قاسم حسين – صحيفة الوسط
في أول صوتٍ يرتفع من جانب مؤسسات المجتمع المدني، بخصوص موضوع التلاعب بالبعثات الدراسية الذي أصبح حديث الشارع البحريني، أصدرت «الجمعية البحرينية للشفافية» بياناً أمس الأربعاء (10 أغسطس/ آب 2016)، طالبت فيه وزارة التربية والتعليم بـ «نشر نتائج توزيع البعثات متضمناً الاسم ونسبة التخرج والجامعة والتخصص… كما كانت تفعل قبل العام ٢٠١١».
مثل هذا العرف هو السائد في الدول الأخرى، تحقيقاً لمبدأ العدالة والتزاماً بمبدأ الشفافية، لكي لا يخرج مواطنٌ واحدٌ – وليس المئات كل عام – يتظلّم مما تعرّض له من حيفٍ وحرمان. وإذا أردنا دولة القانون فهذا هو طريق دولة القانون.
في الكويت على سبيل المثال، تنشر الأسماء والتخصصات وجهات البعثات مع النسبة المئوية. ولذلك لن تجد أحداً يعترض على الإجراءات الملتوية التي تحرم مئات الطلبة سنوياً من استحقاقاتهم الدراسية. ولن تجد في الكويت وسواها من الدول الخليجية والعربية، تشكيل لجانٍ غريبةٍ تقابل الطلبة المتفوقين مسبقاً، وتفرض عليهم عمداً، خيارات لا يريدونها، وتحدّد مسار حياتهم إلى الأبد من خلال لقاء لا يتجاوز عشر دقائق. أي منطقٍ أو أية عدالة، يقبل بأن تحدّد لجنةٌ من شخصين دراستك المستقبلية وتتحكّم في مصيرك؟
الجمعية البحرينية للشفافية أشارت إلى قناعة أولياء الأمور والطلبة بأن «تخصيص نسبة 40 في المئة من الحصول على البعثة أو التخصص الدراسي مرتبط بنتائج المقابلة الشخصية، يعتبر انتقاصاً للجهود الدراسية التي بذلها المتفوق». وأكّدت أن الطالب وولي أمره ھما المعنيان باختيار التخصص الدراسي بما يتناسب وخطة البحرين المستقبلية لاحتياجات البلد. وطالبت الجمعية بإلغاء المقابلة جملةً وتفصيلاً لما يحوم حولها من شكوكٍ كبيرةٍ بشأن «استغلال نتائج المقابلة لحرمان بعض الطلبة من مستحقات البعثة».
«الجمعية البحرينية للشفافية» من الأصوات القليلة التي بقيت من منظمات المجتمع المدني، وقد شدّدت على ضرورة «اعتماد مبدأ المفاضلة والتنافس الشريف بين المتقدمين بدلاً من التوزيع الحالي الذي سينعكس سلباً على المقدرات الشبابية ومستقبل البلاد التنموي». وأشارت إلى تكرر الشكاوي سنوياً من قبل المتفوقين وأولياء الأمور، لعدم منحهم فرصة الدراسات الجامعية بحسب رغباتهم الأولى؛ مما يعتبرونه مصادرة لجهودهم وطموحهم في تحقيق نتائج علمية متقدمة. وبلغة دستورية واضحة، قالت الجمعية إن «الإعلان التفصيلي ونشر نتائج توزيع البعثات الدراسية في الصحافة المحلية تنفيذ لمبدأ الشفافية وحق الحصول على المعلومات الذي ضمنه دستور مملكة البحرين والتحقق من أن وزارة التربية اتبعت المعايير المهنية العادلة والمنصفة في توزيع البعثات على الطلبة المستحقين بدون تمييز أو محاباة».
ورأت الجمعية ضرورة استجابة الوزارة لمطالبات أولياء أمور الطلبة وهيئات المجتمع المحلية، بنشر المعلومات بشفافية، باعتباره حقاً من حقوق المواطنين. وبالمقابل، فإن حرمان هؤلاء الطلبة المتفوقين من التخصصات المطلوبة وبهذه الصورة، «يعتبر خرقاً صارخاً لتعهدات مملكة البحرين كما وردت في اتفاقية مكافحة التمييز في مجال التعليم المنبثقة من المؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة، التي صادقت عليها مملكة البحرين وأصبحت جزءاً من منظومتها القانونية الوطنية». فالمادة 3 من هذه الاتفاقية، البند (أ) تنص على «إلغاء أية تعليمات إدارية تنطوي على تمييز»، والبند (ج) ينص على «ألا تسمح بأي اختلاف في معاملة المواطنين من جانب السلطات العامة، إلا على أساس الجدارة، فيما يتعلق بإعطاء المنح الدراسية أو غيرها من أشكال المعونة التي تقدّم للتلاميذ».
إن من الواضح أن ما تقوم به وزارة التربية والتعليم، أو بعض القوى الدينية أو السياسية النافذة فيها، يتعارض مع الدستور، ومع الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها البحرين رسمياً. وعلى من يدافع عن هذه الإجراءات غير القانونية، بأسلوبٍ سوقي ملتوٍ، بدعاوى اندماج الجماعات، أن يتذكّر أن هذه السياسات أكبر معوقات الاندماج وتشطير المجتمعات، وتتعارض كلياً مع مفهوم دولة القانون.
الوزارة تحاصرها الأسئلة والشكوك، ولن ينفعها من يتصنّع الدفاع عنها على رغم بطلان الحجج الرخوة وتهافتها، ولا مخرج لها من موضع التهمة إلا باحترام الآليات القانونية العادلة، وإعلان النتائج بكل شفافية، و «لا تبوق لا تخاف».
العدد 5087 – الخميس 11 أغسطس 2016م الموافق 08 ذي القعدة 1437هـ