الوسط – أماني المسقطي
حذر ممثلون عن مؤسسات المجتمع المدني من أن إقرار مشروع قانون المنظمات والجمعيات الأهلية المرافق للمرسوم الملكي رقم (1) للعام 2013، بصورته الحالية، سيشل العمل التطوعي في البحرين، لما يتضمنه من قيود على العمل الأهلي، تتعلق بالتمويل والانضمام إلى الجمعيات، ناهيك عن العقوبات المغلظة المفروضة على أعضاء الجمعيات في حال مخالفة القانون.
واعتبر المشاركون في المنتدى الذي استضافته «الوسط» بشأن مشروع القانون، المعروض على مجلس النواب، أن المشروع يعطي السلطة المطلقة لوزارة التنمية الاجتماعية بغلق أية جمعية، وهو ما اعتبروه أيضاً ردة فعل على الأحداث الأخيرة التي شهدتها البلاد.
وطالب المشاركون في المنتدى بسحب المشروع من البرلمان، وإعادة التشاور بشأنه مع وزارة التنمية، بغرض إصدار قانون يلبي متطلبات المرحلة الحالية.
أكدوا أنه يعطي لـ «التنمية» السلطة المطلقة لغلق أية جمعية… واعتبروه ردة فعل على الأحداث الأخيرة
ممثلون عن «المجتمع المدني»: مشروع قانون «الجمعيات» سيشل العمل التطوعي… ونطالب بسحبه من البرلمان
الوسط – أماني المسقطي
حذر ممثلون عن مؤسسات المجتمع المدني من أن إقرار مشروع قانون المنظمات والجمعيات الأهلية المرافق للمرسوم الملكي رقم (1) للعام 2013، بصورته الحالية، سيشل العمل التطوعي، لما يتضمنه من قيود على العمل الأهلي، ناهيك عن العقوبات المغلظة المفروضة في حال مخالفة القانون.
وطالب المشاركون في المنتدى الذي استضافته «الوسط» بشأن مشروع القانون، بسحب المشروع من البرلمان، وإعادة التشاور بشأنه مع وزارة التنمية الاجتماعية، بغرض إصدار قانون يلبي متطلبات المرحلة الحالية.
شارك في المنتدى رئيسة جمعية الاجتماعيين البحرينية هدى المحمود، نائب رئيس جمعية الشفافية البحرينية سيد شرف الموسوي، عضو الأمانة العامة للجمعية البحرينية لحقوق الإنسان عيسى إبراهيم، ممثلة الاتحاد النسائي البحريني نورة المرزوقي.
وفيما يأتي النقاشات التي دارت في المنتدى:
أكدتُّم في وقت سابق أن وزارة التنمية الاجتماعية لم تشاوركم في الإعداد لمشروع قانون الجمعيات الأهلية المعروض حاليّاً على مجلس النواب، وهو ما نفته الوزارة لاحقاً حين أكدت أنها تشاورت معكم كمؤسسات مجتمع مدني بشأن المشروع في العام 2007، فما تعليقكم على ذلك؟
– هدى المحمود: في العام 2007، طرح مشروع القانون على الجمعيات الأهلية، وكانت هناك عدة لقاءات بين مؤسسات المجتمع المدني ووزارة التنمية، وطُرحت العديد من الملاحظات والتعديلات على المشروع، الذي نحتفظ بالنسخة المعدلة منه، وتم إبلاغنا بأنه سيتم عرضه على مجلس الوزراء.
بعد ذلك، وفي حوار التوافق الوطني طُرحت العديد من الملاحظات على المشروع، بحضور وزيرة التنمية فاطمة البلوشي، وكان هناك توافق من الجميع تقريباً على أن هناك حاجة إلى تعديل القانون المعمول به حاليّاً، إذ تم انتقاد الكثير من الأمور الواردة في القانون، وخصوصاً تلك التي تفرض قيوداً على عمل الجمعيات، ناهيك عن انتقاد إدارة المنظمات الأهلية التي كانت معرقلة ومعطلة لعمل الجمعيات، كما اشتكى ممثلو الجمعيات من ضياع الكثير من الملفات، والبيروقراطية المعمول بها، ومن ضمن ما طرح أيضاً مشروع القانون، وتمت الإشارة إلى أن هناك نقاطاً محددة تلقى توافقاً من مؤسسات المجتمع المدني، وتم التأكيد عليها.
وفوجئنا بعد انتهاء أعمال الحوار، بصدور مشروع القانون الحالي الذي لا نعلم من أعده أو متى تم إعداده، لكننا متأكدون من أنه ليست له علاقة بالملاحظات التي تم وضعها من قبل مؤسسات المجتمع المدني. والسؤال: أين هي الملاحظات التي تم وضعها من قبل مؤسسات المجتمع المدني في المشروع؟
– سيد شرف الموسوي: صحيح أن وزارة التنمية دعت مؤسسات المجتمع المدني إلى لقاءات لمناقشة مشروع القانون المقترح في العام 2007، كما أن منظمات دولية أبدت وجهات نظر في اقتراح القانون، لكن المشكلة أن الوزارة انفردت في إعداد مشروع القانون الحالي من دون مراجعة أو التشاور مع مؤسسات المجتمع المدني.
بل إن الوزارة تجاهلت الاقتراحات التي قدمتها مؤسسات المجتمع المدني في العام 2007، وحتى التوصيات التي توصل إليها الحوار في العام 2011. ففي الحوار توافق جميع المشاركين على أن قانون الجمعيات الحالي لا يتناسب مع مرحلة الإصلاح، لذلك تقدموا بمجموعة من الاقتراحات، والتي وعدت الوزارة بالأخذ بها، لنفاجأ لاحقاً بأن مشروع القانون الجديد لا يحتوي على أي من الاقتراحات التي تقدمت بها مؤسسات المجتمع المدني، وإنما انفردت الوزارة بوجهة نظرها تماماً.
وفي الحوار أيضاً تم توجيه انتقاد إلى طريقة تعاطي إدارة المنظمات الأهلية مع الجمعيات، وتم التأكيد أيضاً على أن القانون المعمول به يجمع بين الصناديق الخيرية والجمعيات المهنية والنسائية، ولذلك أوصينا بأنه إذا كانت وزارة التنمية تصر على أن تكون جميع الجمعيات تحت مظلة واحدة، أن يتم تصنيف القانون بحسب أنواع الجمعيات، إلا أن الوزارة وللأسف الشديد انفردت بوجهة نظرها في هذا الشأن، وهو ما جعل القانون محل رفض شديد.
عيسى إبراهيم: تعديل مشروع قانون الجمعيات يعود إلى عهد الانفتاح في العام 2002، ونوقش من خلال اللجان المنبثقة عن ميثاق العمل الوطني، لكن لم تكن هناك آلية واضحة لتعديل القوانين المتعلقة بنشاط المجتمع المدني، وهذا ناتج عن النظرة الرسمية الحذرة تجاه المجتمع المدني.
من جهة أخرى، فإن القوانين تعدل لكن لا توجد صيغة على ما تم التوافق عليه، وإنما يتم الخروج بنقاط جديدة لم تكن موضع نقاش.
حوار التوافق الوطني خرج بمجموعة من التوصيات المتعلقة بالقانون، وبالفعل؛ فإننا في مجموعة الجمعيات التي رفعت خطابها إلى مجلس النواب بشأن مشروع القانون، ذكرنا أنه – المشروع – لا يتوافق ومخرجات وتوصيات الحوار الوطني، الذي أوصى في توصياته أرقام 23،23،27 من المحور الاجتماعي بتعديل بنود قانون الجمعيات الأهلية وسن قانون جديد للجمعيات المهنية والجمعيات الأهلية بهدف الوصول إلى قانون عصري يعطي مزيداً من حرية العمل للجمعيات والمنظمات الأهلية المدنية، والفصل بين هذه الجمعيات بما يناسب المهام التي تقوم بها، وخصوصاً في تحديد أنشطتها، وهذه دلالة على أن هناك مشكلة في طريقة التعامل مع أنشطة الجتمع المدني وتنظيم الجمعيات.
– نورة المرزوقي: قانون الجمعيات السابق كان أكثر تطوراً، لكن القانون الحالي بات يقيِّد الجمعيات أكثر فأكثر، وخصوصاً على صعيد جمع التبرعات، وإلزام الجمعيات بتوفير مقارَّ لها، كما أن القانون يلزم الجمعية بإرسال محضر اجتماع كل جمعية عمومية إلى الوزارة، بينما في السابق كنا نرفع محاضر الاجتماعات العمومية سنويّاً وموثقة، ومن ثم تتعرض للضياع أيضاً. ويجب على وزارة التنمية أن تدرك أن نشاط الجمعيات هو عمل تطوعي بحت، وأن عليها دعمه لا العكس.
حتى على صعيد التمويل، فإن وزارة التنمية كانت تخصص مبلغ دعم مالي إلى الجمعيات يبلغ 1200 دينار، إلا أنها أوقفت الدعم المالي، وربطت تقديمه بتنفيذ الجمعية لمشروع تموله الوزارة، لتتم متابعة صرف مبلغ الدعم، وهذا يقيد العمل التطوعي.
– المحمود: الجمعيات في تزايد، وفاق عددها 500 جمعية، ومن المفترض أن يكون ذلك مصدر فخر للحكومة، بل إنها دائماً ما تتطرق إلى هذا الأمر في المحافل الدولية باعتباره مؤشراً إيجابيّاً على حرية تشكيل مؤسسات المجتمع المدني. لكن على أرض الواقع، فإن العلاقة بين الجمعيات ووزارة التنمية تشوبها الريبة وسوء الظن، وهو ما لا يتوافق مع ما تدعو إليه الأمم المتحدة بكل هيئاتها، والتي تؤكد دور منظمات المجتمع المدني كسلطة رابعة شريكة في إنفاذ الكثير من البرامج ورفد برامج التنمية التي تقوم بها الدولة أو أية مؤسسات أخرى.
وبالتالي فإن الحكومة من أبرز أصحاب المصلحة في استمرار عمل مؤسسات المجتمع المدني. فعلاقة المنظمات الأهلية بالمجتمع تنشأ من القاع، لأنها تخدم جميع فئات المجتمع، وبالتالي هم رافد أساس لبرامج الدولة، بل إن وزارة التنمية لديها شبكة من الخدمات الاجتماعية، التي لا يمكن لها أن تنفذها إلا عبر مؤسسات المجتمع المدني. وهذا نوع من الترابط وتفعيل قدرات المجتمع.
لذلك يجب على الوزارة أن تبني علاقتها مع مؤسسات المجتمع المدني بحسن نية، حتى يصبح العكس، وخصوصاً على صعيد التمويل، لأن المنظمات الأهلية واضحة وشفافة في أوجه الصرف.
ما هي أبرز الملاحظات التي تقدمتم بها كمؤسسات مجتمع مدني ولم يتم الأخذ بها في مشروع القانون الجديد؟
– الموسوي: أول ملاحظة هي تصنيف القانون بحسب أنواع الجمعيات، فمشروع القانون المقدم لايزال يتعامل مع مؤسسات المجتمع المدني بصورة شاملة. كما كان من بين الملاحظات التي تقدمت بها الجمعيات هي دعم مؤسسات المجتمع المدني الفاعلة، فصحيح أن هناك نحو 550 جمعية، إلا أن نسبة كبيرة من هذا العدد هي جمعيات غير فاعلة لم تقم وزارة التنمية بإغلاقها.
ومن ضمن الاقتراحات أنه إذا لم يكن هناك تمويل مباشر للجمعيات الناشطة، أن تتم تغطية تكاليف المقرات والسكرتارية، للجمعيات التي لها وجود في المجتمع وتؤدي مهمات حقيقية.
إضافة إلى كل ذلك، فإن المشروع زاد البيروقراطية التي تتعامل بها الوزارة مع الجمعيات.
– المحمود: وخصوصاً فيما يتعلق بإدارة المنظمات.
– المرزوقي: من أبرز الأدلة على البيروقراطية، الخطاب الذي تحصل عليه الجمعيات لتغيير تواقيع أعضاء مجلس إدارة الجمعية بعد إجراء الانتخابات لإجراء المعاملات المصرفية للجمعية، إذ تستغرق العملية ستة أشهر، وحينها تكون الفترة المتبقية للإدارة الجديدة ستة أشهر أيضاً.
– إبراهيم: ما يوجِّه مشروع أي قانون المفترض أن يكون الجانب الرسمي، والذي إذا كان ينطلق من النصوص الدستورية المتعلقة بالموضوع، ومن العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، فيفترض ألا يكون هذا النوع من التعامل مع مؤسسات المجتمع المدني، وأن يتوصل الجانب الرسمي لأن يقترح تشريعات تنطلق من هذا الحق، وهو الحق الذي يكفل حرية تكوين الجمعيات المستقلة لا التابعة إلى الحكومة.
كما يجب تغيير النظرة من عقلية الهيمنة والحذر والريبة وضبط أنشطة الجمعيات إلى الشراكة المجتمعية بين الجانبين الأهلي والرسمي، وانطلاقاً من هذه الرؤية والعهد الدولي، أصبحت جزءاً من القانون الوطني، وبالتالي التدخلات الممارسة من قبل الجانب الرسمي من خلال القانون يجب أن تتوقف، وأن تتغير الرؤية إلى صياغة التشريعات؛ لأنه انطلاقاً من هذا الجانب، ستتوقف الوزارة عن التدخل الفج في شئون إدارات الجمعيات.
فمراقبة أنشطة الجمعيات يمكن أن تتحقق بأساليب لا تعطي موظفي الوزارة السلطة التي يتمعتون بها حاليّاً أو التي يقررها مشروع القانون الجديد.
أما فيما يتعلق بموضوع التمويل، فإذا كانت هذه المنظمات تسهم في التنمية الشاملة للمجتمع البحريني، فما المانع من حصولها على التبرعات؟، في الأساس إنها تحصل على تبرعات من الداخل والخارج، وإذا كان من الممكن مراقبة الخارج أكثر فلماذا مراقبة الداخل؟، وخصوصاً أنها أموال تخضع للرقابة المحاسبية.
– المحمود: الجمعيات مهددة ماديّاً، إذ ليس لدينا التمويل الدائم، كما أننا نفتقر إلى مصادر التمويل، والقليل من الجمعيات التي لديها مقرات، لكن غالبيتها تستأجر مقرات وتؤجر جزءاً منها، وفي الوقت نفسه ليس لديها مصادر دخل، وبالتالي فإن مبالغ الإيجار تستهلك موازنتها، ما يجعلها مهددة بالإفلاس.
هذا إلى جانب تهديد شركة «ممتلكات» التي تستحصل إيجار الجمعيات، وهناك جمعيات متعثرة في دفع الإيجار بسبب عدم وجود مبالغ الإيجار المفروضة عليهم، ولذلك فإن القائمين عليها يمتنعون أحياناً عن الدفع، ليس لأنهم لا يريدون الدفع، وإنما ليس لديهم مصادر تمويل، والآن هم مهددون بإخلاء مقراتهم، وبالتالي فإن ذلك يتجاوز كونه تهديداً ماليّاً وإنما هو تهديد لبقاء الجمعية.
وكمنظمات مجتمع مدني، فإن جزءاً من عملنا أننا ننتمي إلى جمعيات واتحادات وشبكات دولية، وهي العلاقة التي تنظر إليها وزارة التنمية بريبة وكأنها تهمة.
هل يتناول القانون ما يمنع الانضمام إلى هذه الجهات الدولية؟
– الموسوي: مشروع القانون الجديد يمنع الانضمام إلى أية جهة دولية من دون موافقة وزارة التنمية، وهذا أمر غير صحيح.
– المحمود: جزء من الانتماء إلى هذه الجهة يوفر نوعاً من التمويل لمشروعات معينة تقوم بها الجمعيات، فما الضرر في ذلك؟، وخصوصاً أنها جهات معروفة، وحتى قوانين البحرين في دخول الأموال إليها معروفة، ومصرف البحرين المركزي له قوانينه في هذا المجال، إضافة إلى أن المنظمات نفسها ملزمة بوضع مدققين لتدقيق حساباتها، لكن الأساس في هذه المسالأة يجب أن يكون حسن النية حتى يثبت العكس، لا سوء النية حتى يثبت العكس.
وأعتقد أن المشكلة الأساسية تكمن في أن إدارة المنظمات الأهلية لا تفقه عمل الجمعيات.
– إبراهيم: المادة (16) من المشروع تنص على أنه «يجوز للمنظمة الأهلية الانضمام أو تتعامل أو الانتساب إلى أية منظمة تكون خارج البحرين، وتمارس نشاطاً لا يتنافى مع أهدافها، وذلك بعد موافقة وزارة التنمية الاجتماعية، أو مضي 90 يوماً من تاريخ إخطارها بذلك من دون اعتراض كتابي منها».
وفي القانون الحالي، لا يجوز للجمعيات الانضمام إلى جهات دولية.
… لكن هناك عدد من الجمعيات المنتمية حاليّاً إلى منظمات وشبكات دولية؟
– الموسوي: صحيح، والوزارة تعلم بتعاوننا في جمعية الشفافية على سبيل المثال مع منظمة الشفافية الدولية، من دون اعتراض على ذلك، لكن في الوقت الذي يراد استخدام القانون ضد الجمعية، فإنه يتم إبلاغ الجمعية بمخالفة القانون، إذ إن هناك انتقائية في تطبيق هذا القانون.
إبراهيم: المادة (17) من مشروع القانون تجوز للمنظمة الأهلية، بعد موافقة الوزارة الكتابية، تلقِّي وجمع التبرعات داخل مملكة البحرين، وهذا يعني أنه عمليّاً ممنوع تلقي التبرعات، إلا إذا أصدرت الوزارة موافقتها، وهذا شبه مستحيل، وخصوصاً للجمعيات المستقلة.
– المرزوقي: حتى التبرعات الداخلية يقيدوننا فيها كجمعيات نسائية، إذ تم منحنا شهرين لجمع التبرعات، وهو أمر تعجيزي؛ لأن هذه المدة غير كافية لجمع التبرعات.
وحتى التمويل الخارجي تم تقييدنا فيه، إذ إن الآلية المتبعة في هذا الإطار تقوم على إخطار المصرف المركزي الذي يتولى إخطار البنك الذي يتبعه حساب الجمعية، من خلال وزارة الداخلية لمعرفة مصدر التمويل، وشهريّاً أي مبلغ يتم تحويله إلى حساب الجمعية، لا يتم إلا بعد موافقة وزارة التنمية، التي تخاطب بدورها البنك ثم وزارة الداخلية، وكل ذلك يعرقل نشاط الجمعيات.
– إبراهيم: يجب الإشارة هنا إلى المادة (22) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، التي تتناول ما إذا كان يجوز للدول أو الحكومات أن تضع قيوداً على حرية تكوين الجمعيات، إذ إنها تؤكد عدم جواز وضع قيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي ينص عليها القانون، وتشكل تدابير ضرورية في مجتمع ديمقراطي؛ لصيانة الأمن القومي والسلامة العامة وصحة الناس والآداب العامة. فهل منع جمع التبرعات على الجمعيات يضر بالأمن القومي والسلامة العامة وصحة الناس والآداب العامة؟
وبالتالي فإن القيود المفروضة على جمع التبرعات، تتناقض والمادة (22) من العهد الدولي.
هل ترون أن الأحداث الأخيرة التي شهدتها البلاد، كان لها دور في القيود التي فرضتها وزارة التنمية على تمويل الجمعيات؟
– الموسوي: لا شك أن هذه القيود تأتي ضمن الآثار السيئة للحراك الذي شهدته البحرين منذ فبراير/ شباط 2011، والتي استغلت بشكل سيئ، إذ إنه بدلاً من أن تقوم وزارة التنمية بمنح المزيد من الحرية للعمل الأهلي والتطوعي، قيدت هذا العمل أكثر مما يجب، وهو الذي يؤدي بالنتيجة إلى أن غالبية من يعملون في المجتمع المدني سيتخلون عنه.
ما هي أبرز القيود التي تضمنها مشروع القانون من وجهة نظركم؟
– الموسوي: ما تتمتع به وزارة التنمية من سلطة مطلقة لغلق أية جمعية، وحل مجالس إدارتها، وتفتيش مقار الجمعيات من دون وجود أي ممثل لمجلس الإدارة أثناء عملية التفتيش، كما لو أن هذه الجمعية متهمة بمخالفة القانون، وهو أمر لا يجوز، وهو انتهاك صارخ لحق الجمعية.
إضافة إلى أن المشروع يشترط للحصول على ترخيص جمعية جديدة أن تنتظر 60 يوماً للحصول على رد الوزارة وإلا يعتبر الطلب مرفوضاً، ويمكن التظلم من الإجراء بالرجوع إلى لجنة تظلم مشكلة من الوزارة التي رفضت الطلب، ثم إذا لم ترد اللجنة على الطلب بعد مرور 60 يوماً على التظلم، فإن ذلك يعني أن الطلب مرفوض، بينما الأصح أن بعد 60 يوماً من التقدم بطلب تأسيس الجمعية، فإنه من حق المتقدمين بالطلب إعلان تأسيس الجمعية.
كما أن المشروع يعطي الحق للوزارة في أن تعين مجموعة من الأشخاص لإدارة أية جمعية، ويحق لمندوبي الوزارة التفتيش في ملفات الجمعية، بغض النظر عن وجود أي من منتسبي الجمعية من عدمه في مقر الجمعية.
فبحسب المادة (13) «للوزير أن يصدر قراراً بتشكيل لجنة من موظفي الوزارة تختص بالقيام بزيارات تفقدية ميدانية لمقار المنظمات الأهلية بغرض الاطلاع على سلامة سجلاتها ووثائقها وممتلكاتها ومكاتبها، ومراجعتها للتأكد من مطابقتها لأحكام هذا القانون، وذلك طبقاً للإجراءات…».
كما تنص المادة (14) من مشروع القانون على أن «يكون لموظفي الوزارة الذين يصدر بشأنهم قرار من وزير العدل والشئون الإسلامية والأوقاف بالاتفاق مع وزير التنمية الاجتماعية صفة مأموري الضبط القضائي، بالنسبة إلى الجرائم التي تقع في دوائر اختصاصهم وتكون متعلقة بوظائفهم».
– ابراهيم: هل هناك شك وريبة أكثر من هاتين المادتين؟، كما أن وقوع أي جرائم في هذا الصدد، تتم معاقبتها بقانون العقوبات. أليس لمقرات الجمعيات حرمة كحرمة المساكن؟، ومن المفترض أن يتم التفتيش في المقرات بإذن من النيابة العامة ولأسباب جدية. ثم أين روح التعاون إذا كانت هناك مخالفة بسيطة؟، إذ يمكن للوزارة أن تجتمع بمجلس الإدارة وتوضح المخالفة وتطلب منها إزالتها، وإذا أصرت الأمانة العامة على المخالفة ورفضت إزالتها، فإنه يمكن حينها اللجوء إلى القضاء.
– الموسوي: المشروع تعامل مع طلب تأسيس منظمات المجتمع المدني الجديدة كما يتعامل وقانون التجارة مع الشركات التجارية الجديدة، إذ يلزم الجمعيات أن يكون لديها مقر، وأن تكون هناك موازنة تشغيلية للجمعية لمدة عامين. والواقع يقول إنه من غير المعقول أن يتم وضع موازنة لمدة عامين، من دون التأكد من موافقة الوزارة على تأسيس الجمعية من عدمه. وهل يُعقل أن يستأجر المؤسسون مقرّاً للجمعية ويدفعون إيجاراً لمدة ستين يوماً من دون التأكد من موافقة الوزارة على تأسيس الجمعية من عدمه؟، وهي الآلية ذاتها التي يتم بها التعامل في تأسيس الشركات.
كما أن من بين المواد التي تشهد اعتراضاً شديداً عليها في مشروع القانون، المادة (87)، والتي تتضمن قرارات الحبس والغرامة التي لا تتجاوز 1000 دينار لمن خالف قانون الجمعيات، وهناك 12 بنداً في المادة جميعها تؤدي إلى الحبس. ويجب إدراك أن تأسيس والانضمام إلى الجمعيات هو عمل تطوعي رغبة في تطوير المجتمع، بل إن الوزارة لا يمكنها لوحدها أن تطور المجتمع بعيداً عن مؤسسات المجتمع المدني، ولذلك فإن الأمم المتحدة التفتت إلى دور المجتمات في تنمية المجتمع وتثقيفه منذ عقود مضت.
– إبراهيم: الجانب الرسمي يفاخر بعدد الجمعيات المسجلة في المحافل الدولية، لكنه لا يؤمن حقيقة بفاعلية الجمعيات ودورها في المجتمع على الصعيد الداخلي، وهذه مفارقة غريبة.
وإذا أقر مشروع القانون سيحجم الناس عن الانضمام إلى هذه الجمعيات، وبالتالي يحقق المشروع مفعولاً عكسيّاً لما توصل إليه المجتمع المدني بشأن أهمية الشراكة المجتمعية.
– المحمود: برامج التنمية ستفشل ولن تتمكن الحكومة من تنفيذ مشروعاتها بنجاح من دون دعم منظمات المجتمع المدني، فالعقوبات المخيفة الواردة في المادة (87) لممارسة العمل التطوعي، تصيب العمل التطوعي في مقتل، وهذا أكبر دليل على أن حسن النية مفقود، وعلى الوزارة أن تعي أننا لا ننافسها باعتبارها سلطة تنفيذية ونحن جهات أهلية.
– إبراهيم: من المفترض أن تتعامل الوزارة مع الجمعيات بشراكة لا تنافس أو صراع، لكن هذا لا يعني أن تتدخل الوزارة في كل صغيرة وكبيرة وتهمش أعضاء الجمعيات.
ما هي المواد الواردة في مشروع القانون، والتي ترون أنها فرضت المزيد من القيود على عمل الجمعيات، بالمقارنة بالقانون المعمول به حاليّاً؟
– ابراهيم: المادة (40) من المشروع تنص على أن «على مجلس إدارة الجمعية أن يرسل إلى الوزارة صورة لمحاضر الاجتماعات خلال 10 أيام من تاريخ انعقاده»، ويلزم المشروع مجالس الإدارات بالاجتماع لمرة واحدة على الأقل كل ثلاثة أشهر.
– المحمود: لماذا يلزم القانون مجلس الإدارة بتسليم جميع محاضر الاجتماعات؟ هذه عملية عبثية، ولا ندري من يقرأ هذه المحاضر.
– إبراهيم: المادة (41) تثبت تدخل الوزارة في عمل الجمعيات وتسلطها على إرادتها، إذ إنها تنص على أن «يلغى انتخاب أعضاء مجلس إدارة المنظمة الأهلية بقرار من الوزارة إذا ثبت لها بطلان الانتخاب لمخالفته أحكام القانون، وفي هذه الحالة تعاد الانتخابات»، وهذا يعني أن الوزارة هي الحكم وهي من تقرر وهي من تتدخل، في حين أنه من المفترض في حال اختلاف الأعضاء بشأن الانتخابات، أن يتم اللجوء إلى القضاء، لا الوزارة هي التي تؤكد وقوع المخالفة من عدمه.
– المحمود: العبارات الواردة في القانون التي تمنع الجمعيات من التدخل في الشأن السياسي فضفاضة، والحديث الآن عن التمكين السياسي للمرأة، إلا أن القانون لا يتيح للجمعيات النسائية أو الأهلية الأخرى تقديم الدعم إلى المرشحين أو تقديم برامج التوعية السياسية، على رغم أننا يمكن أن نمارس دورنا هذا بشفافية وبحضور مندوبين عن الوزارة.
– المرزوقي: كما أن القانون يلزم من يريد الترشح للانتخابات من أعضاء الجمعيات الأهلية، أن يستقيل من الجمعية.
الآن وبعد إحالة مشروع القانون إلى البرلمان، ما هي مطالباتكم كجمعيات بشأن المشروع؟
– الموسوي: نطالب بسحب مشروع القانون بجميع تفصيلاته من البرلمان، وأن يُعاد طرح القانون مع مؤسسات المجتمع المدني في ورش عمل تفصيلية للوصول إلى قانون يتم الاتفاق عليه بين مؤسسات المجتمع المدني ووزارة التنمية الاجتماعية، مع الأخذ في الاعتبار القوانين الدولية التي صادقت عليها البحرين وأصبحت جزءاً من التشريعات الوطنية.
كما يجب الفصل بين اختصاصات الجمعيات النسائية والشبابية والحقوقية والمهنية، وأن يتم السماح لمؤسسات المجتمع المدني بإعداد اللوائح التنفيذية التي تطرق إليها القانون، وألا تنفرد الوزارة بإعدادها.
ويجب تقديم الدعم المالي لمؤسسات المجتمع المدني الفاعلة، والسماح لها بتلقي المعونات من الداخل والخارج مع إعلام الوزارة بتفاصيل الدعم بصورة دورية.
كما يجب إيجاد مقرات لمؤسسات المجتمع المدني على نفقة الدولة.
لكن ألا تعتقدون أن توفير الحكومة مقرات للجمعيات من شأنه أن يقيد عملها؟
– الموسوي: أي دعم يقدم إلى مؤسسات المجتمع المدني يجب أن يكون من دون شروط.
– المحمود: نأمل أن تحذو البحرين حذو دول الخليح الأخرى على هذا الصعيد، ومن بينها الإمارات التي توفر مقار لمؤسسات المجتمع المدني فيها.
– الموسوي: هناك دول خليجية أخرى تقدم الدعم المادي سنويّاً إلى مؤسسات المجتمع المدني فيها. وفي دول أخرى كلبنان والأردن لا يتم دعم الجمعيات ماديّاً من قبل الدولة، لكن يتم السماح لها بالحصول على دعم مادي من الخارج، شرط الكشف عن مصدر الدعم المالي.
ما هي تحركاتكم التي ستقومون بها لإيقاف المشروع؟
– الموسوي: يجب أن نشكر أولاً مجلس النواب باسم 12 جمعية، إذ إنه طلب وجهة نظر مؤسسات المجتمع المدني في مشروع القانون، وبدورنا كجمعيات تقدمنا بمقترح لتعديل هذا القانون، وأرسلنا هذا الاقتراح إلى مجلس الشورى.
كما أننا رفعنا صوتنا عالياً بشكل لائق لرفض هذا المشروع، وطالبنا بالإسهام في صياغته كمؤسسات مجتمع مدني.
– إبراهيم: نحن على استعداد لإرسال مقترحاتنا بشأن المشروع إلى وزارة التنمية، وهي الاقتراحات ذاتها التي أرسلناها إلى مجلسي النواب والشورى بشيء من التفصيل، ونطالب بلقاء البلوشي للتباحث بشأن المشروع.
ويجب الإشارة هنا إلى أن المركز الدولي للمنظمات غير الربحية، كان قدم ملاحظاته على القانون المقترح في العام 2007، وانتقد غالبية المواد الواردة فيه، وعلى رغم أن الحكومة هي التي استعانت بالمركز، فإنها لم تأخذ أيّاً من ملاحظاته في الاعتبار.
ما هي توقعاتكم المستقبلية للعمل التطوعي في البحرين في حال تم إقرار المشروع بقانون؟
– الموسوي: الكثير من الأفراد سيعزفون عن العمل التطوعي في الجمعيات الأهلية، ما سيؤدي إلى شل عمل الجمعيات. كما أن لدينا تجربة سيئة مع وزارة التنمية التي حلت 14 مجلس إدارة لجمعيات خلال العامين الماضيين، وكانت حلت مركز البحرين لحقوق الإنسان، وحلت جمعيتي المعلمين والتمريض، ورفضت منح جمعيتي شباب البحرين لحقوق الإنسان ونزاهة رخصة إنشاء جمعية، كما حلت في وقت سابق أيضاً مجالس إدارات جمعيات الشفافية والمحامين والأطباء.
– ابراهيم: هناك عزوف حاليّاً عن العمل التطوعي، لكن هذا العزوف سيزداد في حال تم إقرار المشروع.