Skip to main content

(استكمالاً لورقة مقدمة في منتدى المفوضية السامية لحقوق الإنسان يوم السبت الموافق 26 أبريل/ نيسان 2014 في فندق الموفنبيك بمملكة البحرين)

تجنيد العلاقات العامة

اعتمدت الدولة سياسة الترويج لسياساتها ومواقفها في ضوء إخفاقاتها في المحافل الدولية والبلدان الأجنبية وخصوصاً الغربية المؤثرة على التعاقد مع شركات العلاقات العامة الغربية وهناك ثلاث جهات رسمية على الأقل تتنافس فيما بينها لتجنيد مكاتب العلاقات العامة لمواجهة منظمات المجتمع المدني المستقلة ونشاطاتها وخصوصاً في الأمم المتحدة في جنيف. وقد ذكر تقرير ديوان الرقابة المالية لعام 2012 وجود مخالفات في عقود مكاتب العلاقات العامة المقدرة بـ32 مليون دينار وهذا ما هو معروف فقط.

كما تعمَد الحكومة إلى توظيف سفراء غربيين ومندوبي الأمم المتحدة السابقين كمستشارين مستفيدة من علاقاتهم وخبراتهم للترويج لها. بالإضافة إلى ذلك تشكل مجموعات الصداقة من برلمانيين وأرباب أعمال وصحافيين وشخصيات عامة عرب وأجانب مقابل إغراءات للترويج لها.

كما يندرج في هذا الإطار عقد المؤتمرات والندوات للترويج للمملكة البحرين كجنة للديمقراطية وحقوق الإنسان والتسامح ومن ذلك مؤتمر تقارب المذاهب الإسلامية وحوار الأديان وأخيراً حوار الحضارات.

الخلاصة

الصراع الجاري في البحرين ليس صراعاً طائفياً، رغم دفع السلطة ومواليها للطائفية والترويج لذلك. وعلى رغم التضليل الهائل للمكون السني، واستعداء المكون الشيعي إلا أن شعب البحرين بمكونيه السني والشيعي هو شعب واحد، وليس هذا أول تحدٍّ طائفي يواجهه وسيتغلب عليه كما في الماضي.

الصراع سياسي ويتمحور حول الوفاء بالعقد الاجتماعي ما بين الحكم والشعب والذي ارتضاه شعب البحرين سواء في استفتاء الاستقلال من قبل الأمم المتحدة في 1970، أو إقرار دستور 1973 وأخيراً الاستفتاء على الميثاق في 2001، والذي خرق من قبل الحكم على امتداد 43 عاماً من دولة الاستقلال التي فشلت في تشكيل دولة تضمن حقوق جميع مواطنيها وتعبر عن إرادتهم كما جاء في الدستور «الشعب هو مصدر السلطات جميعاً».

والمجتمع المدني ومنظماته كان دائماً في قلب النضال من أجل حقوق الشعب والمواطنين وفي القلب منها حقوق الإنسان، قبل الاستقلال وبعده، وليس ذلك وليد حركة 14 فبراير وما بعدها، رغم أنها محطة أساسية في هذه المسيرة الطويلة.

ورغم كل ما ذكرناه عن استراتيجية الاحتواء والتهميش لمنظمات المجتمع المدني الحقيقية فإن صمود المجتمع المدني واستعداده لتقديم كل التضحيات، ومثابرته على النضال في مجتمع دولي لا يعترف بالشكليات، بل يحتضن المنظمات والتشكيلات والمناضلين مجتمعين وخصوصاً حقوق الإنسان، والأمم المتحدة وهيئاتها الحقوقية وفي قلب المجتمع الدولي، من هنا نرى إنجازات منظمات المجتمع المدني ودورها في حماية وتعزيز حقوق الإنسان وقدرتها على تعبئة المجتمع المدني من الداخل، وكسب المجتمع الدولي بما في ذلك الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الدولية، والدول الديمقراطية الحقيقية والبرلمانات الحرة. والتي تراقب وترصد وتضغط من أجل وضع حد لهذه الانتهاكات المنهجية والواسعة لحقوق الإنسان في البحرين.

صحيح أن ذلك لم يضع حداً لهذه الانتهاكات والتي تنفلت من عقالها من وقت لآخر، لكنها أجبرت السلطة في كثير من الأحيان بالحد من غلوائها، والتعهد باحترام التزاماتها الدستورية والدولية وإن كان ذلك للتمويه فقط.

نحن اليوم نتناقش كبحرينيين يجمعنا مصير واحد وننتمي لشعب واحد ووطن واحد برعاية من وفد المفوضية السامية لحقوق الإنسان، بقيادة المفوضة السامية نافي بيلاي، والتي يقدرها شعبنا كثيراً ويثق بها وبالمفوضية والعاملين فيها. وأملنا أن يسود العقل والمصلحة الوطنية الجميع النظام أولاً ثم المعارضة والموالاة والمجتمع المدني بكل تلاوينه، وبوضع حد لهذا الانفلات، والانقسام وتخوين أغلبية الشعب من قبل المنتفعين من الأزمة، ونزع الإنسانية عنه، وتسويغ استباحة دمه وتمريغ كرامته والإساءة لمعتقداته، والإمعان في معاناته.

لم نفقد الأمل في الخروج من هذه الأزمة المجتمعية والسياسية والإنسانية من خلال حل تفاوضي مشرف لمصلحة الجميع نحو إقامة مملكة دستورية ديمقراطية حقة يسودها العدل، والمساواة بين جميع مواطنيها، والأمان للوافدين بيننا. لتعود البحرين درة الخليج كما كانت، ولتسهم في ترقية أمتها والإنسانية تيمناً بميراث حضارة دلمون العظيمة.

التوصيات

1. هناك ضرورة لمغادرة أجواء الأزمة والانقسام والاستقطاب السياسي المجتمعي من خلال تسوية شاملة بين الدولة ومختلف مكونات المجتمع السياسية والمجتمعية على قاعدة مصلحة الوطن والشعب والمجتمع، وإجراء تحولات إصلاحية ديمقراطية تحقق قيام المملكة الدستورية الديمقراطية الحقة، حيث المواطنة المتساوية وإشاعة الحريات العامة، ودولة المؤسسات والدستور والقوانين العادلة، وفي ظل هكذا نظام وهكذا بيئة يمكن فقط الانطلاق لإصلاح أوضاع المجتمع المدني ومنظماته.

2. الالتزام بدستور البحرين المتوافق عليه وحتى الحالي، وخصوصاً ما يتعلق بالفقرة (د) من المادة (1) بشأن ديمقراطية نظام الحكم وكون الشعب مصدر السلطات جميعاً، والفقرة (هـ) عن حق المواطنين في المشاركة في الشئون العامة والتمتع بالحقوق السياسية. والمادة (18) بشأن تساوي الناس في الكرامة وتساوي المواطنين في الحقوق والواجبات العامة ونفي التمييز بسبب الجنس والأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة. والمادة (19) حول الحريات العامة وصيانة الذات الإنسانية. والمواد (22) (23) (24) (26) حول الحريات العامة خصوصاً التفكير والتعبير والمعتقد والنشر والتبادل الفكري بكل أشكاله، وأخيراً المادة (27) حول حرية تشكيل الجمعيات والنقابات بما فيها بالطبع الجمعيات السياسية والأهلية.

3. أن تتوافق القوانين المنظمة لممارسة المواد السابقة مع المادة (31) وأنه لا يجوز أن ينال التنظيم أو التجديد من جوهر الحق أو الحرية، والمادة (123) في عدم جواز تعطيل أحكام الدستور إلا في الحدود التي يبينها القانون، كما يجب أن تتوافق القوانين مع جوهر الحق للإنسان والاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي التزمت بها مملكة البحرين وخصوصاً الشرعة الدولية للأمم المتحدة واتفاقياتها التعاقدية.

4. إن ذلك يتطلب الإباحة في ممارسة الحريات بما في ذلك تشكيل منظمات المجتمع المدني ومنها منظمات حقوق الإنسان واتحاداتها وشبكاتها، وبالإخطار فقط وأن تترك محاسبة ورقابة منظمات المجتمع المدني لجمعياتها العمومية ولا تتدخل الدولة إلا في الحالات الجرمية الثابتة.

ذلك يتطلب تجميد المواد المناقضة لكل ما ذكرناه في القانون 1989 وبسحب مشروع قانون منظمات المجتمع المدني الحالي، ووضع مسودة قانون جديد يساهم في صياغته إلى جانب مجلس النواب، ممثلو المجتمع المدني، واستشارة خبراء المفوضية السامية لحقوق الإنسان.

5. وضع حد لتدخلات وزارة التنمية الاجتماعية ووزارة الداخلية القسرية ضد منظمات المجتمع المدني وأن يترك للقضاء وحده الحق في حل منظمة مجتمع مدني أو إدارتها، والإشراف على تصحيح أوضاعها بما في ذلك إجراء انتخابات جديدة.

6. إن توفير مقار ملائمة لمنظمات المجتمع المدني وتمويل مشاريعها هو حق لهذه المنظمات على الدولة وليست منَّة أو هبة، ويجب أن تكون ممثلة في صندوق التنمية الاجتماعية كما أن من حقها الحصول على أي تمويل ودعم من الصناديق والمؤسسات العربية والأجنية مادام ذلك لا يتعارض مع الدستور ويتمتع بالشفافية والنزاهة.

7. من حق منظمات المجتمع المدني أن تحصل على دعم المفوضية السامية لحقوق الإنسان في بناء القدرات والتدريب والتأهيل.

8. من حق منظمات المجتمع المدني الانضمام وإقامة أشكال التشبيك والتعاون مع مثيلاتها خليجياً وعربياً ودولياً، بما لا يتعارض مع الدستور.

لتحقيق كل ذلك أو بعضه على الأقل فإن هناك حاجة لنقلة نوعية في عقيدة الدولة من احتواء منظمات المجتمع الدولي إلى ترك المجتمع المدني ومنظماته يعمل بحرية وطمأنينة.

ولتحقيق هذه النقلة فإن هناك حاجة ماسّة لمساهمة المفوضية السامية لحقوق الإنسان، ضمن برنامج التعاون الفني مع مملكة البحرين، أو بدونه، في التعاون ودعم منظمات المجتمع المدني الحقيقية.

إننا نشكر المفوضية السامية لحقوق الإنسان لمواقفها المبدئية منذ بداية التسعينات حتى الآن ونشكر بشكل خاص المفوض السامي السابق مارك روبنسون والمفوض الحالي نافي بيلاي لمواقفهما المشرفة والمبدئية ونشكر مختلف هيئات الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان لما قدموه لشعب البحرين ونضاله من أجل الحرية والكرامة واحترام حقوق الإنسان.

عبدالنبي العكري
صحيفة الوسط البحرينية – العدد 4291 – السبت 07 يونيو 2014م الموافق 09 شعبان 1435هـhttp://www.alwasatnews.com/4291/news/read/892979/1.html