شكلت السنوات الأولى للعهد الجديد تحولاً مهمّاً في سياسة الدولة تجاه المجتمع المدني ومنظماته، ومناخاً إيجابيّاً للحراك الأهلي والمبادرات المجتمعية. وعلى رغم أنه لم تجر مواكبة تشريعية لهذه التحولات ومن ذلك الإبقاء على القانون رقم (21 /1989) المنظم للجمعيات والأندية الثقافية الأهلية، فقد شهدت تلك الفترة الترخيص لجمعيات أهلية نوعية تتعاطى مع حقوق الإنسان والشفافية بغض النظر عن تشكيل نقابات في وزارات ومؤسسات حكومية؛ وكذلك مجموعات ولجان مدافعة حول قضايا ماضية وراهنة، مثل العدالة الانتقالية، والشهداء، وضحايا المرحلة السابقة والعائدين إلى الوطن، وعديمي الجنسية وغيرها.
كما أنها غضّت النظر عن نشاط هذه الجمعيات واللجان والتشكيلات التي لم تقتصر على نشاطات وطنية بحتة، بل شاركتها منظمات حقوقية وأهلية عربية ودولية. بل إن الدولة ممثلة في الحكومة ومجلس النواب شاركت في بعض هذه الفعاليات والنشاطات على النطاق الداخلي والخارجي. كل ذلك كان مبشّراً بعهد جديد من حرية العمل السياسي والمجتمعي، واعتراف الدولة بدور المجتمع المدني ومنظماته كشريك، أو ما يطلق عليه في الأنظمة الديمقراطية «السلطة الخامسة».
لكن ذلك تغيّر تدريجيّاً وبشكل حاسم في 2006 عندما كشف النقاب عن المخطط المشهور، الذي يتضمن احتواء المجتمع المدني ومنظماته المستقلة وفبركة منظمات أهلية، ودعمها في مختلف الاختصاصات. وكانت الإشارة الواضحة في قمع مسيرة يوم الشهداء في (16 ديسمبر/ كانون الأول 2006)، وسقوط أول شهيد للمجتمع المدني منذ 1999. وقد اتخذت الدولة عدة إجراءات على الصعيد التشريعي والسياسات تجاه منظمات المجتمع المدني المستقلة. فعلى رغم طرح مشروع قانون جديد لمنظمات المجتمع المدني في 2006، والاستعانة بخبرات أجنبية، وعلى رغم تقديم عدة منظمات أهلية مشروعاً بديلاً، فإنه لم يؤخذ برأيها، وجرى تطبيق بعض ما جاء في مشروع القانون من خلال قرارات لوزيرة التنمية الاجتماعية، تستهدف إحكام الحصار على المنظمات الأهلية المستقلة وتجفيف مواردها المالية، بالتعاون مع وزارة الداخلية، بمنع تمويل الجمعيات المستقلة من الخارج وحرمانها من التمويل الداخلي من قبل صندوق التنمية مثلاً، في الوقت الذي لا تطبق هذه الإجراءات على الجمعيات والمنظمات الموالية التي تحظى بكل دعم ورعاية رسمية. كما جرى حرمان المنظمات والجمعيات من الأطر الرسمية الأهلية المشتركة، مثل: لجنة تسيير المراقبة الشاملة لحقوق الإنسان، ولجنة مكافحة الاتجار بالبشر وغيرهما.
وفي ظل تجميد مشروع قانون منظمات المجتمع المدني للعام 2006، وإلى جانب الأوامر الوزارية لكل من وزارتي الداخلية والتنمية، فقد فوجئنا بإقرار مجلس الشورى في جلسته يوم الأحد (28 ديسمبر 2014)، بالموافقة على المرسوم بقانون 50 لسنة 2010 بتعديل بعض أحكام قانون الجمعيات والأندية الاجتماعية والثقافية والهيئات الخاصة العاملة في ميدان الشباب والرياضة، والمؤسسات الخاصة الصادر بالمرسوم بقانون رقم 21/ لسنة 1989، بعد أنه سبق إقراره في غفلةٍ من الزمن من قبل مجلس النواب السابق، وفيه تقييدٌ شديدٌ لعمل هذه الجمعيات والأندية والمؤسسات الخاصة، وحرمان تعسفي لحقوق المواطنين مما يخالف ما نص عليه دستور البحرين فيما يتعلق بحقوق المواطنين والمنظمات الأهلية في الباب الثالث، الحقوق والواجبات العامة. ومن هذه القيود المادة (4) بحظر الجمع بين عضوية أكثر من جمعية تعمل في أنشطة نوعية مختلفة إلا بموافقة الوزير، وكذلك المادة (60) «لا يجوز أن يكون المرشح لعضوية مجلس إدارة النادي أو الاتحاد الرياضي منتمياً لأي جمعية سياسية أو أهلية، كما لا يجوز الجمع بين عضوية أكثر من ناد أو اتحاد رياضي واحد».
إن الانتماء لجمعية سياسية هو حق أصيل من حقوق المواطنة، ويجب ألا يعاقب عليه بحرمان الترشح أو عضوية أي منظمة أو نادٍ أو جمعية أو مؤسسة أهلية، والعكس صحيح. كما أن الانتماء ولأكثر من منظمة أهلية هو حقٌّ للمواطن والمقيم.
ونحن نعرف من الخبرة أنه سيتم تطبيق القانون انتقائيّاً للحد من المنظمات والأندية والاتحادات الأهلية المستقلة، وغض النظر عن تلك الموالية، كما جرى على امتداد السنوات الماضية.
لقد آن الأوان للقطاع السياسي والمجتمعي، بغض النظر عن توجّهات وانتماءات واهتمامات العاملين فيه، التكاتف لإيقاف تطبيق هذه التعديلات القانونية، والعمل على إصدار قانون عصري للعمل في القطاع الأهلي يتماشي مع روح دستور مملكة البحرين، من حيث أن «الأصل هو الحرية»، وأن التقييد هو الاستثناء، ويتماشى مع المعايير الدولية، ومع المواثيق والاتفاقيات الدولية التي التزمت بها مملكة البحرين.
صحيفة الوسط البحرينية – العدد 4503 – الإثنين 05 يناير 2015م الموافق 14 ربيع الاول 1436هـ
http://www.alwasatnews.com/4503/news/read/950156/1.html