Skip to main content

«لا تشترى العبد إلا والعصا معه… إن العبيد لأنجاسٌ مناكيرُ»… هكذا خاطب الشاعر العربي الأشهر أبوالطيب المتنبي والي مصر المملوكي بعد أن لم يجد الحظوة عنده، وترك مصر.

والشاعر المتنبي على رغم عظمته الشعرية، إلا أنه شاعر متكسّب، سار على أثر كثير من الشعراء العرب في التكسب من وراء مدح الحكام والوجهاء. لكنه في هذه القصيدة يكشف عنصريةً بغيضةً لاتزال معشعشةً في الثقافة العربية.

وعلينا الاعتراف أن العرب كشعب اشتهر ومارس التجارة براً وبحراً، فقد كانت المتاجرة بالبشر والعبودية ممارسةً عاديةً عندهم قبل الإسلام وبعد الإسلام. على رغم أن الإسلام حضّ على تحرير العبيد ووضعها ضمن التكفير عن السيئات أو القصور في الواجبات «وتحرير رقبة»، لكن الثقافة العربية العنصرية المتأصلة عميقاً، لم تبالِ كثيراً بتعاليم الإسلام هذه.

كانت المتاجرة بـ «العبيد الأفارقة» واسترقاق الذكور كعبيد والنساء كإماءٍ أو جاريات، من معالم المجتمع العربي والتاريخ العربي، وفي أحيان يعترف السيد ببنوة أبناء الجارية، والاعتراف بحرية العبيد، والأشهر في ذلك عنترة بن شداد فارس بين عبس، الذي لم يعترف بحريته إلا بعد أن صدّ العدوان عن قبيلته بني عبس، وزوّجوه ابنتة عمه عبلة التي هام في حبها. لكن التاريخ العربي لم يسجّل إلا نادراً، حاكماً عربياً أسود ومنهم الإخشيدي.

وعلى رغم التداخل الجغرافي والحضاري والبشري بين العرب والأفارقة، فإن ذلك لم يحل دون تجذر العنصرية العربية ضد الأفارقة السود، لكن العبودية لا تقتصر على السود، فعلى إثر حروب الفتح العربية لما يحيط بالجزيرة العربية شرقاً وغرباً، جرى استرقاق أبناء الأقوام الأخرى مثل الروم والفرس والبربر. وقد اتخذ القادة العسكريون والولاة والخلفاء والوزراء وكبار موظفي الدولة والتجار من الروميات والفارسيات والبربريات، أماءً ومحظيات وجاريات، وفي حالات نادرة، يتم عتقهن والزواج منهن.

لعل من حسنات بريطانيا في منطقتنا، أي الخليج العربي، تحريمها لتجارة الرقيق ومحاربتها، وعلينا أن نتذكر أن الرقّ ظلّ موجوداً في منطقتنا حتى نهاية الستينيات، على رغم تحريم الأمم المتحدة له منذ قيامها في 1945.

أما النزعة العنصرية تجاه السود، فمازالت غائرةً في الثقافة العربية والممارسات المجتمعية، والتي تنعكس في تدني مكانة السود في المجتمع العربي وفي الدولة، وفي قطاع الأعمال وحتى في فئة المثقفين والمبدعين، مع بعض الاستثناءات، وخصوصاً في قطاع الفن، حيث يبدع السود ويجدون في الفن تنفسياً لتهميشهم كما هو الحال في بلدان أخرى، مثل الولايات المتحدة.

تجد هذه الثقافة تجلياتها في تجنب الزواج من السود، وخصوصاً تزويج البنت العربية البيضاء لزوج عربي أسود، حيث يكبح الأهل هذه الرغبة. وكثيرٌ من قصص الحب بين البيض والسود العرب تنتهي بالفواجع ويحرم الحبيبان من تتويج حبهما بالزواج.

ويواجه الحقوقيون العرب هذه المعضلة وخصوصاً في الأوساط الغربية، ونجد أنفسنا في حرج شديد حيث نواجه بالحقائق والنكوص عن الاعتراف بهذه الظاهرة المرضية، وقصورنا عن التصدي لها.

وتزخر التقارير المقدّمة من قبل لجنة مناهضة التمييز التابعة لمجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة بأشكال التمييز العرقي والقومي والديني للدول العربية كلها، حيث لا يقتصر التمييز ضد الأجانب، وإنما ضدّ المواطنين أيضاً، ولا تجد الدول العربية إلا التبرير غير المقنع.

إن على النخب السياسية والثقافية والحقوقية الاعتراف بهذه الممارسات المقيتة، والتصدي لها قبل أن نطلب من الدولة ونحن نعرف تركيبتها وعقيدتها الاستبدادية.

إن الممارسات والمعتقدات والثقافات العنصرية والتمييزية هي حقيقة واقعة في حياتنا وثقافتنا… فلنتصدى لها من دون تبريرات.

عبدالنبي العكري
صحيفة الوسط البحرينية – العدد 3806 – الخميس 07 فبراير 2013م الموافق 26 ربيع الاول 1434هـ