Skip to main content

عبدالله جناحي: البحرين

ركود الأجور في الدول العربية:

ارتفعت الأجور الحقيقية في كل مناطق العالم بالمقارنة مع عام 2023، وتراوحت الزيادات بين 0.3% في أميركا الشمالية و17.9% في منطقة وسط وغرب آسيا، باستثناء البلدان العربية، إذ تشير التقديرات إلى أن متوسّط ​​الأجور الحقيقية ظل مستقرّاً، وفقاً لتقرير الأجور العالمي 2024-2025 الذي أصدرته منظّمة العمل الدولية. لقد قام الباحث محمد الخنسا، طالب الاقتصاد في الجامعة اللبنانية بتحليل هذه الإحصاءات نشره في مقالٍ على الموقع الإلكتروني “صفر”.

يُعرّف الأجر الحقيقي على أنه مقدار المال الذي يكسبه العامل أو الموظّف بعد احتساب التضخّم. وتصبح الأجور أقل قيمة بعد ارتفاع أسعار السلع والخدمات. ويقدّم مقياس «الأجر الحقيقي» صورة أكثر دقة للقوة الشرائية للأجور.

وتوضح الإحصاءات بأنه بين عامي 2006 و2024، بأنه لم يرتفع الأجر الحقيقي في البلدان العربية إلا في 10 سنوات فقط من أصل 19 سنة، بينما ظلّ على حاله أو انخفض في بعض السنوات. ولم يكن الأمر بهذا السوء في أي منطقة في العالم باستثناء أفريقيا.

وهذا يعني أن ركود الأجور هو ظاهرة متكرّرة في البلدان العربية، لذلك لا يتوقّع كثير من العمّال في المنطقة تحسّناً في أوضاعهم مع مرور الوقت، وفي كثير من الأحيان يخشون أن المستقبل لا يحمل لهم إلا الأسوأ، وخصوصاً العمّال الفقراء الذي يشكّلون قسماً كبيراً من عمّال المنطقة.

جمود الرواتب في البحرين:

أما في الدول العربية التي جمدت الرواتب، وفَكّت العلاقة بين زيادة الرواتب وارتفاع التضخم، كما حدث في مملكة البحرين، عندما جمدت الراتب التقاعدي للمتقاعدين بشكل مطلق، وذلك عندما فرضت الحكومة وقف صرف الـ3% كزيادة سنوية على الراتب التقاعدي، وهذه الزيادة السنوية البسيطة جداً كانت بمثابة عامل مساعد لتقليل آثار التضخم على الراتب التقاعدي. وقد أشار الدكتور حسن الماضي، الخبير المالي والعضو السابق في مجلس إدارة التأمينات الاجتماعية بأن (المتقاعد البحريني خسر ما لا يقل عن 27% من القيمة السوقية لدخله منذ أن تم وقف صرف الزيادة السنوية في عام 2021م). ولذلك فإن أغلبية هؤلاء المتقاعدين سينضمون للفئة الاجتماعية التي لا تتوقع تحسينات على وضعهم المعيشي، إسوة بالعمال الفقراء.

ورغم أن جميع الحكومات العربية-بما فيها البحرين- ملتزمة بتنفيذ شروط صندوق النقد الدولي، إلا إنها تتغاضى -وبعمد واضح- لأحدث المراجعات التي أحدثتها مديرة الصندوق على تلك المعايير. فعلى سبيل المثال، ولأول مرة في تاريخ الصندوق تم إدخال مصطلح (كلفة المعيشة) كمقياس لحساب “التضخم”. وقد صرح كبار مسؤولي الصندوق بأنه على حكومات الدول أن (يتخلوا عن معاملة الاقتصاد كالآلات الصماء)، وقد أشارت مديرة الصندوق إلى أن (العلوم الاجتماعية والإنسانية تساعدنا في فهم التحديات الاقتصادية)، أي “أنسنة” الاقتصاد، وعدم التعامل معه كإحصاءات ومنحنيات وجداول رقمية. ذلك أن الاقتصاد المعتمد فقط على الأرقام “الجافة” التي “توجه” صوب ما تريده الحكومات من قوانين وسياسات وإعداد ميزانيات، تحررها من مسؤولياتها الاجتماعية تجاه شعوبها. إن هكذا اقتصاد يؤدي إلى إذلال الشعب. لذلك، فقد بدأ تيار اقتصادي في الصعود في معظم الدول النامية، وهو (الاقتصاد الأخلاقي)، حيث يجعل من “الإذلال” أحد العناصر المرفوضة في السياسات الاقتصادية، وضرورة مراعاة “الكرامة الإنسانية” و”المشاعر” لدى من ستطبق عليه هذه السياسات.

وحسب مقال الخنسا، يشير إلى “فقر العمل”، كما حدّدته منظّمة العمل الدولية، بأنه (الحالة التي يكون فيها دخل العمّال من العمل غير كافٍ لرفعهم وأسرهم من براثن الفقر). واعتباراً من العام 2019، كان 5.2 مليون عامل، أي 10% من إجمالي العمّال في البلدان العربية، يُعتبرون في حالة فقر العمل، ويعيش الفرد منهم مع أسرته على أقل من 2.15 دولار أميركي في اليوم الواحد (وفقاً لمقياس تعادل القوة الشرائية). لقد بلغ عدد العمّال الفقراء نحو 7.1 مليون عامل في العام 2023، أي 12.6% من مجمل العمالة في المنطقة العربية.

معايير خط الفقر عالمياً وبحرينياً   :

وضعت منظمة (الإسكوا) معايير حول “خط الفقر” خاصة بالمنطقة العربية، وهي على النحو التالي:

  1. دخل الفرد السنوي: تعتبر الأسرة التي يقل دخلها السنوي عن 1000-3000 دولار في العام أسرة فقيرة. أي 380-1250 دينارًا سنوياً، أي 32- 104 دنانير شهرياً.
  2. الاستهلاك السنوي: تعتبر الأسرة فقيرة إذا كان الاستهلاك الفردي السنوي أقل من 1000-2000 دولار في العام.

3- الحرمان المتعدد الأبعاد: مثل الحرمان من الغذاء- الصحة- التعليم- المياه- الصرف الصحي- السكن اللائق. إذا كانت الأسرة محرومة من ثلاث من هذه الخدمات، تعتبر فقيرة.

  • مؤشر التنمية البشرية: تعتبر الأسرة التي يقل مؤشر التنمية البشرية الخاص بها عن 0,7 فقيرة. وفي البحرين المؤشر يقدر بـ7 ، وحُسب في الخدمات: الصحة، المعرفة، مستوى المعيشة.

(الإسكوا) تقدر خط الفقر في البحرين بِـ 490 دينارًا شهرياً. واعتبرت عدد البحرينيين تحت خط الفقر حوالي 54 ألف مواطن، أي حوالي 7,5% من إجمالي السكان.

ملاحظات نقدية على نتائج (الإسكوا):

أولاً: منظمة (الإسكوا)، وحتى حكومة البحرين، تستخدمان معادلات “المتوسط” وليست “الوسيط”، وذلك بهدف سحب النتائج صوب الإيجابية، بدل التوصل إلى تقريب أدق إذا ما استخدمت معادلة “الوسيط”. وفي حساب (الإسكوا) لعدد البحرينيين تحت خط الفقر، أي 7.5% حسبتها من إجمالي سكان البحرين، أي المواطنين وغير المواطنين، بدلاً من احتسابها على إجمالي السكان المواطنين فقط. والهدف من ذلك واضح جداً، وهو تقليل نسبة البحرينيين تحت خط الفقر، وهذا ما سنوضحه أدناه.

ثانياً: لدينا في البحرين مؤشر رسمي، يوضح نسبة المواطنين الذين يعيشون تحت خط الفقر. وهذا المؤشر هو “علاوة الغلاء” للأسر التي تقل دخولهم الشهرية عن 300 دينار ولا تزيد عن 1000 دينار، وعددهم 130 ألف أسرة. وإذا اعتبرنا متوسط عدد الأسرة هو أربعة أفراد (الأب والأم وطفلان، دون احتساب وجود الجد والجدة والخدم). ولذلك يصبح عدد الذين يستلمون علاوة الغلاء في حدود 520 ألف مواطن. وإذا علمنا أن السكان من المواطنين عددهم 720 ألف بحريني، أي أن نسبة الفقراء من إجمالي عدد السكان من البحرينيين هي 72%. وحتى نُقَرب الرقم أكثر من النتيجة التي وصلت لها (الإسكوا)، لذا سنطرح من النسبة التي وصلنا إليها والذين دخولهم أكثر من 490 دينارًا، ونكتفي بما حسبتها الإسكوا. لذلك تصبح النسبة حوالي 40% من السكان المواطنين. وحيث أن إجمالي السكان من البحرينيين وغير البحرينيين في حدود مليون ونصف المليون، فإن نسبة المستفيدين من علاوة الغلاء هي بين 30-20 % وليس 7.5% كما قالت الإسكوا.

ثالثاً: مع ذلك لم ندخل في الحساب عوامل موضوعية اقتصادية واجتماعية لازمة في مجتمعنا الحالي مثل اضطرار الأبناء السكن في منازل الآباء، (الأسر النووية الصغيرة نظرياً، ولكن مع زياد السكن العمودي، أصبحت الأسر كبيرة عملياً وجزء كبير من تكاليف هؤلاء الأبناء من دخول الآباء التي تتآكل سنة بعد سنة، فحتى لو كان دخل رب الأسرة المتقاعد غالباً أكثر من 1500 دينار شهرياً، ففي نهاية الشهر لا تتعدى نسبة التوفير 2% من إجمالي دخله الشهري.

رابعاً: فضلاً عن ذلك، المطلوب إضافة سلع وخدمات جديدة في مؤشر “سلة الاستهلاك”. مثل تكاليف الكهرباء في الصيف، شراء سيارات ومكيفات والصيانة، كضرورات في ظل غياب المواصلات الحكومية وووو غيرها. وهذا يعني انخفاض جديد في الدخول، وبالتالي في مستويات المعيشة.

خامساً: رغم أن معدلات الفقر تقاس عالميًا حسب دخل الأسرة، وليس حسب دخل رب الأسرة (الأب). بينما منظومة الدعم في البحرين تعتمد على دخل رب الأسرة (عادة الرجل)، ولا تحسب دخل الزوجة. إلا أن المنظومة البحرينية هذه أكثر ملاءمة لظروفنا من المنظومة العالمية، بسبب غياب أي معلومات تفصيلية عن التكاليف الإضافية على كاهل الأسرة تؤثر على دخلها السنوي، مثل تكاليف العلاج والتعليم والصيانة والرسوم وغيرها، إضافة إلى وجود أسر لا تعمل فيها الزوجة.

الخلاصة العملية في هذا الشأن، هي الإسراع بإلغاء قرار وقف صرف الزيادة السنوية الـ 3% على الراتب التقاعدي، وإرجاعها لهم، وبأثر رجعي كحق مكتسب. بل التفكير الجاد بزيادة هذه النسبة. والخطوة التالية المهمة هي العمل على تأسيس “المجلس الأعلى للرواتب” إسوة كما في العديد من الدول المتقدمة، ونموذجنا هو سنغافورة حيث يقوم هذا المجلس بدراسة سنوية دقيقة حول الإنتاجية والناتج القومي والتضخم أو الركود الاقتصادي، وبالتالي التعامل مع رواتب المواطنين والمتقاعدين بمرونة، وبربطها بهذه المتغيرات الاقتصادية.