تداولت وكالات الأنباء والفضائيات قبل فترة خبر خضوع الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي للتحقيق أمام مفوضية الشرطة المعنية بالفساد.
أما التهمة الموجهة إليه فهو أنه استلم أموالاً نقديةً من السيدة بتنكور وريثة امبراطورية التجميل «لوريال» بما قدره 150 ألف يورو لتمويل حملته الانتخابية، في حين أنّ القانون الفرنسي يضع حداً أقصى من متبرع بمفرده بحيث لا يتجاوز 85 ألف يورو. وحتى الآن سيخضع الرئيس الفرنسي ساركوزي إلى مزيدٍ من التحقيق.
قبل ساركوزي، جرت محاكمة الرئيس الفرنسي السابق شيراك بتهمة توظيف أصدقاء له عندما كان رئيساً لبلدية باريس قبل أن يصبح رئيساً للجمهورية. وقد حكمت عليه المحكمة بالسجن لمدة سنة مع وقف التنفيذ نظراً لكبر سنه، وبعد أن اعتذر علناً للمحكمة وللشعب الفرنسي.
رئيس الوزراء الفرنسي السابق في عهد شيراك آلن جوبيه أجبر على الاستقالة لأنه توسّط لابنيه لاستئجار شقةٍ من بلدية باريس منخفضة الإيجار، وهو لا يستحقها بحكم دخله.
رئيس الوزراء الفرنسي السابق دومينيك دي فيلبان خضع للتحقيق والمحاكمة بتهمة إساءة استخدام منصبه ونفوذه للتأثير في انتخابات حزب التجمع من أجل الجمهورية لمرشحه للرئاسة والذي فاز به ساركوزي وجرت تبرئته.
إنها فرصةٌ عظيمةٌ للبلهاء عندنا لـ (يتنطّطوا) في الهواء فرحاً والقول: هاهم رؤساء وزعماء فرنسا فاسدون أيضاً، وليس الفساد محصوراً عندنا!
نعم، في الدول الديمقراطية كفرنسا، هناك فساد مالي وإداري وإساءة استغلال النفوذ وغيره من أشكال الفساد، لأن الفساد طبيعة بشرية، ولأنه صنو النظام الرأسمالي. لكن وبالقدر نفسه فإنهم عندما يكتشفون الفساد لا يتردّدون عن ملاحقة الفاسد ولو كان رئيساً للجمهورية أو رئيساً للوزراء. ولذا تبرز الثقة في نظامهم الديمقراطي وآلياته التصحيحية وفي الطبقة السياسية وشعارهم ليس من أحد فوق المساءلة.
ولكن ماذا عندنا؟ يتربع على الحكم في البلدان العربية السعيدة حكام ثابتون أو متداولون لكنهم جميعاً إلا ما رحم ربي ينهبون البلاد والعباد. إنهم يعتبرون بلدانهم إقطاعيات، والمال العام خراجاً ومالاً حلالاً لهم، ويتصدّقون ببعضه على رعاياهم.
قدر البنك الدولي كلفة الفساد في العالم بتريليون دولار، النصيب الأكبر منها في البلاد العربية، وخصوصاً النفطية، لذلك لا عجب أن تبلغ ثروات المئات من أفراد الطبقة الحاكمة المالكة في دولنا العربية السعيدة عشرات البلايين، في حين تعيش الملايين من شعوبنا تحت خط الفقر، بل ويموت آلافٌ من الجوع وسوء التغذية. اللهم فارحمنا برحمتك.
تم نشر هذا المقال في: صحيفة الوسط البحرينية – العدد 3770 – الأربعاء 02 يناير 2013م الموافق 19 صفر 1434هـ