على خفيف
كاتب بحريني: علي صالح
السؤال الذي يطرحه كل مواطن، والذي كان ولا زال متداولاً في جميع اوساط المجتمع البحريني هو: لماذا تأخرت الحكومة عن تقديم الميزانية العامة للعامين 17 -2018 للسلطة التشريعية اكثر من ثمانية شهور، ما هي المعضلة التي تمنع اعلان مشروع الميزانية، وماذا يفعل المسؤولون في مجلس الوزاء ووزارة المالية، وما هو الفرج الذي ينتظرونه وتأحر كثيراً بزوغ نجمه، ولماذا لا يطلعون السلطة التشريعية على المحنة التي يعانون منها؟
ثلاث اجابات وردت على هذا السؤال: الاولى من وزير المالية الذي حضر جلسة مجلس النواب لمناقشة تقرير اللجنة المالية عن الحساب الختامي للدولة للعام 2015 والذي اوصت اللجنة برفضه ووافق مجلس النواب على هذه التوصية لاسباب كثيرة وكبيرة لم يستطع الوزير تنفيذ او التخفيف من اي منها.
ولأن مسألة الموافقة على الحساب او رفضه هي تحصيل حاصل بالنسبة لوزارة المالية والحكومة، فلا الحساب الختامي سيتم تعديله على ضوء الاتهامات والاسئلة والتجاوزات التي وجهت له، ولا ان هذا الرفض سيؤدي إلى اجراء تغييرات في الجهاز الاداري في وزارة المالية وجهات حكومية اخرى مسؤولة عن اعداد ومعلومات وارقام هذا الحساب، فإن النواب سألوا الوزير عن اسباب تأخر مشروع الميزانية 17 – 2018، وكان جوابه غامضاً وخالياً من الارقام، حيث قال: “ان التأخر في احالة الموازنة يأتي في محاولة الحصول على افضل الحلول التي تحافظ على النمو الاقتصادي، وان تأخر مشروع الموازنة له مبرراته، اذ يأتي في سياق اتساع نطاق المشاورات التي تجريها الحكومة مع مختلف الاطراف بما فيها مؤسسات اقليمية ودولية وخبراء”.
وأكد معالي الوزير: “ان الهدف من هذه المشاورات يأتي في محاولة الحصول على افضل الحلول فيما يتعلق بالمستجدات الاقتصادية الراهنة، حيث ان الحكومة تسعى في الموازنة القادمة إلى المحافظة على النمو الاقتصادي ودعم تنافسية الاقتصاد البحريني والحفاظ على نسبة البطالة في المعدلات الآمنة ومعالجة التحدي الكبير المتمثل في الدين العام”.
وعندما سئل الوزير عن موعد محدد او مرتقب لاحالة مشروع الميزانية للنواب التزم الصمت المطبق، الا ان جريدة البلاد المقربة من مجلس الوزراء ذكرت بعد يومين من صمت الوزير “ان مشروع ميزانية الدولة 17 -2018 سيعرض على مجلس الوزراء في جلسته الاثنين القادم 29 مايو او الاثنين 5 يونيو، وانها اي البلاد علمت من مصادرها ان هذه الميزانية ستتضمن خفضاً محدوداً في نسبة الانفاق العام بمختلف الوزارات والجهات الحكومية، واحتفاظ وزارات خدماتية بمصروفات مماثلة او قريبة لما جرى اقراره في الميزانية السابقة، وذلك لئلا تتأثر مشروعات التنمية العامة والاعمار بالاوضاع الاقتصادية الاخيرة”.
المصدر الحكومي الثالث الذي ادلى بتصوراته وتوقعاته عن الميزانية المنتظرة هو وزير شؤون مجلس الوزراء محمد ابراهيم المطوع الذي صرح على هامش حضوره مجلس جريدة الوسط الرمضاني قائلاً: “ميزانية الدولة القادمة امام معادلة صعبة، بين الحفاظ على مكتسبات الاجيال الحالية من جهة، وعدم تحميل الاجيال القادمة اعباء ديون حالية”.
واضاف قائلاً بثقة وتفاؤل: “علينا سنتين حتى لو لم تتحسن اسعار النفط سنكون قد عملنا التوازن المطلوب بما لا تعاني فيه الاجيال القادمة من ديون حالية، والاتتأثر الاجيال الحالية على مستوى الخدمات والمكتسبات”.
ولن نقول بعد ذلك ان الآراء الثلاثة تحدثت عن الميزانية القادمة باتجاهات متباينة فحسب، وغير معززة بالارقام، وان ما اوردته جريدة البلاد هو الاقرب للواقع، فالانفاق العام والمصروفات المتكررة بالتحديد هي دائماً في ارتفاع مع قدوم اي ميزانية جديدة، وهي مصروفات لا علاقة لها “بمشروعات التنمية العامة والاعمار ولا بتقلبات الاوضاع الاقتصادية”.
ومع ان فترة التشاور التي اشار اليها وزير المالية قد طالت كثيراً فان كبار المستشارين الذين استعانت بهم وزارته وعلى رأسهم صندوق النقد الدولي الذي يقول لكم: “ان النمو الاقتصادي عندنا كان في حدود 4.4% في عام 2014 انخفض إلى 2.9% عام 2015 واستقر على ذات الرقم في 2016 والمتوقع ان ينخفض إلى 2.3% في العام الحالي 2017 ثم يستمر في الانخفاض إلى 1.6% في 2018، علماً بأن النمو الاقتصادي الطبيعي للبحرين حسب الصندوق هو 6%.
وحسب الصندوق ايضاً بلغت نسبة الدين العام إلى الناتج الاجمالي المحلي في العام الماضي 82% وسترتفع إلى 89% في العام الحالي ثم إلى 96% العام القادم، وان يتجاوز الدين العام الناتج الاجمالي المحلي في عام 2019 ليصل لاكثر من 13 مليار دينار.
وعن عجز الميزانية المتفاقم فقد ورد في تقرير الحساب الختامي لعام 2015: “زيادة عجز الميزانية واستمرار هذه الزيادة على المدى المتوسط سوف يؤدي إلى تفاقم عجز ميزانية الحساب الجاري وسيضطر الاقتصاد إلى التعامل مع فجوتين هما عجز في الميزانية العامة وعجز في الحساب الجاري لسنوات عديدة، وهذه الفجوة ستخلق اعباء اقتصادية اكبر من الاعباء الناتجة عن فجوة عجز الميزانية العامة وذلك لأن عجز الميزانية العامة يعني عجز في ميزانة القطاع الحكومي فقط، اما عجز الحساب الجاري فانه يعني عجز في الاقتصاد الوطني ككل.
خلاصة هذه التقارير تقول: ان هذه الاختلالات كالعجز في الميزانية العامة والحساب الجاري وزيادة الدين العام وتراجع معدل النمو الاقتصادي سيضع الحكومة امام الخيار الوحيد وهو تبني سياسة مالية ذات طابع تقشفي ستدفع الاقتصاد الوطني إلى حالة الركود.
معالجة هذا الوضع الخطير يحتاج إلى سياسة اقتصادية جديدة ومغايرة وإلى ميزانية شفافة، اما الميزانية القادمة فلا تعدو كونها ميزانية الوقت الضائع المغلفة بالتصريحات والتمنيات المبهمة والادبية! والتي لا يغير صدورها او عدم صدورها من الأمر شيئاً.