في اليوم العالمي لإنهاء الإفلات من العقاب…
فعاليات وطنية: «الإفلات من العقاب» يطيح بالثقة بين الدولة ومكونات الشعب
الوسط – حسن المدحوب
شددت فعاليات وطنية على أن «استمرار سياسة الإفلات من العقاب من شأنها أن «تطيح بالثقة بين الدولة ومكونات الشعب».
ودعت الفعاليات في تصريحاتٍ لـ «الوسط» بمناسبة «اليوم العالمي لإنهاء الإفلات من العقاب» الذي يُحتفى به في (23 نوفمبر/ تشرين الثاني) سنوياً، الحكومة إلى «تقديم مبادرة للعدالة الانتقالية، تضمن إنصاف ضحايا الانتهاكات»، معتبرة أن «منع الإفلات من العقاب لا يعني بالضرورة إيقاع العقاب البدني على من قام بالانتهاكات، بل حتى الاعتراف بالأخطاء ومنع تكرارها».
ولفتت إلى أن «سياسة الإفلات من العقاب تتناقض مع الدستور والاتفاقيات الدولية، إذ إن هناك اتفاقيات دولية تهدف إلى منع الإفلات من العقاب، ومن ضمنها الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب، ومناهضة جميع أشكال التمييز وغيرها. والبحرين انضمت إلى بعضها، الأمر الذي يعني ضرورة الالتزام بتطبيقها».
العكري: ممارسات الإفلات من العقاب تتناقض مع التعهدات الدولية
من جهته، أشار عضو المرصد البحريني لحقوق الإنسان، عبدالنبي العكري، إلى أن «سياسة منع الإفلات من العقاب بدأت بعد الحرب العالمية الثانية، حيث شكل الحلفاء المنتصرون محكمة لمحاكمة النازيين الذين تسببوا بالدمار في العالم، ولحقتها محكمة أخرى لمحاكمة اليابانيين الخاسرين في تلك الحرب».
وأضاف «وبالطبع، فإن هذا الأمر منصوص عليه في الإسلام، والقرآن الكريم يشي إلى ذلك بشكلٍ واضح، إذ تقول الآية (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب)، كما أشارت إلى ذلك مبادئ حمورابي المعروفة «العين بالعين، والسن بالسن»، وبالتالي فإن هذه السياسة لم تختلق حديثاً بل كانت موجودة، وأخذت تتبلور بمفهومها الحديث مع تطور الأحداث في العالم».
وأردف العكري، «هذه السياسة ترسّخت في المنظومة الحقوقية في العالم، وهذه السياسة تركز على الجرائم التي لا يجوز أن يشملها العفو العام، كالقتل خارج القانون والتعذيب والتطهير العرقي، خصوصاً إذا تمت الانتهاكات بسياسة ممنهجة، ومن قِبل مسئولين في الدول والحكومات».
وأكمل، «هناك اتفاقيات دولية تهدف إلى منع الإفلات من العقاب، ومن ضمنها الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب، ومناهضة جميع أشكال التمييز». وأشار العكري إلى أن «حراك مؤسسات المجتمع المدني في هذا الموضوع، لم يبدأ مع الأحداث الحالية، ففي العام 2003، أقيم المؤتمر الذي نظمته المنظمات الحقوقية حول مسألة العدالة الانتقالية، الذي عقد بمشاركة منظمة هيومن رايتس ووتش، وحضرته وزيرة التنمية الاجتماعية، فاطمة البلوشي، التي ألقت كلمة الحكومة خلال المؤتمر، فيما ألقى الوزير الحالي والنائب سابقاً صلاح علي كلمة باسم رئيس مجلس النواب وقتها، وقد جاء هذا المؤتمر بعد اجتماع الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان مع العاهل وقتها».
وأردف، «اللافت حينها أننا صدمنا بالإنكار الرسمي للحاجة إلى العدالة الانتقالية، بل وجدنا نظرة مغايرة لما هو مطروح من قبل مؤسسات المجتمع المدني، بل تم قلب الموضوع ليصبح الضحية هو المتهم».
وتابع، «عندما نؤكد على أهمية تحقيق العدالة الانتقالية، فلا يعني ذلك بالضرورة أن تتحقق وفق عقاب بدني للمتجاوزين، بل يمكن تحقيقه بإقرار الدولة أو الجهة المحددة بما قامت به من انتهاكات، ولدينا تجارب ممكن النظر إليها في هذا الصدد، كتجارب جنوب إفريقيا وتشيلي والأرجنتين وكمبوديا، التي تم العفو فيها عمن قاموا بالانتهاكات، بعد إقرار الجهات المعنية بأخطائها».
وشدد العكري على أن «سياسة الإفلات من العقاب تتناقض مع الدستور والاتفاقيات الدولية، ومع العدالة الإنسانية مع جميع الشرائع السماوية وحتى الوضعية». وختم العكري «سياسة الإفلات من العقاب لن تؤدي إلا لمزيد من الأحقاد وانفلات الأوضاع، وستؤخر أي حل وأية مصالحة وطنية في البحرين».
الصميخ: حماية الانتهاكات يعني استمرار تكرارها
ومن جهته، قال رئيس لجنة الرصد والمتابعة في الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان، محمد الصميخ: «إن التجارب التي مرت علينا في البحرين منذ السبعينيات تشير إلى أن سياسة الإفلات من العقاب سياسة مستمرة ولم تتوقف، وكأن هناك غطاء لمنتهكي حقوق الإنسان بشكلٍ قانوني، وهذا يشكل حماية للانتهاكات ما يؤدي إلى تكرارها». وأضاف، «إذا أرادت الجهات المعنية إنهاء سياسة الإفلات من العقاب، فلابد من تشكيل محاكمات لأي شخص قام بانتهاك مس طفلاً أو امرأة أو رجلاً، في البيت أو الشارع أو حتى في نقاط التفتيش، أو حتى إزدراء الأديان والمذاهب». وأكمل، «لا يجوز أن تتم محاسبة ومقاضاة من يقوم بانتهاكات جنائية، في حين يتم غض الطرف عمن يقوم بانتهاكات جسيمة تمس حقوق الإنسان، وبالتالي فإن هذا السلوك يعطي مؤشراً على أن هناك غطاء يعطيهم مساحة للقيام بمخالفاتهم دون رادع».
وواصل، «على الجهات الرسمية، وخاصة الأمنية، أن تكون شفافة في الإعلان عن الشكاوى التي تصلها، والمتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان، ونحن نسأل، لماذا لا يتم الالتزام بالأخذ بالشكاوى التي تصل لهذه الجهات الرسمية، ولماذا لا تكون هناك شفافية أكبر بنشر مجموع الشكاوى الواصلة لهم؟ كما يجب التحقيق في الدعاوى التي تشير إلى أن هناك إرهاباً يمارس على من يتقدم بشكاوى، وأنه يتحول من مشتكٍ إلى جانٍ. وهل صحيح أن هناك خوفاً من قِبل الناس في تقديم شكاوى إزاء الانتهاكات التي تطالهم من بعض رجال الأمن؟».
وذكر الصميخ أن «في هذه الأحداث التي مرت بها البلاد، وقعت ضحايا من المواطنين، وهذه الحوادث تحتاج إلى فتح تحقيقات شفافة إزاءها، وإعلان نتائجها على الرأي العام، وتقديم العقوبات التي تتناسب مع مقدار الانتهاكات الحادثة».
وواصل، «نحن نحترم الدستور البحريني حتى لو اختلف عليه القانونيون، فدستور البحرين للعام 2002 منع دخول المساكن إلا بأمرٍ قضائي، والأمور واضحة تشريعياً، ورغم ذلك نرى انتهاكات تتعلق بأمور جرمها الدستور والقانون المحلي، فضلاً عن الاتفاقيات والتعهدات الدولية التي وقّعت عليها البحرين».
وأردف، «نعتقد أن وجود قوانين، كقانون 56، إنما جاءت لحماية من قام بالانتهاكات على قاعدة عفا عما سلف، وبالتالي رسخت سياسة الإفلات من العقاب».
وشدد على أن «الدولة عليها الدور الأكبر في الوقت الحالي لإنهاء سياسة الإفلات من العقاب. وإذا أردنا تأسيس دولة المؤسسات والقانون، فيجب تطبيق القانون على الجميع. الشخصيات الممثلة للدولة عليها أولوية في تطبيق القانون، فإذا لم يقم هؤلاء بتطبيق القانون فلن يقدم الآخرون على تطبيقه أو الالتزام به».
سلمان: لابد من إطلاق مشروع للعدالة الانتقالية
أما الأمين العام لجمعية المنبر التقدمي، عبدالنبي سلمان، فاعتبر أن سياسة «الإفلات من العقاب في البحرين، سياسة ممنهجة، لم تبدأ مع أحداث فبراير/ شباط، و مارس/ آذار 2011، بل سبقت كل ذلك، فما زالت العديد من قضايا الاعتقالات والتعذيب معلقة ودون حلول حقيقية، ومازالت المعارضة تتحدث عن ضرورة وجود مشروع للعدالة الانتقالية لإنصاف الضحايا». وأفاد سلمان أن «إنهاء سياسة الإفلات من العقاب يتطلب في الأساس وجود إرادة سياسية للدولة، لأن المعارضة بجميع أطرافها موقفها واضح من هذه السياسة ومن رفضها، ومن ملف العدالة الانتقالية».
ولفت إلى أن «مشروع العدالة الانتقالية ضمانة لعودة الأمور إلى نصابها الصحيح، مع تشديدنا على أن الخلل في استمرار هذه السياسة ليس تشريعياً بالضرورة، بل عدم وجود إرادة سياسية حقيقية لإنهائها، عبر محاسبة المتجاوزين».
وختم سلمان «استمرار سياسة الإفلات من العقاب تعني أنه لا يوجد إنصاف وعدالة في البلد، وأن هناك عنفاً يمارس خارج القانون، وهذا لا يمكن أن يقبل في دولة تدعي أنها عصرية، لشعب يستحق أفضل مما هو موجود حالياً».
سيادي: الإفلات من العقاب يزيد الاحتقان
ومن جهته، أكد الناشط يعقوب سيادي أنه «ولإنهاء سياسة الإفلات من العقاب، ينبغي تطبيق القانون من غير تمييز على الجميع، لا يستثنى منه أحداً. أما استمرار هذه السياسة فمآلها أنها ستؤدي إلى عملية فصل بين الدولة والشعب، ووضع فجوة بين الطرفين».
وأردف، «الحديث المتكرر عن تطبيق القانون، يجب أن يتبعه عدالة في تطبيقه، لكن حينما هناك انتقائية في ذلك، أو أن يكيّف القانون ليكون شديداً على جهة وليّناً مع جهة أخرى، فإن ذلك معناه أن سياسة الإفلات من العقاب ستظل مستمرة، بل وسترتفع وتيرتها تبعاً لتطور الأحداث ومجريات الأمور في الساحة المحلية».
وذكر أنه «حالياً ما تزال ثقافة التعامل مع الناس بمعايير حقوق الإنسان غير متحققة، وبالتالي فإن ذلك يؤدي إلى استمرار الانتهاكات الحقوقية، خاصة في القضايا المتعلقة بموضوع التعبير عن الرأي. رجال الأمن عليهم مسئولية في التعامل وفق هذا المنطق مع المواطنين، وكذلك الجهات الأهلية عليها مسئولية أخرى في احترام القانون والحراك السلمي».
وواصل، «نعتقد أن الخطورة الأكبر من استمرار ومنهجة الإفلات من العقاب في أنها تؤدي إلى شرخ مجتمعي كبير، كما تؤدي إلى فصل تام بين إدارات الدولة وبين مكوناتٍ مِن شعب البحرين. وعندما تفقد الثقة نصل إلى مرحلة من الصدام بين الطرفين، ولعل هذا الأمر هو ما نراه جلياً في الأزمة التي تعيشها البحرين منذ فبراير 2011».
ولفت سيادي إلى أن «القانون بحد ذاته ليس مقياساً على التراجع أو التقدم في احترام حقوق الإنسان، لا يمكن أن نضع نصوصا جميلة، وممارسات قبيحة، ونتحدث من جهة واحدة، أي قانون يتحدث عن احترام حقوق الإنسان لابد أن يقابله ممارسات موازية على الأرض، وبالتالي فإن مشكلتنا في البحرين ليست في غياب القانون الذي يمنع سياسة الإفلات من العقاب بل في بعض الممارسات الخاطئة التي تغذي هذه السياسة وتنميها».
غلام: الإصلاح الجذري ينهي سياسة الإفلات من العقاب
ومن جهتها قالت عضو الهيئة المركزية في جمعية وعد فريدة غلام إن «السبب الرئيسي والموضوعي هو غياب ثقافة المساءلة والمحاباة لصالح الاعتبارات العائلية والمذهبية والاجتماعية الذي كرس واقعاً من غياب التشريعات المطلوبة، التي تقوم بمساءلة المسئولين وأصحاب القرار في المناصب العليا وفق مبدأ «الكل متساوٍ أمام القانون».
وأضافت «وعليه لا تتم مقاضاة من يتوجب مقاضاتهم وتقديمهم للمحاكمة العادلة لارتكابهم المخالفات والتجاوزات والانتهاكات لفرض الجزاءات المناسبة من أجل تحقيق العدالة وإنصاف الضحايا ولا يتم ردعهم بل تتكرر ذات الممارسات عبر الحلقة نفسها من الانتهاكات المحرمة والمعاملة السيئة الحاطة بالكرامة والتعذيب وسط شعور الفرد المنتهك أو القائم على التعذيب بأنه محمي وحر، ولن يتم تأديبه إثر الجرائم التي اقترفها ويقترفها كما أشار تقرير اللجنة البحرينية لتقصي الحقائق».
وتابعت غلام «لذلك أوصت التوصية 1716 بتقرير التقصي على ضرورة» وضع آلية مستقلة ومحايدة لمساءلة المسئولين الحكوميين الذين ارتكبوا أعمالاً مخالفة للقانون أو تسببوا بإهمالهم في حالات القتل والتعذيب وسوء معاملة المدنيين، وذلك بقصد اتخاذ إجراءات قانونية وتأديبية ضد هؤلاء الأشخاص بمن فيهم ذوي المناصب القيادية، مدنيين كانوا أم عسكريين، الذين يثبت انطباق مبدأ «مسئولية القيادة» عليهم وفقاً للمعايير الدولية». وأكملت «كذلك فإن استمرار سريان تشريعات مثل المرسوم بقانون رقم (56) في العام 2002 الذي أعطى حماية للجلاد وساوى بين ضحايا التعذيب والشهداء والنشطاء السياسيين والمدنيين ومن مارس التعذيب حتى القتل لا يساعد على العبور نحو الاستقرار المطلوب، بل يعزز ثقافة التساهل مع مرتكبي الفظاعات وتخليصهم مما يستحقونه من عقوبة قانونية تحفظ هيبة الدولة وتخلق بيئات للمصالحة والعدالة». ولفتت إلى أن «غياب التشريعات المنصفة والتنفيذ المحايد للعقوبات الواجبة خلق بيئة حاضنة لاستمرار ممارسات المعتدين والمنتهكين على مستويات عديدة وهذا يحتاج إلى إرادة سياسية على مستوى الدولة للتغيير والإصلاح لبناء الثقة».
وأشارت إلى أن «السبب الآخر في ترسخ ثقافة وسياسة الإفلات من العقاب هو غياب الإصلاح الجذري المنشود في بنية وممارسات الأجهزة المعنية بإنفاذ القانون منذ عقود طويلة، وحتى بعد صدور تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، وحتى أيضاً بعد صدور توصيات مجلس حقوق الإنسان بجنيف مؤخراً في سبتمبر (أيلول) الماضي».
وواصلت «وقد ذكر تقرير اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق في أماكن عديدة عدم مواءمة مساحات كبيرة في القانون الوطني والإجراءات والممارسات القضائية مع القانون الدولي رغم توقيع المملكة على الاتفاقيات والمعاهدات الدولية». وأردفت «كذلك فإن تحقيق الإصلاح في الجهاز القضائي على درجة بالغة من الأهمية وسيساعد كثيراً على الحد من سياسة الإفلات من العقاب للمنتهكين، هذا الإصلاح ينبغي أن يشمل جوانب التوظيف ليكون مبنياً على الكفاءة ويعكس مكونات المجتمع بأكمله، وكذلك التدريب الموضوعي المعتمد على الأدلة والقرائن من جهات مستقلة والمتجرد من التأويلات المنحازة والرغبة في معاقبة النشطاء السياسيين والحقوقيين».
وأوضحت أن «مظاهر ترسخ ثقافة الإفلات من العقاب لمنتهكي حقوق الإنسان والمسئولين عن إنفاذ القانون في البحرين تم إدانتها مراراً وتكراراً من قبل الخبراء من المراقبين الدوليين الحقوقيين والقانونيين المدركين للمعايير والممارسات الدولية الصحيحة، وبالدرجة الأولى فإن مظاهر هذه الثقافة اللاإنسانية يلمسها أهالي الضحايا». ونبهت إلى أن «مؤسسات المجتمع المدني ومن ضمنها الجمعيات السياسية والحقوقية عليها أداء دور مهم وأساسي في رفع المعايير الحقوقية باستمرار والتعاون مع الجهات المعنية بالأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الدولية المعنية لتحسين الواقع الحقوقي، وكذلك وضع مثل هذه الموضوعات المهمة على أجندة العمل السياسي والمدافعة وإن كان على مدى زمني طويل».