فوجئت الجمعية البحرينية للشفافية بقرار لجنة الشؤون التشريعية بمجلس النواب بالتوصية لمجلس النواب بشأن إنشاء هيئة مستقلة لمكافحة الفساد وقالت اللجنة في تقريرها أنها تداولت المشروع بقانون ومواده،
وسعت من خلال مناقشتها واستعراضها للآراء بشأن المشروع بقانون إلى ما يستهدفه من إنشاء هيئة وطنية مستقلة عليا لها صلاحيات قانونية في مكافحة الفساد وتعقب ممارسيه، إلا أنه بالنظر إلى رأي الجهات المختصة ورأي المستشار القانوني لشؤون اللجان تبين للجنة أن الاتفاقية (اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي وقعت مملكة البحرين عليها) لا تلزم أعضاءها بإنشاء هيئة أو هيئات متخصصة لمكافحة الفساد، وإنما لكل دولة من الأعضاء أن تتصرف في ذلك بقدر ما تراه ملائما بحسب الأنظمة والقوانين المعمول بها.
ثم تستعرض اللجنة حيثيات القرار باعتبار أن هناك في قوانين مملكة البحرين ما يكفي لمكافحة الفساد وأنه يمكن تعديل بعضها لتتناول أوجه الفساد.
يأتي هذا القرار الغريب بعكس اتجاه كثير من دول العالم التي لا توجد بها هيئة مستقلة لمكافحة الفساد لتصحيح أوضاعها، كما يأتي مخالفا تماما لالتزامات مملكة البحرين بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد خلافاً لما تدعيه اللجنة حيث جاء في المادة 6 حرفيا:
هيئة أو هيئات لمكافحة الفساد الوقائية
1- تكفل كل دولة طرف وفقا للمبادئ الأساسية لنظامها القانوني وجود هيئة أو هيئات، حسب الاقتضاء، تتولى منع الفساد بوسائل مثل :
أ. تنفيذ السياسات المشار إليها في المادة 5 من هذه الاتفاقية والإشراف على تنفيذ تلك السياسات وتنسيقه عند الاقتضاء.
ب. زيادة المعارف المتعلقة بمنع الفساد وتعميمها.
2- تقوم كل دولة طرف، وفقاً للمبادئ الأساسية لنظامها القانوني بمنح الهيئة أو الهيئات المشار إليها في الفقرة (1) من هذه المادة بما يلزم من الاستقلالية لتمكين تلك الهيئة أو الهيئات من الاضطلاع بوظائفها بصورة فعالة، وبمنأى عن أي تأثير لا مسوغ له. وينبغي توفير ما يلزم من موارد مادية وموظفين متخصصين وكذلك ما قد يحتاج إليه هؤلاء الموظفين من تدريب للاضطلاع بوظائفهم.
3- تقوم كل دولة طرف بإبلاغ الأمين العام للأمم المتحدة باسم وعنوان السلطة أو السلطات التي يمكن أن تساعد الدول الأطراف الأخرى على وضع تنفيذ تدابير محددة لمنع الفساد.
إذاً فالنص واضح، ويعني أن التوصية تشكل مخالفة واضحة للاتفاقية تعرض مملكة البحرين للمساءلة عندما تقدم تقريرها الشامل في 2014 حول تنفيذها لبنود الاتفاقية، حيث ستجري المراجعة بإشراف دولتين عضوين، ويعرض على الدول الأطراف في الاتفاقية. ناهيك عن أن من حق منظمات المجتمع المدني ذات العلاقة ومنها الجمعية البحرينية للشفافية أن تشارك في عملية المساءلة وتقدم تقريرها البديل.
إن مملكة البحرين بمختلف سلطاتها وفي مقدمتها السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية مسئولة عن تنفيذ الاتفاقية التي أضحت منذ التصديق على وثائق انضمامها للاتفاقية في 5 أكتوبر 2010، ملزمة لها وجزءا من التشريع الوطني.
إن عدم تشكيل مملكة البحرين هيئة وطنية مستقلة لمكافحة الفساد حتى الآن هو أحد أسباب تصنيف مملكة البحرين في مراتب دنيا في مكافحة الفساد والشفافية حيث احتلت المرتبة 46 في تصنيف منظمة الشفافية الدولية على جدول مؤشر مدركات الفساد لعام 2011 وكذلك تقارير مؤسسات مالية وحقوقية دولية مثل ستاندرد أند بور وفريدوم هاوس وبيرلتمان والايكونمست، ويسهم في إحجام تدفق الاستثمارات الخارجية والتصنيف الائتماني المتدني.
لقد سبق لكتلتي الوفاق والمنبر الإسلامي أن توافقتا على مشروع قانون حول الهيئة الوطنية المستقلة لمكافحة الفساد في 2008 خلال الفصل التشريعي الثاني وكان هناك قبول له من قبل مجلس النواب، لكن الحكومة ممثلة بوزير شؤون المجلسين السيد عبد العزيز الفاضل، رفضت المشروع، وتعللت بذات الحجج التي ساقتها اللجنه. ورغم ذلك فقد أقرت اللجنة التشريعية بمجلس النواب حينها مشروع القانون ، وجرى تعطيل مشروع القانون بأغلبية وذلك في بداية 2010، لكن مجلس الشورى حال دون إقراره، وأعيد لمجلس النواب وانتهى الفصل الثاني دون اقراره ليعاد مناقشته في الفصل التشريعي الثالث الحالي . والآن وفي ظل تركيبة المجلس الحالية، يراد لهذا المشروع أن يجهض.
إن الجمعية البحرينية للشفافية تتوجه إلى جميع قوى المجتمع الحيلولة دون اجهاض مشروع القانون وتشديد الضغط من أجل تشكيل هيئة وطنية مستقلة لمكافحة الفساد. وعلى مجلس النواب أن يعكس الإرادة الشعبية ويحترم التزامات البحرين الدولية كي لا ينال ذلك من سمعة بلادنا أمام المجتمع الدولي ولكي لا يجد الفساد ملاذا للإفلات من الرقابة.
الجمعية البحرينية للشفافية
15-1-2012