ تشرين الثاني الاجتماع السنوي للشفافية الدولية، و«الجمعية البحرينية للشفافية» عضو فيها. وقد سار الاجتماع على ثلاث مراحل: الأولى هي اجتماع المنظمات الأعضاء والمرشحين لكل منطقة على حدة، حيث ننتمي إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (الوطن العربي)؛ والمرحلة الثانية للاحتفال بالذكرى العشرين لتأسيس المنظمة؛ والثالثة هي المؤتمر التنظيمي للمنظمة ويقتصر على كاملي العضوية. وقد كرّس اجتماع المنطقة العربية لمناقشة البيئة الخاصة بالبلدان العربية التي تعمل فيها المنظمات الأعضاء، والربيع العربي وانعكاساته على هذه المنظمات ودورها في الحراك العربي، والمشاريع المشتركة المخصصة للمنطقة العربية في إطار استراتيجية الشفافية الدولية للفترة 2011 – 2015، والمنظمات المشهرة قريباً أو في طور التشكل.

ويتضح من خلال مراجعة الأوضاع العربية أنها من أصعب الأوضاع، حيث أن الفساد أكثر استشراءً في البلدان العربية، وهذا ما تدل عليه المؤشرات الدولية ومنحى بارومتر الفساد ومؤشر مدركات الفساد للشفافية الدولية، حيث أن هناك تناقضاً واضحاً ما بين غنى الدول العربية وخصوصاً النفطية منها، وتخلف البنى الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية وغيرها، والبطالة المرتفعة، ومن أهم أسبابها الفساد المالي والإداري وافتقاد النزاهة في الوظائف العامة والفساد السياسي.

أما الخاصية الثانية للبلدان العربية، فهي استبدادية الأنظمة، ولذا فهي لا تتردد عن قمع منظمات المجتمع المدني، وفي مقدمتها منظمات الشفافية، ولذلك فإنه من ضمن 22 بلداً عربياً، لا توجد إلا خمسة بلدان (هي الكويت والبحرين ولبنان وفلسطين والمغرب) بها منظمات شفافية مستقرة كاملة العضوية، بينما يجري تشكيل منظمات شفافية في كل من الأردن ومصر وتونس وليبيا، وهي بلدان -باستثناء الأردن- أحدث فيها الربيع العربي تغييراً في النظام السياسي، وبالتالي فإن المنطقة العربية هي الأقل في عدد المنظمات مقارنةً بأفريقيا مثلاً. وقد اهتمت الشفافية الدولية استثنائياً بالربيع العربي، وكرّست له أكثر من ورشة، وتساعد على إنشاء منظمات شفافية في بلدان التغيير، مستفيدةً من الحريات النسبية. كما رصدت موازنة كبيرة (لا تشمل بلدان الخليج) باعتبارها بلداناً غنية، لتنفيذ البرامج المشتركة في المنطقة العربية ومنها استرداد الأموال المنهوبة، والحاكمية في الشركات، وبناء القدرات، والإفلات من العدالة.

اليوم الثاني كُرّس للاحتفال بالذكرى العشرين لتأسيس «الشفافية الدولية» في برلين على يد روّاد، بمبادرة من موظف البنك الدولي السابق الألماني بيتر ايلجن، أرسوا دعائم المنظمة لتتحوّل من مجموعة أفراد، إلى منظمة مرموقة لها فروع منظمات أعضاء فيما يقارب 150 بلداً، ومن ضمنها 95 منظمة كاملة العضوية، والباقي منظمات مراقبة أو مراسلة.

الاحتفال جرى في مقهى موسكو التاريخي في شارع كارل ماركس، ودُعي إليه المؤسسون حيث حضر منهم عشرة من بين ثلاثين، إضافةً إلى الرئيس الألماني السابق فيسكر. وألقيت في الاحتفال كلمات مؤثرة عن الماضي والحاضر والمستقبل للرئيسة هوجيت لابيل (وزيرة الحكم المحلي في كندا سابقاً)، والمؤسس للشفافية الدولية بيتر ايلجن. وعرضت كلمة للأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان، ونائب مدير البنك الدولي ليونارد مكارثي، والرئيس الألماني السابق فيسكر. بعدها عقدت 5 جلسات عن أهم المواضيع ضمن الاستراتيجية وهي: 1) النزاهة في قطاع الأعمال الخاصة. 2) الافلات من العدالة. 3) مكافحة الفقر. 4) تضافر الجهود الدولية. 5) مواطنون ضد الفساد، وقد شملت كل ندوة متحدثين ومعقبين، ويتبع ذلك نقاشٌ من قبل الحاضرين. بعدها عقدت ندوةٌ خاصةٌ لفائزَيْن بمسابقة الشفافية الدولية للشباب، وهما صحافي من غانا ومصوّر من بنجلاديش. ثم عقدت ندوة خاصة لرؤية مستقبل الشفافية الدولية شاركت فيها الرئيسة هوجيت لابيل.

وتم تكريم الفائزين بجائزة النزاهة للشفافية الدولية حيث فاز بها لهذا العام البلوغر والصحافي الصيني لوشاتجينيج الذي فضح فساد كبار المسئولين الصينيين، وأسهم بنضاله في تقديم بعضهم للمحاكمة؛ والثاني الصحافي الانجولي رافائيل ماركيز الذي فضح فساد من هم في قمة الحكم في أنجولا ممن جمعوا السلطة والثروة، وعلى رأسهم الرئيس سانتوس وعائلته الممسكون بالحكم منذ الاستقلال، وأسهم في مصادرة أموالهم بعض البلدان الغربية. وانتهى الاحتفال بعرض لرئيسة منظمة الشفافية الروسية، السيدة ايلينا بانفلوبا، التي تعرض مقرها لتفتيشات متكرّرة من قبل النيابة العامة بدعاوى واهية. وقد عرضت للتحديات التي تواجهها حركة الشفافية الدولية.

واستغرق الاجتماع التنظيمي السنوي يومي 9 و10 نوفمبر، واقتصر على كاملي العضوية، وحضره 92 من بين 95 عضواً من الفروع. وفي البداية ألقت رئيسة المنظمة هوجيت لابيل، كلمةً بمناسبة الذكرى العشرين للحركة وحاضرها والتحديات المستقبلية، ثم جرى تقديم تعزيز تنظيمي حيث ذكر فيها إسقاط عضوية أحد الفروع ووضع عشرة تحت المراقبة، علماً بأنه يجري مراجعة كل عضو سنوياً بشكل اعتيادي، وكل ثلاث سنوات بشكل مدقق، ويؤدي ذلك إما إلى تثبيت العضوية، أو تعليقها، أو إسقاطها. كما عرض التقرير التنظيمي للأوضاع المتفاوتة للفروع ما بين مريحة كما في الدول الديمقراطية الغربية، أو مقبولة، كما في أوضاع بلدان التحول الديمقراطي، أو صعبة كما في البلدان الاستبدادية ومنها بالطبع دولنا العربية. وجرى ترتيب المسار على أساس عقد عدد من الاجتماعات العامة لكل الأعضاء ثم تتفرع إلى مجموعات صغيرة.

ومن أهم المواضيع التي جرى نقاشها: لا للافلات من العدالة؛ النزاهة في القطاع العام؛ الأمن الالكتروني؛ التمييز على النطاق الدولي؛ سياسة الشفافية بشأن النوع الاجتماعي (الجندر)؛ البرلمانات والكفاح ضد الفساد؛ تعبئة المتطوعين؛ النزاهة في القطاع المالي؛ وحماية المبلغين.

أما اليوم الثاني فكرس للقضايا التنظيمية وشملت أوضاع العضوية لمختلف المنظمات الأعضاء بدرجاتها الثلاث الكاملة والمراقبة والمراسلة، وعرض الأمين التنفيذي كوسين لاسيوارت التقريرين السردي والمالي للعام ومناقشتهما وإقرارهما. ثم عرض المسئول المالي جيرمي، الوضع المالي الحالي والمستقبلي للسنتين القادمتين، وشدّد على الصعوبات التي تواجهها الشفافية في الحصول على الأموال في ظلّ الأزمة الاقتصادية العالمية التي انعكست على الصناديق المانحة والاشتراطات المرتبطة بالمنح، ومنها مثلاً استثناء بلدان الخليج من الدعم باعتبارها مرتفعة الدخل، ما يستوجب توفير دعم بديل لها، وهو ما أثرناه بقوة في المؤتمر، حيث لا تتلقى الجمعية البحرينية للشفافية، أي تمويل مباشر لمشاريعها من الشفافية الدولية في حين أن الدولة تحرمها من أي دعم وتضيق عليها في الحصول على تمويل لمشاريعها من الصناديق الخارجية إلى حد ما يشبه الاستحالة.

ثم عرضت كل لجنة أو مجلس مختص تقارير عن أعمالها ومنها: لجنة القيم (Ethics) المختصة بتفحص آليات وسلوك مختلف الفروع بما يتوافق مع لائحة القيم للشفافية الدولية؛ لجنة الاتصالات بين مجلس الأمناء والسكرتاريا مع مختلف الأوضاع وضمان أمن شبكة الاتصالات، وأمن أعضاء الفروع والمبلغين ودعمهم؛ لجنة الحاكمية المختصة بمراجعة أداء مختلف الفروع؛ لجنة جائزة النزاهة المختصة بتلقي الترشحات لجائزة الشفافية الدولية للنزاهة، حيث تلقت هذا العام 85 ترشيحاً من 70 بلداً، علما بأن النائب السابق لرئيس الجمعية البحرينية للشفافية وأمين عام جمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد) السجين إبراهيم شريف كان مرشحا للجائزة وجرى التنويه به.

كما عرضت لجنة التدقيق المالي الداخلي، ولجنة المصادر المالية، تقاريرها عن تدقيق المداخيل والمصاريف ومطابقتها لمعايير النزهة والشفافية، والعمل على تأمين تمويل المنظمة من مصادر غير مشبوهة وغير مشروطة. وكذلك لجنة السلامة المختصة بمتابعة ما يتعرض له الأعضاء، من مخاطر والتعامل معها. كما عرضت إشكالية انتهاء عضوية 6 من بين 12 من أعضاء مجلس الأمناء ومنهم الرئيس لابيل ونائبه اكري في 2014، لكن الجميع توصلوا إلى أن منظمة الشفافية الدولية تعمل بشكل مؤسسي، وأن التجديد لنصف أعضاء مجلس الأمناء في 2014 آمن.

وجرى النقاش في إشكالية تساوي التصويت لكل من الفروع والأفراد المستقلين، حيث يشكل الأفراد 25 في المئة من مجموع الأعضاء وعددهم مرشح للزيادة، وقد ارتئي الإبقاء على نظام المساواة في التصويت مع مناقشته في المؤتمر القادم. بعدها جرى انتخاب عضوين من بين ثلاثة تنافسوا على مقعدين شاغرين في مجلس الأمناء، حيث يتم الترشيح بعد تدقيق شديد من قبل لجنة مستقلة، وتعرض جميع معلومات المرشح على الأعضاء ثم يتاح لكل مرشح عرض برنامجه ومناقشته، وقد فاز كل من السيرلانكي ويليامونا والاندونسية ناتاليا سوبريجو، كما تم تثبت العضوية الفردية للاسترالي بيتر بروك. وقد اختتمت الرئيسة لابيل أعمال المؤتمر بعرض لأهم نتائج الاجتماع والتأكيد على قوة حركة الشفافية الدولية ومكانتها العالية، بعدما أضحت منظمةً يُعتد بها وشريكاً في الأمم المتحدة وقمة العشرين وغيرها من التجمعات والمنظمات الدولية.

عبدالنبي العكري
صحيفة الوسط البحرينية – العدد 4099 – الأربعاء 27 نوفمبر 2013م الموافق 23 محرم 1435هـ