أكدت فعاليات وطنية ضرورة إنشاء تحالف وطني أهلي ضد الفساد، وإنشاء هيئة وطنية لمكافحة الفساد، مطالبين في الوقت نفسه، حكومة البحرين بسرعة تنفيذ التزاماتها التي تفرضها عليها المصادقة على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.
المشـــاركــون في منتـــــدى «الوسط» بمناسبة 9 ديسمبر:
مطالبات بتحالف وطني أهلي وهيئة لمكافحة الفساد… وبسرعة تنفيذ البحرين لمضمون «اتفاقية الفساد»
الوسط – أماني المسقطي
أكدت فعاليات وطنية ضرورة إنشاء تحالف وطني أهلي ضد الفساد، وإنشاء هيئة وطنية لمكافحة الفساد، مطالبين في الوقت نفسه، حكومة البحرين بسرعة تنفيذ التزاماتها التي تفرضها عليها المصادقة على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.
ويصادف اليوم (الخميس) الموافق 9 ديسمبر/ كانون الأول، اليوم الدولي لمكافحة الفساد، الذي أقرته الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة، من أجل إذكاء الوعي بمشكلة الفساد ودور اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد في محاربته ومنعه.
وخلال المنتدى الذي عقدته «الوسط» بمناسبة اليوم الدولي لمكافحة الفساد، حمّل النائب جاسم حسين مجلس التنمية الاقتصادية مسئولية الإعلان عن برنامج لتحسين ترتيب البحرين في المؤشر العالمي لمدركات الفساد الذي يصدر سنوياً عن منظمة الشفافية الدولية. فيما وصف رئيس جمعية الشفافية البحرينية عبدالنبي العكري معالجة الأطراف المعنية لملف فساد الشركات الوطنية بأنها معالجة جزئية وقاصرة، فيما اعتبر نائب رئيس جمعية الشفافية شرف الموسوي أن المجتمع البحريني يفتقر إلى الوعي بثقافة مكافحة الفساد.
وفيما يأتي النقاشات التي دارت خلال المنتدى الذي استضافته «الوسط»:
تراجع ترتيب البحرين في مؤشر مدركات الفساد للعام 2010، والذي صدر مؤخراً عن منظمة الشفافية الدولية، إذ جاءت في الترتيب 48 عالمياً بعد أن كانت في الترتيب 46 في العام 2009، وحصلت على 4.9 من 10 نقاط، على رغم أنها حصلت على 5.1 نقطة في مؤشر 2009، و5.4 في مؤشر العام 2008. فما هي برأيكم أسباب هذا التراجع؟
– حسين: مجلس التنمية الاقتصادية مطالب بأن يعلن عن برنامج لتحسين ترتيب البحرين في هذا المؤشر العالمي المهم، والغريب أن المجلس حتى أنه لم يعلق على ما جاء في مؤشر منظمة الشفافية الدولية.
وعلى ضوء ذلك، فإنني سأتبنى في الفصل التشريعي الثالث مقترحاً يلزم الحكومة بنشر بعض الإحصاءات الحيوية في تواريخ محددة فيما يخص الناتج المجلي والبطالة والنمو الاقتصادي والقطاع المالي، والوضع في سوق العقارات، والإنتاج الصناعي، لا أن يكون إعلان هذه الأرقام متى ما شاءت الحكومة وأطرافها.
فتطبيق مثل هذا النظام من شأنه تعزيز جدية موقف البحرين بشأن الوضع الاقتصادي فيها وفي علاقتها مع الأطراف ذات العلاقة معها في الأسواق المالية والعقارات، وهذا النظام معمول به في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا.
– الموسوي: رفع مؤشر البحرين في مدركات الفساد، يتطلب أولاً أن تحتوي الموازنة العامة للدولة على جميع المصروفات والإيرادات بكل تفصيل، إضافة إلى الكشف عن بنود الموازنة بالتفصيل. فالمصروفات التي لا ترد في الموازنة، وخصوصاً مصروفات الديوان الملكي وموازنات الأسلحة، قد يكون فيها نوع من السرية، ولكن يجب أن تعرض على البرلمان على الأقل.
ولو أرادت الحكومة فعلاً التحسين من مركزها المالي، فعليها الالتزام بما تفرضه اتفاقية مكافحة الفساد، وخصوصاً بإنشاء هيئة مستقلة لمكافحة الفساد، أسوة بما هو موجود في اليمن وغيرها من الدول، بغض النظر ما إذا كانت هذه الهيئات فاعلة أو غير فاعلة.
ومع ذلك فإن إنشاء الهيئة من دون قانون صادر عن البرلمان، يعني أن عضوية الهيئة لن تكون عضوية ذات معنى ومغزى لمكافحة الفساد، مثلما حدث في العراق التي قدمت مجموعة من وكلاء الوزارات للمحاكمة بسبب الفساد.
وإذا كانت عضوية هذه الهيئة كما هي عضوية المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان فإنها لن تكون فاعلة، لأن عضويتها يجب ألا تتجاوز 9 أشخاص وأن تمنح الأغلبية فيها لمؤسسات المجتمع المدني.
– حسين: أتفق تماماً مع ما أشار إليه الموسوي، ويجب أن أشير هنا إلى أن مجلس النواب رفض إقرار الحساب الختامي للدولة لثلاثة أعوام بسبب الغموض بشأن مصروفات الديوان الملكي ومشتريات الأسلحة، والمشكلة ليست في صرف الديوان، ولكن لابد من رصد المبلغ ومعرفة مصدر الصرف.
الواضح أننا في البحرين نعاني من مشكلة نقص الشفافية، فاقتصادنا أكبر مما هو معلن، ولكن هناك نقصاً لبعض المعلومات، لذلك اقتصادنا يخرج صغيراً في حين أن الواقع أعلى من ذلك بكثير.
كما أن حصول البحرين على 4.9 من 10 نقاط في مؤشر مدركات الفساد، هو رقم متدنٍ جداً، والمعروف أن الشفافية الدولية تطالب أية دولة تحصل على أقل من 7 نقاط أن تقوم بإصلاحات إدارية لتحسين مجموع نقاطها.
استمرت المطالبات الأهلية على مدى أعوام بتصديق البحرين على اتفاقية مكافحة الفساد، فهل ترون أن التصديق على الاتفاقية من شأنه أن يدعم مكافحة الفساد على أرض الواقع؟
– الموسوي: صحيح أن البحرين صادقت على الاتفاقية، ولكنها لم توضع مستندات المصادقة في الأمم المتحدة. والمعروف أن أية دولة تصادق على الاتفاقية، فإن عليها أن تقوم بخطوتين، الأولى أن تعلن عن ذلك في الجريدة الرسمية كقانون، والأمر الآخر أن تودع هذه الاتفاقية لدى الأمم المتحدة، حتى تصبح مطالبة بها. ولذلك، صحيح أن متطلبات اتفاقية مكافحة الفساد أصبحت إجبارية على البحرين، ولكنها ستحصل على الإلزامية حين تودع المستندات في الأمم المتحدة.
كما أن هناك بنوداً أخرى كثيرة على البحرين أن تقوم بها، من بينها ما يتعلق بإنشاء هيئة مكافحة الفساد بحسب المادة «13» من الاتفاقية التي تؤكد ضرورة إشراك مؤسسات المجتمع المدني بنشر مبادئ مكافحة الفساد في البحرين، والمادة «32» التي تنص على حماية الشهود والخبراء، ويسحب عليها أن تسن قانوناً لحماية الشهود والخبراء، كالجمعية البحرينية للشفافية على سبيل المثال، إذ إننا في الجمعية نفتقر إلى أي غطاء يحمينا، وإنما نواجه المشكلة بأطرافنا الشخصية. إضافة إلى المادة «33» التي تنص على حماية المُبلغين عن قضايا الفساد، وهو ما يتطلب من البحرين أن تسن قانوناً من ضمن قوانينها الداخلية لحماية المبلغين عن الفساد.
– العكري: الشفافية أو النزاهة هي جزء من نظام متكامل، فإذا كان النظام يريد مكافحة الفساد، فعليه أن يبدأ بالاعتراف به، وإذا تجاهلناه فهذا يعني أننا لا نريد أن نحل المشكلة، والنقطة الأخرى أن تكون هناك تحولات أساسية في بنية النظام، والانتقال من المحسوبية إلى الفساد، وذلك بأن تكون هناك مساءلة أمام سلطة تنبثق من إرادة الشعب وتكون غطاءً خاصاً مراقباً من قبل المجتمع، وأن يكون من في هذه السلطة ممثلون للشعب ولا يصلون إليها بإرادة خفية، وأن تكون هناك صحافة حرة، ولا تخضع لتأثيرات رأسمال أو سلطات معينة، فالصحافة العالمية لعبت دوراً واضحاً في قضايا الفساد، ولا أدل على ذلك من المقال الذي نشر في صحيفة «واشنطن بوست» وأسقط الرئيس الأميركي نيسكون.
وباعتقادي أنه مع أهمية التوقيع على اتفاقيات وسن قوانين وإنشاء هيئات لمكافحة الفساد، ولكن هل كل ذلك يعني أن هناك جدية في القضاء على الفساد؟.
فالبحرين وقعت على عدة اتفاقيات، من بينها اتفاقيات تتعلق بحماية البيئة ومكافحة الاتجار بالبشر، ولكن هل يعني ذلك أن مشكلتي الإضرار بالبيئة وحالات الاتجار بالبشر تم حلها؟
هناك حاجة لتغيير شامل، وأن تكون الدولة مساءلة أمام شعبها، ولذلك فإن الدول المتقدمة في الشفافية والنزاهة هي دولة مساءلة ولا تخضع للتأثير، كما أن شركات الاتصال العملاقة والموجودة في الدول الاسكندنافية، عليها رقابة صارمة من منطلق تحقيق مصالح الشعب أولاً، ولا يجري التسامح في أي تهاون بهذا الشأن.
وأبسط مثال على ذلك، المسئولة الأوروبية التي استقالت بسبب استخدامها لكوبونات الوقود لصالحها.
نحن لا نقول إن هذه المجتمعات ليس فيها فساد، ولكن حين يكتشف الفساد فإنه لا يتم التسامح معه، فأغلب الدول الأوروبية، لا يوجد فيها أحد فوق المحاسبة، عدا رأس الهرم في الدولة. وأي تبليغ عن الفساد يتم التحقيق فيه.
وفي البحرين، لن تتم محاربة الفساد إلا من خلال اعتماد النزاهة والشفافية وتكافؤ فرص والابتعاد عن التمييز، وإن كان مازال أمامنا مشوار طويل على هذا الصعيد، ولكن يجب ألا يصيبنا الإحباط واليأس في أية خطوة في هذا المجال، ولذلك من المهم فتح حوار بين الجهات الثلاث، الحكومة والبرلمان ومؤسسات المجتمع المدني.
– حسين: أنا مع تشكيل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، شرط أن تكون هيئة قوية، ولكن ما نحتاجه لدعم ذلك، التزاماً من القيادة السياسية في البحرين بمكافحة الفساد، وكلما كان مستوى الشفافية مرتفعاً فإن ذلك سيخدم البحرين سياسياً واقتصادياً. وباعتقادي أن فوز دولة قطر باستضافة كأس العالم 2022 جاء بتأثير، وإن كان محدوداً، لاعتمادها مبدأ الشفافية، إذ حصلت على 7.7 من 10 نقاط في مؤشر مدركات الفساد، وهي من بين 22 دولة فقط فاقت الـ 7 نقاط.
وإذا كانت البحرين تسعى بحاجة لاستقطاب المزيد من الاستثمارات، فعليها بإنشاء هيئة لمكافحة الفساد، وإلى التزام من القيادة السياسية في هذا الشأن.
ولكن هناك عدة تصريحات من القيادة السياسية ومسئولين بحرينيين، ومن بينها تصريح ولي العهد سمو الأمير سلمان بن حمد آل خليفة الذي أعلن صراحة قبل عامين أنه ستتم ملاحقة المتورطين في الفساد، ألا يعطي ذلك مؤشراً على اهتمام رسمي بمكافحة الفساد؟
– الموسوي: التصريحات في هذا الشأن ممتازة وتعطي مؤشراً جيداً على صعيد التوجه الرسمي لمكافحة الفساد، ولكن من المهم أن تترجم هذه التصريحات إلى إجراءات عملية، من خلال إنشاء هيئة مكافحة الفساد، واتخاذ خطوات عملية بشأن ما يكشف من فساد بإحالته إلى المحاكم.
فمن الأمور التي ساعدت على تطوير إحدى الدول الخليجية، هي تقديم مسئولين في الدولة إلى المحاكم، وبالتالي التصريحات الصحافية ممتازة ولكن يجب أن تترجم باتخاذ خطوات عملية على صعيد محاسبة المفسدين، ونشر ثقافة مكافحة الفساد. وهي إحدى المهمات الأساسية التي اعتمدتها منظمة الشفافية الدولية في تستراتيجيتها حتى العام 2015.
ولكون الجمعية البحرينية للشفافية عضواً فاعلاً في المنظمة، فبات على الجمعية دور في المساهمة بنشر ثقافة مكافحة الفساد، وهذا يوجب على الدولة أن تساعد الجمعية في هذا الشأن، وأن تسمح لها بالعمل بحرية في تنظيم الندوات وورش العمل واستقطاب المعنيين من الخارج وتقديم الدعم المالي لهم، لا التضييق عليهم في هذا الشأن.
– حسين: حديث ولي العهد جيد، ولكننا نحتاج إلى حوار بشأن الشفافية وموضوعات أخرى حتى تكون هناك صدقية لا انتقائية، وأعتقد أنه في الوقت الذي كان هناك حديث عن محاربة الفساد، كان دور السلطة القضائية في هذا الشأن مازال سلبياً، إذ إنها فرضت قيوداً بشأن عدم إمكان الحديث عن بعض القضايا مثل «التقرير المثير»، ومزاعم بشأن أحد الوزراء السابقين، والاعتقالات وما صاحب ذلك من أمور.
البحرين تتميز بوجود مجتمع مدني حي، ويجب التعزيز من هذه الأمور، وخصوصاً أن ذلك يُعد مكسباً للبحرين.
– العكري: إذا أرادت البحرين أن تستفيد من الخبرات أو ما يجري في العالم الذي بات عالماً مندمجاً في الوقت الحالي، فإن عليها كدولة نفطية المبادرة بالانضمام إلى اتفاقية الشفافية في الصناعات الاستخراجية، فهناك نحو 50 دولة مصدقة عليها، وصادقت عليها من الدول العربية كل من الكويت واليمن، وأهمية هذه الاتفاقية أن الدول التي تدخل فيها عبر الأطراف الثلاثة، الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني، وعلى الدولة التي تنضم إليها تقديم تقرير أولي وتقرير دوري عن مدخولاتها من النفط وما دفعته الشركات وما ورد إلى الخزانة العامة، ويجب أن يخضع ذلك إلى تدقيق حسابات خارجية، وسكرتارية المنظمات المعنية بالاتفاقية تكلف عادة فريقاً ليدقق في هذه الأرقام، ويساعد الدولة إذا أرادت سد الفجوات وتدريب العاملين الذين لهم علاقة.
كما أن هناك اتفاقيات دولية أخرى مهمة، على البحرين أن تنضم لها هي الأخرى، مثل اتفاقية «معهد الإيرادات» والمعنية بطلب التدقيق في عوائد الدولة ومراقبة الثغرات والتلاعبات والسرقات، وهذه الخدمات تقدم عادة مجاناً للدولة.
كيف ترون تعاطي السلطتين التشريعية والتنفيذية مع ملفات الفساد في الشركات المحلية، وعلى رأسها ملف الفساد في شركة ألمنيوم البحرين (ألبا)؟
– العكري: فساد الشركات عولج معالجة جزئية وقاصرة، وفيما يتعلق بقضية «ألبا» صحيح أنه تم تقديم ثلاثة متهمين للمحاكمة، إلا أن القضية تحتاج إلى فتح الملف بالكامل، ومعاقبة كل من له علاقة بالموضوع، لأنها جزء من قضية أكبر، وفي الولايات المتحدة يتم التحقيق في كل تفاصيل الملف، والكل يعلم أن القضية أكبر من هؤلاء الثلاثة.
وحين نتحدث عن الفساد في قطاعات أخرى، كملف أملاك الدولة مثلاً، فالملف الذي حقق فيه مجلس النواب، كان جزءاً من الملف وليس كله، وهذا الملف يتطلب معالجة مختلفة من قبل البرلمان، ومساءلة الحكومة من دون الاكتفاء بإصدار توصيات، وإنما كان من المفترض استجواب كل المعنيين في الموضوع، والكل يعرف المأساة التي انتهت إليها التوصيات، والتي تم اعتبارها مخالفات بسيطة من قبل الحكومة، وفي اعتقادي أنه لزاماً على المجلس المقبل أن يواصل ما انتهى إليه المجلس السابق، شرط أن يكون مقروناً بالمساءلة.
– الموسوي: صحيح أن مجلس النواب تطرق إلى فساد «ألبا»، ولكنه لم يواصل جهوده في متابعة القضية، على رغم أن القضية تتحدث عن أن حجم الفساد يصل إلى مليار دولار، وهذا الرقم يعد كبيراً بالنسبة للبحرين، وخصوصاً أنه كان من الممكن أن يساهم في حل عدد من الأزمات التي تعاني منها البحرين، كالإسكان والمجاري والصحة والبطالة.
إلا أن مجلس النواب كان وكأنه يريد أن يرفع الحرج عن نفسه، وطرح الموضوع على استحياء، ولكنه لم يستمر بالقيام بدوره الحقيقي في متابعة القضية، حتى وإن تطلب الأمر إرسال لجنة للولايات المتحدة الأميركية لدراسة الأمر، وهو أمر بالإمكان الحديث عنه في ظل العلاقات الدولية بين البرلمانات. وبالتالي مجلس النواب ليس معفياً على الإطلاق من متابعة قضية «ألبا».
والقضية الأخرى حين حدثت تسوية بين شركتي «ألبا» و «غلينكور»، وهي التسوية التي لا أحد يعرف بنودها حتى الآن سوى «ألبا»، وباعتقادي أن توجيه سؤال إلى الوزير المعني لا يكفي، وإنما يجب متابعته بصورة أكثر تفصيلاً، وخصوصاً أن الموضوع له علاقة بمبلغ كبير.
– العكري: باعتقادي أنه لا يجب التركيز على حجم المال المهدر، وإنما يجب الأخذ في الاعتبار قياس الفساد ليس بحجم الأموال وإنما بالضرر على سلوكيات الناس والنظام في البلد، وإهدار الكفاءات.
كيف ترى الاتهامات للسلطة التشريعية في أنها لم تقم بالدور المطلوب لمعالجة ملفات الفساد؟
– حسين: لاشك في أن السلطة التشريعية كان بإمكانها أن تقوم بدور أكبر على هذا الصعيد، ولكن ذلك يحتاج إلى ضغط مؤسسات المجتمع المدني والصحافة، لأن مجلس النواب ليس منسجماً في مواجهة حالات الفساد، وبالتالي نحتاج إلى ضغط من المجتمع المدني من جهة ووسائل الإعلام من جهة أخرى.
وباعتقادي أن مجلس النواب حاول المشاركة بفاعلية في فعاليات تحدث من هنا وهناك في الخارج وتتناول موضوعات الفساد.
ولكن ألا ترى أن مثل هذه الفعاليات غالباً ما يسيطر عليها إطار من الدبلوماسية، ولا تناقش ملفات الفساد بواقعية؟
– حسين: على العكس، فمن خلال هذه اللقاءات تتم الاستفادة من تجارب الدول على صعيد مكافحة الفساد. ويجب أن أؤكد أن مجلس النواب لم يسكت على موضوع فساد «ألبا» وإنما بذل جهده على هذا الصعيد، ويجب ألا ننسى أن المجلس جزء من المجتمع، وأنه على الجهات الأخرى، كمؤسسات المجتمع المدني أن تقوم بدورها في هذا الشأن أيضاً.
– العكري: الكل يعلم أن المجتمع المدني مرهق ومحاصر وتحت التهديد، وحتى الصحافة غير قادرة على تناول مثل هذه القضايا بشكل كبير، وبالتالي ما يتم الحديث بشأنه في مجلس النواب أو الصحافة، هو حديث شفوي وغير موثق وليست له آليات للتنفيذ والمتابعة الفعلية ولا يترتب عليه أشياء عملية فعلية.
وعلى رغم أن قضية «ألبا» كانت متداولة في المحاكم لمدة أربعة أعوام، إلا أن من يُحاكمون هم الصغار، ولكن هل ترتبت على ذلك نتيجة إيجابية؟، وحتى في ملف أملاك الدولة، هل تم إرجاع قدم واحد من الأراضي التي ضاعت؟
باعتقادي أن مؤسسات المجتمع المدني تعيش ظروفاً صعبة جداً، وخصوصاً في ظل تسليط القوانين أو الإجراءات المقيدة للجمعيات، والواقع أن هناك مفارقة كبيرة بين ما يتردد من حديث في المجالس والندوات وما يتم تنفيذه فعلاً على أرض الواقع.
كيف تقيمون مضامين التقارير السنوية الصادرة عن ديوان الرقابة المالية، فيما يتعلق بالمخالفات التي تتطرق إليها هذه التقارير، وهل صحيح أن الديوان يصدر نسختين مختلفتين من التقرير، إحداهما للديوان الملكي والأخرى لمجلس النواب؟
– حسين: ليس هناك دليل واضح على أن ديوان الرقابة يصدر نسختين من تقريره، ولكن مطالبنا كنواب تتركز على آلية توظيف التقارير الصادرة عن الديوان، وكان ذلك الدفاع وراء مطالبتنا بتبعية الديوان لمجلس النواب، وخصوصاً أن المجلس يجب أن يدفع الديوان للتقصي، وعلى رغم ذلك تتطور تقارير الديوان وتتضمن الكثير من التفاصيل المهمة.
وربما هذا يدفعني إلى التأكيد على ضرورة أن يتم تقسيم تقرير ديوان الرقابة المالية على لجان المجلس، لتتولى كل لجنة الملف المعني بها بدلاً من الضغط على لجنة الشئون المالية والاقتصادية، ولإيلاء جميع الملفات الواردة في التقرير ذات الأهمية، وخصوصاً أن تقارير الديوان عادة تتضمن تفاصيل مثيرة، والمجلس استفاد مما تضمنته هذه التقارير.
– العكري: تقارير ديوان الرقابة جيدة، ولكن مازال الديوان يتحدث في تقريره عن مخالفات من دون الوصول لمرحلة تشخيصها على أنها قضايا فساد.
ونطمح أن يكون تقرير ديوان الرقابة البحريني بمستوى تقرير ديوان الرقابة الكويتي.
– الموسوي: من المهم أن يكون الديوان تابعاً لمجلس النواب، وأن يكون أحد الأدوات الفعالة التي يستفيد منها مجلس النواب، ولكن يجب عليه التطرق إلى مواقع الفساد بصورة أكبر، وأن يعطى الديوان حرية أكبر في العمل.
كما أنه لا يجب على الديوان التركيز، على سبيل المثال، بالتدقيق على موازنة الجمعيات، والتي قد لا تتجاوز في مجموعها مليون دينار في أحسن الحالات، على رغم أن الجمعيات تخضع لتدقيق وزارة العدل والشئون الإسلامية، ومدقق خارجي، وهو ما يعني التدقيق من قبل جهتين رقابيتين، في حين أنه كان من الأجدى بالديوان أن يدقق في ملفات الشركات الكبرى التي تصل موازناتها إلى مليارات الدنانير.
هل ستستمر مطالبات مجلس النواب في الفصل التشريعي الثالث بتبعية ديوان الرقابة المالية والإدارية إليه؟
– حسين: قد يطالب المجلس بذلك، ولكن من خلال التجربة السابقة، لم يكن هناك توافق بهذا الشأن، وخصوصاً بعد أن ضُم إليه ديوان الرقابة الإدارية، والعرف أن الديوان يجب أن يكون مسئولاً أمام ممثلي الشعب، وأن يكون الديوان على تواصل مع المجلس واللجنة المالية فيما يخص القضايا المطروحة.
وعلى سبيل المثال، قبل عامين تحدث ديوان الرقابة في تقريره عن وجود مخالفة في مخازن وزارة التربية والتعليم، وأن ذلك قد يعرضها للتضرر في حال تعرضت لمياه الأمطار، في حين أن التقرير تغاضى عن قضايا أخرى أكثر أهمية في الوزارة، كتزايد أعداد العاطلين عن العمل وعدم إمكان توظيفهم في الوزارة.
هل ترون أن خيارات ديوان الرقابة في التدقيق على الأجهزة الرسمية موجهة؟
– حسين: كونه يفتقر إلى شراكة مع مجلس النواب فإن ذلك يثير علامة استفهام، فمثلاً الحديث عن وزارة الدفاع يفتقر إلى التفاصيل، وإنما يتم التركيز على أمور بسيطة جداً، وهذه مشكلة، ولكني مع ذلك أعتقد أن تقارير الديوان فيها الكثير من الحرفية، وفيها تفاصيل جيدة يمكن الاستفادة منها.
– الموسوي: لا أعتقد أن خيارات الديوان موجهة، باعتبار أن المهنية التي يسير وفقها الديوان تتم بموجب برنامج سنوي، وبعض المؤسسات تتطلب طبيعة عملها أن تقوم بمراقبتها سنوية وأخرى كل عامين وأخرى كل ثلاثة أعوام.
ماذا عن المجتمع البحريني، هل ترون أن ثقافة الوعي بمكافحة الفساد منتشرة بصورة كافية بين فئات المجتمع البحريني؟
– الموسوي: للأسف أن المجتمع البحريني يفتقر إلى الوعي بثقافة مكافحة الفساد، وهذا الحديث أصبح أحد المهمات الاستراتيجية لمنظمة الشفافية الدولية لمكافحة الفساد، والتي تؤكد ضرورة نشر ثقافة مكافحة الفساد، وأن تلتزم الحكومة بتنفيذ اتفاقية مكافحة الفساد، ومنها المادة «33» بشأن حماية المبلغين والأخرى المتعلقة بحماية الشهود.
– العكري: هناك مفهوم سائد لدى الناس بأن أموال الدولة هي أموال الحكومة وليست أموال الشعب، وبالتالي سرقة هذه الأموال كأنه سرقة من أموال الحكومة لا الشعب.
كما أن هناك خوفاً لدى المواطن بالتصدي للفساد، وليست هناك استجابة للكشف عن حالات الفساد، على رغم توافر المعلومات، كما أنه ليس هناك تحرك من كبار المسئولين لمعالجة هذا الوضع.
وعلى سبيل المثال، حين تطرق عضو جمعية «وعد» رضي الموسوي في مقاله بنشرة «الديمقراطي» عن فساد مفتش السياحة، تمت جرجرته لمدة عامين في المحاكم، إلا أن المصادفة قادت لتبرئته، وكان من الممكن أن يحكم عليه.
هناك الكثير من القضايا المتعلقة بالفساد، ولكن بمجرد الحديث عنها، تُتهم بأنك تسيء إلى استقرار الاقتصاد الوطني، وذلك يؤدي إلى عدم المساعدة في ملاحقة قضايا الفساد، وما يعزز ذلك عدم وجود أجهزة تتحرك فعلياً لمواجهة قضايا الفساد.
هل ترى أن المواطن العادي بات لا يفرق بين مفهوم «الرشا» والهدية أو المكافأة؟
– حسين: نعم، هناك الكثير من المفاهيم المغلوطة، والأمور أصبحت أكثر سوءاً، وباتت المعاملات الرسمية لا تسير إلا بدفع مبلغ معين، لا يمكن اعتباره سوى أنه رشا. فالوضع الاقتصادي والمعيشي عموماً زاد الطين بلة في الأعوام القليلة الماضية.
ولكني أعتقد أن هناك تحركات جدية من مؤسسات المجتمع المدني في محاربة الفساد، والمهمة الكبير ملقاة على من وضعوا على عاتقهم هذا المجال. كما أننا نحتاج إلى استمرار عقد الندوات والفعاليات وإلى توظيف وسائل الإعلام الرسمية والخاصة في هذا المجال.
ماذا قدمت الجمعية البحرينية للشفافية على صعيد رفع الوعي المجتمعي بمكافحة الفساد؟
– الموسوي: الشفافية قدمت الكثير في هذا المجال، على رغم إمكاناتها المادية البائسة والمحدودة في الحركة وضمن الحصار المفروض عليها، فعلى أقل تقدير لا يسمح لنا باستضافة ندوات متخصصة فيما يتعلق بمكافحة الفساد، ومع ذلك نقيم سنوياً فعاليات بالاشتراك مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
وفي العام الماضي حصلنا على دعم من وزارة التنمية الاجتماعية للاحتفال بهذه المناسبة، وفي هذا العام لدينا برنامج متكامل مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لمدة أسبوع، سنقيم من خلاله ورش عمل وندوات مع بعض الجامعات، بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة وغرفة التجارة والصناعة.
نحن أيضاً في التحالف من أجل الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد، كما أننا أعضاء في فرق عمل تعدها الأمم المتحدة لمؤسسات المجتمع المدني، كالفريق العربي للمساهمة في إعداد التقييم الذاتي في تنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة بشأن مكافحة الفساد.
– العكري: مكافحة الفساد والشفافية والنزاهة مهمة أكبر بكثير من إمكانات الجمعية، وعدد أعضائها محدود لأن هناك تخوفاً ونوعاً من اللامبالاة في الانخراط بالجمعية. ولذلك فإننا لا نتحدث لوحدنا وإنما نحاول الاشتراك مع أطراف أخرى في مختلف الفعاليات، ومن المهم أن تأخذ الجمعيات السياسية وجمعيتا الاقتصاديين والاجتماعيين دوراً أكبر في هذا المجال.
والحقيقة أننا بحاجة إلى تحالف وطني أهلي ضد الفساد، ولذلك نحرص في برامجنا التي نقدمها من خلال الجمعية العمل مع عدة جمعيات.
– حسين: من المهم وجود تحالف وطني أهلي ضد الفساد، ويجب أن نعزز ونس تفيد من كل الأدوات الممكنة لمكافحة الفساد، وفي نهاية المطاف فإن ذلك يخدم الهدف الأسمى فيما يتعلق بتعزيز مكافحة الفساد وتحقيق الشفافية، وعلى كل طرف أن تساهم في ذلك، إذ لا يمكن أن تتولى جهة واحدة القيام بهذا العمل، وبالتالي نحن بحاجة إلى شراكة مجتمعية تشمل حتى القطاع التجاري في البلد.
– العكري: حين تشعر الشركات الوطنية أن هناك صرامة فعلية من قبل الدولة في مكافحة الفساد، فإنهم سيبادرون بتشكيل دائرة خاصة لمكافحة الفساد.
وفي إحدى دول أميركا الجنوبية، وقعت 600 شركة على ميثاق شرف الشركات الكبرى، كما وقعت 250 شركة على الميثاق ذاته في تايلند، لأن جزءاً من ثقة المستهلك مرتبط بالشفافية.
كيف ترصد الجمعية قضايا مكافحة الفساد؟
– العكري: نرصد قضايا الفساد من خلال ما يكتب في الصحافة وما يطرح في المحاكم والبرلمان، كما أننا اجتمعنا مع عدة لجان برلمانية، ونرصد تقرير ديوان الرقابة وما يكتب في التقارير الدولية عن البحرين، لأن القائمين على هذه التقارير الدولية يستطيعون الوصول للكثير من المعلومات التي قد لا ندركها نحن. ونحن في الحقيقة نعمل بقدر الإمكان أن نكون موضوعيين في هذه المسائل، ونتمنى أن تكون هناك شراكة مع المجتمع المدني في تناول ملفات الفساد.
– الموسوي: نأمل من الدولة أن تمنح مؤسسات المجتمع المدني الفرصة الحقيقية للعمل كجهة مستقلة وترفع القيود والإجراءات التي بدأت باتخاذها في الفترة الأخيرة والتي كبلت بها المجتمع المدني، وخصوصاً المؤسسات الفاعلة التي تقدم برامج لمكافحة الفساد وتعمل على ترسيخ مفهوم الشفافية. كما أننا نرى أن الإجراءات الأخيرة التي اتخذت بحق مؤسسات المجتمع المدني تتعارض حتى مع المشروع الإصلاحي الذي تبناه جلالة الملك.