Skip to main content

جمعية التجمع القومي 18 ديسمبر 2024م

شرف الموسوي – مستشار الجمعية البحرينية للشفافية

مقدمة

  تعريف، الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد هي خطة شاملة تهدف إلى تعزيز الشفافية والنزاهة والمسائلة، في مختلف مؤسسات الدولة والمجتمع، تتضمن هذه الاستراتيجية مجموعة من السياسات والإجراءات التي تهدف إلى الوقاية من الفساد، اكتشافه، ومحاكمة الفاسدين.

  قائل يقول، طالما إن لدينا قانون العقوبات والقوانين الأخرى مثل الخدمة المدنية والمشتريات والرقابة على تحويل الأموال و وجود ديوان الرقابة المالية والادارية، غيرها من هذه القوانين والجهات الرقابية، ما الفائدة أو الأهمية من وجود استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد؟ والجواب مع وجود كل هذه الأمور وحتى مع توفر استرتيجية وطنية لمكافحة الفساد، طالما إن الإرادة للحد من الفساد و وقفه ومنع الهدر غير متوفرة وبشكل جدي، فلن يحصل تغيير جدري أو تطور في الأداء الحكومي. سيبقى الحال كما هو. ولكن توفر و وجود الاسترتيجية ستوفر معها رادع قانوني مجمع تحت إطار مرجعي واحد حتى وإن تعددت القوانين أو الاجراءات المهم هو الجدية في الألتزام بها. تعتبر الإستراتيجية خطة لبناء منظومة قانوينة متكاملة ضد الفساد. لنذكر مثال على أهميتها: ديون الرقابة المالية والادارية، يصدر تقاريره السنوية والجهات المعنية دائما ما تؤكد على تنفيذ توصياته، ولكن لغياب الجدية في المسائلة فإن الكثير من هذه الملاحظات تتكرر بشكل سنوي، خذ على سبيل المثال سنوياً تتكرر تجاوز المشتريات أو تجزئتها من أجل عدم الالتزام بطرح مناقصات الشراء عن طريق مجلس المزايدات والمناقصات، بمعنى آخر التهرب من الرقابة المالية على المشتريات.

لذلك أعتقد إن هناك حاجة ماسة الى وجود استرتيجية وطنية لمكافحة الفساد. وللأسباب التالية:-

  1. الإلتزام بالتعهدات الدولية وعلى الأخص، اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد المادة (5) والخاصةبسياسات وممارسات مكافحة الفساد الوقائية حيث تنص الفقرة الأولى على “تقوم كل دولة طرف، وفقا للمبادئ الأساسية لنظامها القانوني، بوضع وتنفيذ أو ترسيخ سياسات فعالة منسقة لمكافحة الفساد، تعزز مشاركة المجتمع وتجسد مبادئ سيادة القانون وحسن ادارة الشؤون والممتلكات العمومية والنزاهة والشفافية والمساءلة”.
    1. استكمال المنظومة القانونية المتعلقة بمكافحة الفساد.
    1. الحد من الهدر في أموال الدولة.
    1. استقطاب استثمارات أجنبية.
    1. السيطرة والحد من إنفلات الدين العام.
    1. ضبط المشتريات العامة.
    1. مراقبة الأداء الحكومي ورفع كفاءة العاملين في الجهاز الدوائر الحكومية وغرس قيم المسائلة والمواطنة في موظفي القطاع العام، وتحفيزهم على التصرف بالقواعد الأخلاقية ووفقاً لقواعد السلوك المعتمدة.
    1. اعتماد مبادئ حقوق الأنسان ضمن مبادئ ورؤى الاستراتيجية الوطنية.
    1. تحسين مركز البحرين على مؤشر مدركات الفساد وما سينعكس عليه ذلك من تحسن تصنيف البحرين الأئتماني وبالتالي انخفاض في معدلات فوائد الإقتراض من السوق الدولية.

إعداد الاستراتيجية والمصادر المعتمدة المطلوب توافرها.

  • إصدار القرارات المعنية بتشكيل لجنة تتولى التنسيق لإعداد الاستراتيجية، وتحديد التبعية القانونية والادارية لعمل اللجنة. ومن الأفضل أن تتولى تنسيق إعداد الاستراتيجية هيئة مستقلة.
  • تتولى اللجنة وضع مخطط تنفيذي تفصيلي، يشمل خطة زمنية للإنتهاء من إعداد الاستراتيجية.
  •  ومن الجهات المعنية في المشاركة في إعداد الاستراتيجية:- ( وزارة العدل، البنك المركزي، وزارة الداخلية، مجلس المناقصات، ديوان الرقابة المالية والادارية، وزارة التجارة، وزارة الصحة، غرفة التجارة، المجتمع المدني المعني).
  • إعتماد الاستراتيجية من مجلس الوزراء، ثم عرضها على مجلس النواب والشورى لإصدارها في صفة قانون ملزم للجهات الحكومية والمعنية بالتنفيذ.

المرجعيات الدولية والوطنية لإعداد الاستراتيجية.

  • دستور مملكة البحرين.
  • اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.
  • مناقشات وقرارات مؤتمرات الدول الأطراف في الاتفاقية.
  • مكتب الأمم المتحدة المعني المخدرات والجريمة، ومكتب الأمم المتحدة UNDP.
  • الاتفاقية العربية لمكافحة الفساد.
  • تقرير التقييم الذاتي لعام 2015 الذي أعدته البحرين وما تلاه من تقارير متبعاة للاستفادة من النواقص الواردة في التقرير والتعهدات التي أبدتها البحرين في هذه التقارير.
  • تقارير ديوان الرقابة المالية والادارية.
  • تقارير البنك المركزي.
  • تقارير صندوق النقد الدولي.
  • الاطلاع على تجارب الدول الدول الأخرى.

أهداف الإستراتيجية.

  • إرساء قيم ومبادئ النزاهة والشفافية والحوكمة.
  • تفعيل المساءلة، ومنع الافلات من العقاب.
  • الحد والقضاء على الواسطة ووضع معايير صالحة لتبوأ المناصب القيادية في الدولة. ( هذا ولدنا ما عاد تنفع).
  • تقليل معدلات الفساد في الجهات والمؤسسات الحكومية.
  • تعزيز ثقة المواطنين في الأداء الحكومي.
  • تحسين بيئة الأعمال وتشجيع الاستثمار.
  • ودعم الجهات الرقابية مثل ديوان الرقابة المالية والإدارية ومجلس النواب للعمل على مكافحة الفساد، وإنفاذ القانون.
  • إطلاق حملات توعية لتعريف المواطنين بمخاطر الفساد ووسائل الإبلاغ عنه.
  • تشجيع المجتمع المدني والإعلام على المشاركة في مراقبة جهود مكافحة الفساد.

التنفيذ والمتابعة:

  في البدء من المهم أن تكون هناك جهة مستقلة تتولى الاشراف على متابعة تنفيذ الاستراتيجية، كإطار موحد تتجمع تحتها مراقبة تنفيذ الاستراتيجية، وهنا يأتي أهمية وجود هيئة مستقلة لمكافحة الفساد/ أو هيئة النزاهة أو أي مسمى يتم التوافق عليه. في موضوع الهيئة، لابد من الشارة الى أنه سبق للبرلمان البحريني في العام 2009 – 2010 أن ناقش في اللجنة التشريعية مقترح قانون إنشاء هيئة مستقلة تنفيداً لمتطلبا اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد في البند ( 5 ) وأعيد طرح هذا الموضوع في اللجنة التشريعة لمجلس النواب في العام 2014، و مقترح القانون موجود في أدراج المجلس الذي نطالب بإعادة طرحة ومناقشته مرة اخرى بشكل جدي، لكن للأسف لم يتعدى أدراج مجلس النواب حتى اللحظة وبالمناسبة هذا أحد أسباب تدني مراكز البحرين على مؤشر مدركات الفساد الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية.

  كما يتطلب تنفيذ الاستراتيجية تعاون وتضافر كافة جهود الجهات الحكومية والقطاع الخاص والمجتمع المدني لضمان النجاح. ويجب أن تتضمن آليات متابعة تنفيذ الاستراتيجية تقارير على الأقل نصف سنوية، وتقيمات دورية لقياس التقدم والنجاح في تحقيق الأهداف التي حددتها الاستراتيجية لكي نصل إلى دولة أكثر شفافية ونزاهة ومسائلة والتزام بالقوانين لتحقيق التنمية المستدامة.

تجارب من استراتيجيات لدول عربية وأجنبية.

لبنان. بموجب قرار رقم 174 بتاريخ 18 شباط 2016 شكلت لجنة لهذا الغرض بالتعاون مع القطاع الخاص والمجتمع المدني وعندما تعثرت جهود الأنتهاء من اصدار الاستراتيجية تم الاستعانة بخبراء من ال UNDP في العام 2019 تم تحديث الاستراتيجية، ومن ثم اقرّت الحكومة اللبنانية اول استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد بتاريخ لبنان في أيّار 2020. ويتم اصدار حوالي 4 تقارير لمتابعة تنفيذ الاستراتيجية، بالرغم من الظروف السياسية وعدم الاستقرار في لبنان.

المغرب. أعدت اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد، قادت العمل بالتنسيق مع الجهات المعنية لإعداد الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد حيث بدأ العمل فيها منذ العام 2014 وصدرت الاستراتيجية في العام 2016 لتغطي الفترة الزمنية 2016 – 2025 حوالي عشر سنوات. شارك في الاعداد للاسترتيجية الجهات الحكومية والقكطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني ( 3 ) جمعيات.

الكويت. أعدت استراتيجية الكويت لتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد 2019 – 2024  ” هكذا تسميتها ” الهيئة العامة لمكافحة الفساد التي تم تأنشائها في العام 2016 تحت اشراف لجنة عليا، بدأ العمل في إعداد الاستراتيجية يناير 2018 وأنتهى العمل بها وأعتمادها من أمير دولة الكويت في ديسمبر من نفس العام، وتعاونت الهية مع برنامج الأمم المتحدة النمائي ” UNDP “.

الأردن. بناء علىتوجيهات جلالة ملك الردن عبدالله الثاني، تم اصدار أول استرتيجية للأردن 2008 – 2012 وشارك في الإداد لهذه الاستراتيجية القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني المعنية، عقدت اللجنة المكلفة بالاعداد للاستراتيجية ما يزيد عن 240 ورشة عمل ولقاء للتحضير لها.

السعودية. أصدر الملك عبدالله الاستراتيجية بقرار من مجلس الوزراء السعودي بتاريخ 22/2/1428 ه أي بتاريخ 12 مارس 2007م، ولم يتم تحديثها. تفاصيل الاستراتيجية يغلب عليها في العرض الطابع الانشائي بدلاً من التفاصيل والخطوات التي يفترض أن تتبعها الجهات المعنية. ولكن الواقع يشهد للسعودية تطورها الايجابي في مكافحة الفساد، وأنعكس ذلك على تطور نتائجها على مؤشر مدركات الفساد العالمي حيث تقدمت السعودية في العام 2023 الى المركز 53 عالميا على المؤشر.

موريتانيا. في شهر فبراير 2023 أعلنت الحكومة المصادقة على أول استراتيجية وطنية لمكافحة الرشوة ممتدة على الفترة ما بين عامي 2023 و2030، ومؤسسة على تقييم لوضعية مكافحة الفساد في موريتانيا منذ عام 2010، وعلى الأنشطة التي تم الشروع فيها منذ عام 2019 تاريخ وصول الرئيس الغزواني للحكم. ومن المعروف إن موريتانيا تتبوأ مراكز متأخرة في مكافحة الفساد حسب مؤشر الشفافية الدولية، وكان ترتيبها في العام 2023 هو 130 عالمياً.

سنغافورة. بدأت في اجراءات مكافحة الفساد مـــن الســـتينيات بعد أن استلم رئيس وزرائها ( لي كوان يو ) رئاسة الحكومة وهو صاحب مقولة ” تنظيف الفساد مثل تنظيف الدرج، يجب أن يبدأ من العلى نزولاً للأسفل”، وأول عمل قام به هو التحقيق مع وزراءه تحت شعار من أين لك هذا. اعتمدت سنغافوره على إستراتيجية ذات بعدين الأول: تقلـــيص فـــرص الفســـاد مـــن خـــلال تعزيـــز التشـــريعات القائمـــة لمكافحـــة الكســـب غـــير المشروع، والثاني: زيادة العقوبة على السلوكيات الفاسدة و علــى ســوء اســتغلال المســؤولين لمناصبهم. لذلك نجحت سنغافورة من التقدم اقتصادياً وتبوأ مناصب متقدمة على مؤشر مدركات الفساد الذي تصدره الشفافية الدولية، واستقطاب الاستثمارات الأجنبية نظراً للبيئة القانونية والتشريعية الجيدة. هذا الأنجاز لم يأتي عبثاً وأنما من خلال توفر الإرادة السياسـية في البلاد حيث عملت على استكمال المنظومة التشريعة والاستراتيجية والمؤسسات التي أعطيت فرصة العمل الكاملة.

انتهى