بمشاركة السيدة هدى التحو عضو مجلس إدارة الشفافية و في فلسطين، وبمدينة غزة المحاصرة، نظمت شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية باستضافة من قبل شبكة المنظمات الاهلية الفلسطينية ورشة عمل إقليمية حول فاعلية التنمية، وذلك يومي الثالث والرابع من شهر حزيران 2013.
وشارك في هذه الفعاليات ممثلون من عشر دول عربية، بالإضافة الى عدد من ممثلي منظمات المجتمع المدني العاملة داخل فلسطين وبالشتات.
ويأتي انعقاد الورشة في إطار سلسة لقاءات إقليمية حول موضوع فعالية التنمية، حيث ستعقد الورشة التالية بتونس، وتتوج بلقاء موسع بمدينة أربيل العراقية.
إن انعقاد الورشة بمدينة غزة هو أصدق تعبير عن وحدة النضال المشترك بين مختلف نشطاء المجتمع المدني بالمنطقة، كما يكتسب أهمية استثنائية نظرا للحصار المتواصل على القطاع الصامد، وتعبيرا عن التضامن مع الشعب الفلسطيني في نضاله من أجل حقوقه المشروعة في التحرر والاستقبال والتنمية.
لقد حققت المنطقة العربية بعض التقدم في مجال اهداف الالفية للتنمية خاصة في تحقيق معدلات نمو مقبولة نسبيا وعلى مستوى بعض القطاعات مثل التعليم والصحة، ذلك وفق المؤشرات والمعطيات المعتمدة. إلا ان غياب العدالة والسياسات الملائمة واليات التوزيع العادل ادت كلها الى تعميق ازمات الفقر والبطالة والتهميش.
جاءت الانتفاضات الشعبية كتعبير مباشر عن هذا الواقع مترافقا مع غياب الشفافية واليات المحاسبة والمساءلة، ما يطرح وجوب تفعيل المشاركة السياسية والمشاركة في مسارات صنع السياسات العامة. ان غياب العدالة والتقدم الاجتماعي يؤدي الى غياب الاستقرار والأمن الاجتماعيين وبالتالي فان التحول الحاصل في المنطقة لا بد من ان يفضي الى اقامة الدولة الديمقراطية المدنية التقدمية التي تقوم على اساس احترام حقوق الانسان وعقد اجتماعي جديد بين الدولة والمواطن
ان الامن الانساني هو من الابعاد الاساسية التي تتطلب توازنا في العلاقات بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وبالتالي من الضروري ان تقوم العلاقات المتوازنة بين السلطات السياسية والقوى الامنية والعسكرية، إلا ان تحديات الامن والسلام في المنطقة هي مطالب ملحة ينشدها المواطنون كونها تستنفذ الكثير من الطاقات والموارد المادية والبشرية ولكنها تعطي تبريرا لتدخل القوى الامنية والعسكرية في شؤون السلطة السياسية وفي اليات صنع القرار
يعتبر الانفاق العسكري بالمنطقة العربية من بين الدول الاعلى في العالم وهذا ما يحول الموارد عن اهدافها التنموية في الوقت الذي لا زالت فيه المنطقة تشهد اقدم وأطول احتلال وحالة استعمارية واستيطانية حيث فشل المجتمع الدولي في تطبيق القرارات والاتفاقيات الدولية التي تفسح في المجال امام الشعوب المقهورة بحقها في تقرير مصيرها وبناء دولها التي تتمتع بالسيادة والأمن والاستقرار
كما أن اتجاه الدول المانحة هو لضمان المحافظة على التفوق الاستراتيجي الاسرائيلي والحؤول دون بناء القدارت الدول العربية ما يؤدي الى الاخلال بمقومات بناء السلام العادل والشامل في المنطقة
ان الامن والسلام هو من أهم التحديات التي تواجه جهود تحقيق التنمية وهو ما جاء في اعلان الالفية وفي تقرير امين عام الامم المتحدة “من اجل عالم افضل للجميع” اما في المنطقة العربية فان هذا الواقع يتطلب ان يكون الامن والسلام من الاهداف الاساسية للتنمية
انه حدث تاريخي ان تعقد شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية وشركاؤها في فلسطين وفي سائر الدول العربية اجتماعا اقليميا في غزة.
انها رسالة من المجتمع المدني العربي الى المجتمع المدني الفلسطيني ومن خلاله الى كل العالم بأن الفلسطينيين ليسوا وحدهم، حيث كان لشركائنا في المجتمع المدني دورا كبيرا ولا يزال في الصراع من اجل التحرر الوطني ومواجهة الاحتلال وعملية بناء الدولة.
جاء ممثلون عن المجتمع المدني العربي، اربعة عشر شخصا من عشر دول عربية الى غزة ليناقشوا تحديات التنمية على مستوى المنطقة العربية. انه خيار ذو دلالات كبيرة وكثيرة، وهو لا يقتصر على التعبير عن التضامن مع الشعب الفلسطيني فحسب ولكنه للتأكيد ايضا على ان غزة خصوصا وفلسطين عموما هي جزء رئيسي من المنطقة ومن همومها
غزة التي قاومت الاحتلال وصمدت ببطولة حتى اصبحت رمزا من رموز المقاومة التي نجحت في اخراج المحتل وإزالة مستوطناته والتي نجحت في افشال مخططاته من خلال صمود ابنائها ومواجهة الحصار الاثم بكل عزم وتصميم،
ونحن، في المجتمع المدني العربي والدولي، وإذ ننظر بإعجاب الى اداء زملائنا في المجتمع المدني الفلسطيني من خلال الدور المميز الذي لعبوه في الانتفاضة الاولى (انتفاضة الحجارة) حيث ساهموا في تعزيز صمود المجتمع الفلسطيني من خلال دعم صمود الناس في مواجهة اشرس آلة قمعية وإجرامية ولكن أيضا من خلال السعي الى خلق النماذج التنموية المحلية والبديلة التي ساهمت في تعزيز القدرة على الاستمرار وعلى تحدي الاحتلال وممارساته القمعية والتدميرية الممنهجة لأسس استمرارية الشعب ومن خلال فرض الحصار الجائر، إلا ان هذه النماذج اصبحت كذلك نماذج استفادت منها شعوب الارض في صراعها ضد الظلم والتمييز والتهميش ومن جل العدالة والتقدم
كما اننا ننظر بإعجاب الى تجربة المجتمع المدني الفلسطيني من خلال استراتيجية التعامل التي اعتمدها مع السلطة الوطنية في مرحلة نشوئها، لاسيما من خلال الابعاد الثلاثة التي اعتمدها ولا يزال؛ اولا من خلال الاستمرار في مقاومة الاحتلال وفضح سياساته وممارساته وكذلك من خلال تمكين المواطنين من الاستمرار ومن تحدي الاحتلال والظروف التي خلقها لترهيب وإخضاع مجتمع بأسره. اما الاستراتيجية الثانية التي اعتمدها المجتمع المدني الفلسطيني في التعامل مع السلطة الوطنية هي الاستمرار في عم صمود الناس وتمكينهم من الاستمرار في العيش في ظل الظروف الصعبة التي خلفها الاحتلال والإمكانيات المحدودة المتوفرة لدى السلطة الناشئة وثالثا من خلال المساهمة في العملية السياسية وفي بناء السلطة الوطنية الفلسطينية ومؤسساتها وفي جهود تعزيز الديمقراطية وتعزيز اليات المساءلة والمحاسبة والدفاع عن الديمقراطية ومحاربة الفساد
وهنا لا بد من التأكيد على ان المجتمع المدني في فلسطين قد لعب دورا كبيرا خلال غياب السلطة في توفير الخدمات للمواطنين والاستجابة لاحتياجاتهم الاساسية والدفاع عن حقوقهم، وهو قد سبقها بذلك ولا يزال، ونحن نخشى في هذا السياق ومع توسع دور السلطة وحرصها على قيادة المرحلة ان يتم ذلك على حساب دوره ومن خلال تقييد هذا الدور وتقليص مجال فاعليته في الوقت الذي تقضي فيه المرحلة الى تعزيز التعاون الذي يتطلع اليه المجتمع الفلسطيني بين نخبه السياسية ومكوناته المدنية
إننا ندرك حجم الصعوبات التي يواجهها الشعب الفلسطيني نتيجة الاحتلال ولكن ايضا نرى تداعيات الانقسام السياسي الذي يستنزف الطاقات والإمكانيات. لذلك ندعو الى بذل الجهود من اجل انهائه وبأسرع ما يمكن وبأقل خسائر ممكنة. وهنا لا بد من الاشادة بدور المجتمع المدني الفلسطيني الذي بذل ولا يزال يبذل جهودا حثيثة لرأب هذا الصدع ومحاولة معالجته على اساس الحوار الوطني الشامل من اجل تعزيز الديمقراطية والشفافية واليات المساءلة والمحاسبة والتداول السلمي للسلطة. ونحن ننظر بإعجاب الى دور زملائنا في المجتمع المدني الفلسطيني في الدفاع عن الحقوق والحريات لاسيما عن حرية التعبير والتجمع والتنظيم. وهنا ننوه تحديدا بدور شبكة المنظمات الاهلية الفلسطينية (PNGO) في الدور الذي تقوم به في الدفاع عن الحقوق الفردية والعامة
لقد جئنا الى هنا لمناقشة المقاربات التنموية وتحدياتها، والتي باتت موضوعات حيوية على المستوى الدولي خاصة بعد تفاقم الازمة المالية والاقتصادية الدولية وأزمة تغير المناخ وارتفاع اسعار الغذاء والطاقة، إلا انها كذلك تشكل تحديا على مستوى المنطقة مع ما تشهده من تحولات كبيرة.
ونحن، كشبكة عربية، تنخرط في هذا الحوار على المستويين الدولي والإقليمي، نساهم في الجهود الايلة الى تحديد الخيارات ورسم السياسات التنموية على المستوى الوطني من خلال العمل مع شركائنا ومن خلال تقوية وتمكين قدراتهم في المناصرة والمدافعة ومشاركتهم في رسم السياسات العامة.
وفي هذا المجال، لا بد من التأكيد على وجوب ان تكون التنمية فاعلة اي ان تعتمد المقاربات الشاملة والمتعددة الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، والتي تستجيب الى احتياجات الشعوب وتساهم في تحقيق تطلعاتهم.
على الجهود التنموية ان تربط وبإحكام بين التنمية وأهدافها بحقوق الانسان وخاصة الحق في العيش بسلام وامن واستقرار والحق بتقرير المصير والحق في التنمية. ولكي تتمكن الجهود التنموية من تحقيق اهدافها لا بد من العمل من اجل توفير البيئة الممكنة التي تساعد المجتمع المدني في ان يكون شريكا قويا وفاعلا، وذلك من خلال البيئة التشريعية والقانونية والسياسية الممكنة كون الشراكة الحقيقية بين الاطراف المختلفة هي التي تؤدي الى تحقيق التنمية والتقدم
ان الحوار في المنطقة والعربية لا بل في العالم بأسره يدور حاليا حول النموذج التنموي الملائم والذي يتمحور حول الانسان وحقوقه، ذلك بعد فشل النماذج التي اتبعت لعقود التي ضاعفت التفاوت بين مختلف الفئات الاجتماعية على اساس اجتماعي اقتصادي ومناطقي. لذلك لا بد من اعتماد النموذج الذي يساعد المواطنين على الانخراط في العملية التنموية للمساهمة في تحقيق اهدافها وبالتالي للاستفادة من عائداتها والتمتع بمواردها، انه النموذج الذي يلغي التمييز ويقيم العدالة بكافة اشكالها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ويحافظ على الاستدامة البيئية.