في المؤتمر الإقليمي الذي نظمته «الشبكة العربية للنزاهة ومكافحة الفساد»، ورعاه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالعاصمة الأردنية عمان، عرض خبراء الأمم المتحدة الآليات التي توفرها الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد للتعاون الدولي في هذا المجال، وكذلك تدعيم قدرات الدول لمكافحة الفساد.
فقد عرض جيسون ريكلت، (مسئول العدالة الجنائية والوقاية من الجريمة) في فيينا، لأهم فصول الاتفاقية، وعرض الآلية الجديدة للمراجعة الدورية للدول الأطراف في الاتفاقية من قبل دول مختارة، وهو ما يساعد كل دولة على اكتشاف وتفحص نواقصها ومساعدتها في سد ثغراتها. وهو ما أقرّ به مندوب الولايات المتحدة روبرت ليفتال.
الخبير الدولي جوناثان أجرى مقارنةً بين الاتفاقية الدولية والاتفاقية العربية لمكافحة الفساد، وتوصل إلى الاستنتاج إلى أن الاتفاقية العربية هي أدنى من الاتفاقية الدولية من حيث الأحكام والالتزام بها إلى الأوضاع الدستورية لكل بلد عربي، علماً بأن جدية الدول العربية في الالتزام بالاتفاقية العربية مشكوك فيها في ضوء التجارب السابقة.
القاضي الهندي نيهال جايا ويكراما، عرض لمدونة نزاهة القضاة (مبادئ بنجلور، استقلال القضاء لعام 2006) والتي تعتبر اتفاقية دولية انضمت إليها العديد من الدول، دعا الدول العربية للانضمام إلى الاتفاقية والاستفادة من آليات وخبرات الأمم المتحدة، وطرح عدداً من النقاط المهمة:
* إن استقلالية القضاء مهدورة ليس فقط من قبل الدولة بل من قبل الشركات الكبرى أيضاً.
* إن استقلالية القضاء مهدورة في ظل الأنظمة الاستبدادية كما تكشفت في شرق أوروبا.
* في ظل الديمقراطية لا يقتصر تحقيق العدالة على القضاء وحدة بل يشمل منظمات المجتمع المدني كما لا يقتصر على حل المنازعات ولكن يشمل أيضاً قضايا حقوق الإنسان والتعددية المجتمعية، والأخلاق، ومكافحة الفساد ويتطلب الالتزام بميثاق أخلاقي.
* يتطلب استقلال القضاء ونزاهته محاسبة القضاة من قبل القضاة، ويعتمد البعض نظام انتماء القضاة إلى تنظيم ينظّم مهنتهم ويحاسبهم من قبل هيئة منتخبة.
* يجب تسهيل الوصول إلى العدالة، كما يتوجب توفير التدريب الجيد للقضاة وحسن اختيارهم.
مدير مشروع مكافحة الفساد في مكتب الشرق الأوسط وشمال إفريقيا للأمم المتحدة الخبير حسني حسن، عرض من جانبه دور المنظمة في المنطقة، كما عرض إلى دراسة البنك الدولي حول استقلال القضاء في الدول العربية. كما عرض لأهم نتائج المؤتمرات العربية حول العدالة في الرياض والشارقة وبيروت، واقترح من أجل تجديد جهاز القضاء تحديد أن يكون 25 في المئة من القضاة من المحامين.
مسئولة المنطقة العربية في منظمة الشفافية الدولية الخبيرة أروى حسن أشارت إلى أهمية القضاء كملجأ أخير للحصول على العدالة، وخصوصاً من قبل المواطنين العاديين. كما عرضت لمبادئ بنجلور حول استقلالية القضاء وأهميتها، مشيرةً إلى قصور الأنظمة القضائية العربية وخطورة المحكم الخاصة المصمّمة لإفلات المسئولين من المحاسبة، وتجريم الخصوم السياسيين للدولة، وطالبت بإلغائها. كما عرضت لجهود منظمة الشفافية الدولية في تطوير وتعزيز القضاء والتعاون الدولي لمكافحة الفساد، ومن ذلك شبكة دعم الاتفاقية الدولية، ونافخي الصافرات (whistle blowers) وضرورة حمايتهم. وذكّرت بمقاومة القضاة المصريين لفرض وصاية الدولة عليهم كما في العام 2006.
الخبير الأرجنتيني ألن دول عرض تجربة الأرجنتين في ظل التحول الديمقراطي والنظام الديمقراطي في مكافحة الفساد وتعزيز القضاء وحكم القانون، بعد عقود من حكم العسكر الذي تميز بالتسلط والفساد، ما يؤكد ارتباط الديمقراطية بحكم القانون ومكافحة الفساد. ثم عرض لتجربته كخبير للأمم المتحدة في تركيا وتايلاند، لمساعدتهما في تنفيذ الاتفاقية الدولية، ومن ضمن الإجراءات في هذا الصدد تشكيل هيئة وطنية لمكافحة الفساد في كلا البلدين، والإقدام على إدخال تشريعات صارمة، ومحاكم خاصة بالفساد، وأجهزة تحقيق وملاحقة.
وذكر دول أنه لدى وكالة مكافحة الفساد في تايلاند 6000 موظف يتفحصون كل شيء في الحكومة والقطاع الخاص، بما في ذلك الموجودات والعقود والذمة المالية والحسابات. ونوّه إلى أن موت متهم بالفساد لا يضع حداً للملاحقة، بل يستمر مع ورثته. وذكر مثالاً على الفساد في شركة بريتش ايروسبيس، المختصة بصناعة الأسلحة الجوية، في فضيحة عقود مع دول شرق أوسطية، حيث قامت وزارة الدفاع البريطانية بالتحقيق لمدة 18 شهراً، ثم أجرت مقابلات خاصة مع المسئولين وكشفت جميع المتورطين في الفساد، رغم معارضة بعض أوساط الحكومة.
ودعا إلى أن تحدّد الدول العربية أولوياتها في مكافحة الفساد، وتمتلك الإرادة السياسية وتضع الخطة الفاعلة للتصدي للفساد والفاسدين، ويمكنها الاستعانة بأجهزة الأمم المتحدة.
بالنسبة إلى الأرجنتين، فقد عمل ألن دول لمدة 6 سنوات في مفوضية مكافحة الفساد، وعرض لتجربة الأرجنتين في مكافحة الفساد ومنها إعلان الذمة المالية للمسئولين في الدولة والشركات الكبرى، عند تسلّم الوظيفة، ثم سنوياً وبعد نهاية الخدمة.
التوصيات الختامية
عادةً ما تتكرر التوصيات للمؤتمرات العربية، مؤتمراً بعد آخر، وكأن الزمن واقف مكانه، ربما استيحاءً من المثل القائل: «التكرار يعلم الشطار»، ولم يكن مؤتمر عمان استثناءً رغم عاصفة الربيع العربي التي اجتاحت الوطن العربي من أقصاه إلى أقصاه، وأسقطت أربعة أنظمة فاسدة حتى الآن.
قد يكون الاستثناء الإشادة بالربيع العربي بما في ذلك إشادة رئيس الوزراء الأردني فايز الطراونة، في كلمته الافتتاحية، رغم أن غالبية الدول العربية تناصب الربيع العربي العداء!
ومن أهم التوصيات مراجعة دور منظمات المجتمع المدني في مكافحة الفساد بالاعتراف بها وبدورها، وخصوصاً في إطار الشبكة العربية للنزاهة ومكافحة الفساد. وكذلك دور أكثر إيجابية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. كما اقترح أن يكون تمثيل ودور منظمات المجتمع المدني في آليات الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد وآلية المراجعة الدورية الشاملة، مماثلاً لدورها في المراجعة الدورية الشاملة لحقوق الإنسان.
كما تضمنت التوصيات تعاون الدول وأجهزتها القضائية في البلدان العربية التي نجح منها الربيع العربي (مصر وتونس وليبيا وتونس) وخصوصاً في مجال استرداد الأموال وملاحقة الفاسدين من المسئولين السابقين. أما التوصيات الأخرى حول التعاون العربي لمكافحة الفساد وتعزيز النزاهة والشفافية، فهي توصيات مكرّرة لا تجد طريقها إلى التنفيذ.
صحيفة الوسط البحرينية – العدد 3618 – الجمعة 03 أغسطس 2012م الموافق 15 رمضان 1433هـ