دعا خبراء ومختصون إلى مزيد من الاهتمام بحوكمة الشركات التي تناقض الفساد وتحد منه في القطاع الخاص والعام على حد سواء، مشيرين إلى أن الفساد يسهم في خفض النمو في أي دولة بنحو 1% سنوياً.
الفساد يكلف الاقتصاد العالمي 2.4 تريليون دولار.. ويقلل معدل النمو الإجمالي بنحو 1% سنوياً
خبراء يدعون الشركات لمناقضة الفساد من خلال تطبيق الحوكمة
كتب – علي الصباغ:
دعا خبراء ومختصون إلى مزيد من الاهتمام بحوكمة الشركات التي تناقض الفساد وتحد منه في القطاع الخاص والعام على حد سواء، مشيرين إلى أن الفساد يسهم في خفض النمو في أي دولة بنحو 1% سنوياً.
ورأوا – في ندوة عن «دور القطاع الخاص في مكافحة الفساد وترسيخ النزاهة والشفافية» نظمتها جمعية البحرين للشفافية مساء أمس – أن غياب الشفافية كان أحد أهم أسباب تفجر الأزمة المالية العالمية الأخيرة. ونوه الخبراء إلى أن غياب الشفافية يمثل تحد أمام سياسات التنمية الاقتصادية.
واستضافت الندوة مسئولا في الأمم المتحدة، وممثلاً عن وزارة الداخلية، وآخر عن غرفة تجارة وصناعة البحرين، وخبيرة في حوكمة الشركات.
وقال الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي سيد آغا «إن هناك مصلحة مشتركة بين القطاع الخاص والدول في مكافحة الفساد»، مشيراً إلى أن «الأزمة المالية الأخيرة تعطينا دروساً عن الممارسات غير النزيهة في الأعمال».
وشدد آغا على أن «الفساد يحبط تدفق الاستثمارات الأجنبية، وكذلك الأمر بالنسبة لغياب الشفافية التي تستلزم غياب المعلومات».
وأشار ممثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى أن بعض الدول تعاني من فجوة في التشريعات، وبعضها لا تملك المهارات لمكافحة الفساد، ولذلك فإن الأمم المتحدة تسعى لوضع آليات للتعاطي مع قضية الفساد وكيفية مكافحتها. وشبه آغا الفساد بكرة الثلج التي تتضخم كلما تدحرجت وتصبح بالتالي أكثر فتكاً وتدميراً.
ومن جهتها، قالت استشارية وخبيرة حوكمة الشركات معالي قاسم إن حوكمة الشركات تناقض الفساد بشكل كبير في مختلف الشركات سواء الحكومية أو الخاصة، مشيرة في الوقت نفسه إلى أن حجم الفساد في العالم يزيد على 2.4 تريليون دولار.
وأوضحت أن الفساد الذي يعني استخدام الصلاحيات للاستفادة غير الشرعية يبدو واضحاً في قطاعات كالإنشاءات والهندسة والنفط والاستثمارات. وذكرت أن الفساد في الشرق الأوسط أسهم في كبح النمو خصوصاً في القرن الماضي.
الشفافية تحسّن الأداء وتزيد الثقة
في المقابل شددت قاسم على أن الشفافية تسهم في زيادة النمو إذ انها تحسّن الأداء، وتزيد الثقة في قطاع الأعمال، وتحسن إدارة المخاطر، بالإضافة إلى أنها تساعد على الاستدامة.
ونوهت إلى أن الحوكمة أيضاً التي تناقض الفساد ممكن أن تكون حلاً بحسب رأي قطاع كبير من الخبراء الاقتصاديين.
وتحدثت الاستشارية عن جهود البحرين في مجال الحوكمة، وقالت: «لقد أصدرت البحرين مبادئ لحوكمة الشركات، ووزارة الصناعة والتجارة تقوم بجهود ملحوظة في هذا المجال». غير أنها توقفت عن بعض الممارسات التي تخالف أسس الحوكمة والشفافية.
وقالت: توضح الأرقام بأن 73% من مجالس الإدارات تقصر عرض التقرير السنوي على المساهمين، وذلك يناقض الشفافية، كما أن 50% من الشركات لا تتطرق للاستراتيجيات، فضلاً عن حجب أسماء المساهمين بالنسبة للعديد من الشركات.
أما ممثل غرفة تجارة وصناعة البحرين النائب عثمان شريف فأكد أن البحرين خطت خطوات فيما يرتبط بتحقيق معدلات شفافية مرتفعة ليس بالمقارنة مع دول المنطقة فحسب، بل على مستوى العالم، وذلك بفضل المشروع الإصلاحي لجلالة الملك والمؤسسات التي تمخضت عنه.
وشدد شريف على أن «غياب الشفافية يمثل المعضلة الرئيسية أمام سياسات التنمية الاقتصادية حيث إن البحوث الصادرة عن صندوق النقد الدولي تؤكد أن غياب الفساد وهو نتاج غياب الشفافية يمكن أن يخفض معدل النمو في دولة ما بنحو 1% سنوياً، وهذه نسبة كبيرة وضخمة»، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن «الفساد يضيف حوالي 25% إلى كلفة العقود الحكومية الكبيرة».
وأوضح ممثل الغرفة أن «المستثمرين عادة ما ينظرون إلى شفافية النظام الاقتصادي وخلوه من مظاهر الفساد والتعدي على المال العام بأنه من أهم الأركان التي تبعث الطمأنينة في نفوسهم وتزيل ما قد يساورهم من مخاوف حيال استثماراتهم وحقوقهم»، مشدداً على ان «القضاء على الفساد بكل أشكاله ركيزة أساسية لمستقبل التنمية الاقتصادية وصمام آمان الاقتصاد الوطني».
استثمار حالة الإصلاح لتعزيز الشفافية
ودعا شريف إلى استثمار حالة الإصلاح والشفافية في البحرين في ظل المشروع الإصلاحي والرؤية الاقتصادية التي أكدت على أهمية تعزيز الشفافية والثقة في المناخ الاستثماري.
ومن جانب آخر، قال رئيس شعبة مكافحة الفساد في وزارة الداخلية محمد العبسي: «إن مما لاشك فيه أن الفساد بات يمثل تحديا ً كبيرا ً للحكومات والمجتمعات في مختلف بلدان العالم فهو يعيق الاستثمار ويؤدي إلى تقويض مبادئ النزاهة وإخفاق جهود التنمية، وأن التعاون في مجال الوقاية من الفساد وتعزيز النزاهة في القطاعين الحكومي والخاص يعد أمراً جوهرياً للقضاء على هذه الظاهرة، لذلك سارعت وزارة الداخلية إلى التصدي لهذه الظاهرة الخطيرة عن طريق اتخاذ العديد من التدابير والإجراءات الأمنية».
وذكر على سبيل المثال لا الحصر: إنشاء شعبة لمكافحة جرائم الفساد في عام 2009 تفعيلاً لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، وتدشين الخط الساخن لمكافحة الفساد.
ونوه إلى أن «جهود وزارة الداخلية تواصلت في سبيل القضاء على الفساد وسدّ جميع منافذه حيث تم إطلاق حملة وطنية لمكافحة الفساد في التاسع من ديسمبر لعام 2010 بالتزامن مع اليوم العالمي لمكافحة الفساد، وقد قامت شعبة مكافحة الفساد بتعميمها وتوزيع مطويات تثقيفية في مختلف مناطق المملكة تحتوي على شعار الحملة ورقم الخط الساخن وذلك لتسهيل عملية التواصل مع أفراد المجتمع وتعزيز مبدأ الشراكة المجتمعية، كما تم استضافة مدير إدارة مكافحة الجرائم الاقتصادية في البرنامج الإذاعي الأمني، حيث قام بتعريف الفساد وأنواعه وطرق مكافحته بهدف توعية المجتمع بخطورة هذه الظاهرة».
وكشف أن «شعبة مكافحة الفساد نظمت حملة لتثقيف الشباب وتوعيتهم بمخاطر الفساد ومبادئ النزاهة، وقد ظهرت هذه الحملة بنتائج إيجابية وتلقينا العديد من الاتصالات على الخط الساخن حيث وصل عدد المتصلين خلال الأسبوع الأول من الحملة إلى «70» متصلاً وتم اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة والتعامل مع هذه الاتصالات بكل سرية».
ومن جهتها، لفتت جمعية البحرين للشفافية في كلمة بالمناسبة على أن «العام الجديد يأتي في ظل تمدد الأزمة الاقتصادية على نطاق العالم أجمع. واليوم وبعد مرور ثلاث سنوات فإن الأزمة الاقتصادية تطيح باقتصاديات بلدان متطورة واحداً بعد الآخر، ونحن هنا في مملكة البحرين تأثرنا بها سلبا في بعض القطاعات وخصوصا قطاع المصارف والمال، بما في ذلك إنهاء خدمات بعض الموظفين وارتفاع معدل البطالة في أوساط البحرينيين المتعلمين. وهبوط أسعار العقارات وتراجع الاستثمار».
وقالت الجمعية في الكلمة التي قرأها رئيسها عبدالنبي العكري: «الدرس البليغ الذي تعلمته البشرية هو أن الاقتصاد الرأسمالي الليبرالي الذي كان سائداً وتجسده الولايات المتحدة قد أدى إلى هذه الكارثة، وأنه لا بد من ضوابط ومراقبة جيدة من قبل الدولة للاقتصاد الوطني وآليات السوق».
تفشي الفساد أحد أهم عوامل انفجار الأزمة
ومضت الجمعية قائلة: «أضحى معروفاً أن من أهم عوامل انفجار الأزمة هو تفشي الفساد داخل مصارف كبيرة مثل بنك ليهمان برذرز (LEHMAN BROS) والذي أدى انهياره الى سلسلة من انهيار المصارف الأمريكية ثم الأوروبية. وتدخلت الدول الغربية لتنقذ هذه المصارف من أموال دافعي الضرائب، في حين لم يتكلف مالكي هذه البنوك وإدارتها نصيبهم العادل من التبعات»، مشيراً إلى أن «الفساد في هذه البنوك هو جزء من ظاهرة أعم وهي ظاهرة الفساد في الشركات الكبرى، في ظل تقديس الملكية الفكرية وحرية رأس المال. فقد شهد هذا العام فضائح فساد في شركات كبرى مثل إيرنون و«AIG» الأمريكيتين وسايمنز الألمانية».
وشددت الجمعية على أن «الأزمة الاقتصادية العالمية تسببت في استفحال الفساد على امتداد العالم، لكن وفي ظل الأزمة يزداد الصراع الضاري بين الشركات العملاقة للبقاء والمحافظة على نصيبها من الأعمال وأرباحها، وهنا يكون الفساد والرشوة أحد تجلياته، أحد هذه الأسلحة».
وكشف تقرير منظمة الشفافية الدولية «بارومتر الفساد العالمي 2010» الصادر مؤخرا زيادة وتعمق ظاهرة الرشوة والفساد، وخصوصا فساد قطاعات الخدمات الحكومية والقطاع الخاص أيضا.