سلمان سالم
منذ ثلاث سنوات، وبالتحديد من العام 2011، بدأت وزارة التربية والتعليم بتطبيق سياسة 60 – 40 في المئة في توزيع البعثات والرغبات الدراسية، وجعلت الـ (40 %)، هذه المساحة الواسعة، لتتمكن من خلالها من تحريك الرغبات الدراسية كيفما تشاء، لحرمان مئات المتفوقين والمتفوقات من استحقاقاتهم الدراسية والمالية.
وقد نبهت المؤسسات الحقوقية والجمعيات الوطنية المعارضة وزارة التربية لخطورة هذا النهج غير التربوي الذي تمارسه على مستقبل التعليم في البلاد، وعلى التنمية الشاملة في مختلف التخصصات العلمية والطبية والتربوية والتعليمية والتقنية.
إن هذا النهج الطائفي الذي تتبعه الوزارة في توزيع البعثات والمنح والرغبات الدراسية، لا يتناغم مع القوانين المحلية في أيٍّ من خطواته وإجراءاته غير العادلة. وهناك مطالبة شعبية عامة بأن تعتمد الوزارة مبدأ الشفافية في توزيع البعثات والمنح الدراسية، بأن تقوم بنشر أسماء المتفوقين والمتفوقات، ومعدلاتهم التراكمية والتخصصات التي أعطيت لهم، لكي يكون عملها واضحاً وشفافاً للرأي العام، ولا أحد يستطيع حينئذٍ أن يتحدّث عن تمييز أو تلاعب في البعثات الدراسية. كما أن الجميع، خصوصاً الخريجين وأولياء أمورهم والمهتمين بالشأن التربوي، يطالب بإلحاح شديد بمشاركة حقيقية لمؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية والسياسية، في جميع الخطوات المتبعة في توزيع البعثات، ولكن الوزارة ومع الأسف تجاهلت هذه المطالب ولم تستجب لها، علماً بأن هذه المطالب لم تكن جديدة، بل بدأت من العام 2008، وزادت منذ العام 2011 بعد زيادة الوزارة في تمييزها الطائفي بصورةٍ لم تخطر على بال أحد من المهتمين بمستقبل التعليم في البلاد.
إن النهج الطائفي الأيدلوجي الذي يتحكم بصورة مباشرة في كل مفاصل ومراحل وإجراءات توزيع البعثات والمنح والرغبات الدراسية، أصبح واضحاً لكل باحث عن الحقيقة. وقد ساهم بشكل مباشر أو غير مباشر في إيجاد أزمات مالية وتعليمية، ونفسية ومعنوية، في أوساط الكثير من الطلبة البحرينيين المتفوقين المتضررين من هذه السياسة وأسرهم.
هذه السياسة الطائفية، ودون أن تشعر الوزارة نفسها، خلقت حالة عامة لدى كثير من الطلاب والطلبة المستهدَفين بهذه الإجراءات الطائفية، لمواجهة هذه العقبات المصطنعة والمعوقات التي تتعمد الوزارة وضعها أمام تفوقهم وتميزهم الدراسي طوال الثلاث سنوات الأخيرة، فراحوا يكرّسون جهودهم لحصد المراكز المتقدمة وتحقيق أعلى المعدلات والنتائج، ويزيّنوا لوحات الشرف بأسمائهم ومعدلاتهم التراكمية العالية التي تزيد عن 99 في المئة، لأنهم على يقين لا يداخله شك، أن الوطن بحاجة إلى قدراتهم العقلية في المستقبل، وأنهم من أبناء هذا البلد في الصميم، وأي تراجع منهم في طلب العلم سينعكس سلباً على التخصصات الرائدة في البلاد، وهذا ما لا يقبلوه لبلادهم أن تعيش في أزمات تخصصية في المستقبل، وهم بقدراتهم وإمكانياتهم العقلية ومعنوياتهم وانتمائهم الوطني، يستطيعون القيام بها بأحسن وجه.
إن نتائج توزيع البعثات هذا العام كشفت عن إصرار وزارة التربية على التعامل مع توزيع البعثات الدراسية بمكاييل مخالفة لأبسط القوانين التي تؤكد على ضرورة تحقيق العدل والمساواة وتكافؤ الفرص لكل المواطنين. وقد أجرينا دراسة لأوضاع 109 من الطلاب المتفوقين والمتفوقات، ولتحديد رغباتهم الدراسية التي يطمحون تحقيقها، فكانت النتيجة صادمة لهم ولأسرهم، ومذهلة وغير متوقعة للكثيرين من أبناء المجتمع، حيث حصل 2.6 في المئة منهم فقط على الرغبة الأولى (طب بشري) ويمثلون 5.3 في المئة بالنسبة لعدد المتفوقين الذين وضعوا رغبتهم الأولى دراسة الطب البشري والذين لا تقل معدلاتهم التراكمية عن 96 في المئة، رغم وجود 15 بعثة دراسية في جامعة الخليج الطبية وحدها لدراسة الطب البشري وناهيكم عن بعثات بقية الجامعات الخارجية.
وهناك نسبة 4.6 في المئة ممن أجرينا عليهم الدراسة حصلوا على الرغبة الثانية، ونسبة 5.5 في المئة حصلوا على الرغبة الثالثة، يعني ذلك أن نسبة 12.7 في المئة منهم قد حصلوا من الرغبات الدراسية الثلاث الأولى، ونسبة 87.3 في المئة من المتفوقين والمتفوقات الـ 109 قد أُبعِدوا عن رغباتهم الدراسية الثلاث الأولى التي يستحقونها بجهدهم وكفائتهم ومعدلهم الدراسي.
ولهذا نقول بكل صراحة، من أجل أن يتعرف الرأي العام على حقيقة ما تقوم به وزارة التربية والتعليم في توزيع البعثات والمنح والرغبات الدراسية، ونطالبها مرة أخرى بنشر أسماء المتفوقين والمتفوقات ومعدلاتهم التراكمية والرغبات الدراسية، ليتبين للجميع إن كان ما ندعيه حقيقة أم أوهام ليس لها في الواقع وجود.
إذا كانت وزارة التربية مطمئنة من عملها وسلامة سياستها ووطنية إجراءاتها، في مجال توزيع البعثات الدراسية والمنح والرغبات الدراسية، وأنها لا تمارس التمييز الطائفي في كل خطواتها، فلن تتردد في تلبية هذا المطلب العادل والشرعي والمنطقي، الذي بتنفيذه تغلق كل الأفواه وترد على كل الادعاءات، فهل تستطيع هذه المرة تطبيق مبدأ الشفافية أم ستصر على التكتم والتعتيم وعدم الاستجابة لهذا المطلب العقلاني؟
إذا أصرت الوزارة على عدم الإفصاح عن الحقيقة، فإن المجتمع والرأي العام، سيعتبره مؤشراً ثابتاً ودليلاً دامغاً، على أن وراء الأكمة ما وراءها، وأن الحقيقة مرة وليس بمقدورها نشرها في الصحافة المحلية للرأي العام.