أخبار عاجلة

كوارث الطبيعة وكوارث البشر.. الفقراء يدفعون الثمن (1)

Print Friendly, PDF & Email

عبدالنبي العكري

عقد في مملكة البحرين المؤتمر الدولي لإطلاق تقرير الأمم المتحدة: التقييم العالمي حول الحد من الكوارث، المخاطر والفقر في مناخ متغير، وقد أتيح لي حضور ومتابعة أعمال المؤتمر والتي تمت تغطيتها في الصحف بشكل تفصيلي، لكنني هنا سأعرض بعض الملاحظات في ضوء ما عرض في تقرير المؤتمر المتحدة العنوان الفرعي للتقرير هو الخطر والفقر في مناخ متغير مما يعني إلى جانب عرض مخاطر كوارث الطبيعة وكوارث البشر، التركيز على تأثيراتها على الفقراء في ظل مناخ متغير يفاقم ويتسبب في الكوارث، ومن الواضح في ضوء ما يعرضه التقرير والكلمات والأوراق المقدمة، أن الفقراء هم من يدفعون أولاً ثمن الكوارث الطبيعية وكوارث البشر التي هي أخطر من كوارث الطبيعة.
لا شك أن حضور سمو رئيس الوزراء للمؤتمر وحضور الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، وكبار مسئولي الأمم المتحدة، والمنظمات الإقليمية والكثير من البلدان المسئولين عن رصد ومعالجة الكوارث، يدل على أهمية المؤتمر. وكان من الأفضل إلى جانب المناقشات التي جرت في فندق الريتيز الفخم أن يتفقد المشاركون على الطبيعة الكارثة البيئية التي تسببت بها السياسات الخاطئة للدولة، والجشع للمتنفذين في هذا البلد في ظل تواطؤ صانعي السياسة، ومنها خليج توبلي المنكوب، وقرية توبلي المسممة، واختفاء السواحل والعيون الطبيعية، وتملح المياه الجوفية، وانحسار الرقعة الخضراء والتصحر، والقائمة تطول.

تعاظم الكوارث وآثارها

عرض التقرير لظاهرة تعاظم الكوارث الطبيعية بجميع أنواعها في الفترة ما بين 1990 حتى 2007 وخصوصاً الفيضانات والأعاصير وانزلاق التربة والتصحر والجفاف، لكن ذلك ليس بفضل الطبيعة وحدها بل نتيجة احتلال النظام البيئي العالمي، بفعل عبث الإنسان بالطبيعة مثل قطع الغابات وانبعاث الغازات الأحفورية، وردهم البحار وتجفيف البحيرات، والاستهلاك الزائد لمياه الأنهار والبحيرات واستنزاف المياه الجوفية، وهكذا تداخلت كوارث الطبيعة وكوارث في وضع الإنسان.
تبين خلال التقرير وتقارير الخبراء، أن البلدان الفقيرة والمتخلفة تتأثر سلباً أكثر من الدول المتطورة، في مواجهة ذات الكوارث الطبيعية، وقد أجرى التقرير مقارنة بين اليابان المتطورة والفلبين المتخلفة واللتين تتعرضان إلى كوارث متشابهة مثل الأعاصير الموسمية والزلازل والبراكين فيما يخص الخسائر في الأرواح، والفرق شاسع. كما عرض للخسائر الاقتصادية المترتبة على الكوارث وتأثيرها على زيادة معدل الدخل في عدد من بلدان العالم المتطورة والنامية، فوجد أنها هامشية جداً في بلدان مثل الولايات المتحدة ومرتفعة في مدغشقر.
وفي مقاربة التقرير للآثار المتباينة للكوارث على مختلف شرائح السكان في بلد واحد مثل جنوب الهند، وولاية كالي في كولمبيا وكوستاريكا، فوجد أن المناطق الهامشية التي يسكنها الفقراء في ضواحي المدن الكبرى (مدن الصفيح) والمناطق الريفية التي يسكنها الفلاحون الفقراء أكثر تضررا في الأرواح والممتلكات والبنى التحتية من أحياء المدن الأساسية. كما لذلك آثار بعيدة في إعاقة التنمية، وتفاقم الفقر، وفقدان المدخرات، وفرص العمل، والتعليم وغيره. ذلك مفهوم إذ إن الأحياء الهامشية ومدن الصفيح هشة البنيان، وتفتقد للتخطيط، والبنى الأساسية، والموارد لمواجهة الكوارث.
ويمكن إعطاء نماذج في المنطقة العربية ليتبين لنا أن آثار الكوارث الطبيعية والبشرية ضخمة جدا، ومثال ذلك الفيضانات الناتجة عن الأمطار كما يحدث في اليمن والمغرب والجزائر وبلاد الشام، أو الأعاصير كما في اليمن وعمان، أو فيضانات الأنهار كما في السودان، والتصحر كما في البلدان العربية للصحراء الإفريقية الكبرى والصحراء والعربية الكبرى والانزلاقات الجبلية كما في مصر. والملاحظ أنه بستثناء استعداد سلطنة عمان لإعصار جولز، فإنه لا توجد استعدادات تذكر لمثل هذه الكوارث في البلدان العربية وكأن كل كارثة أو إعصار مفاجأة. وطبعاً فإن الفقراء سواء في أحياء القاهرة أو الدار البيضاء أو في الريف والبوادي في الشام والسودان واليمن هم من يدفعون الثمن الباهض.
الخطير في الأمر أن الصحراء تزحف على الأراضي العربية، وتحول الأراضي الخضراء إلى يباب، وتتفاقم أزمة المياه الجوفية، وتجف الأنهار والبحيرات، وتتلوث البحار والأنهار والبحيرات والمياه الجوفية وبعض المدن العربية مثل القاهرة والدار البيضاء من أكثر مدن العالم تلوثا.

التغير المناخي وآثاره

عرض التقرير للآثار المباشرة والبعيدة المدى عالميا ودرس حالات خاصة لبعض المناطق مثل كولمبيا وسيرالانكا والفلبين.
أصبح مسلما به من قبل العلماء والساسة أن التأثيرات المدمرة للتغير المناخي أضحت حقيقة واضحة. لقد سبق للأمم المتحدة أن عقدت مؤتمرات حول التغير المناخي وآثاره بدءا من مؤتمر ريودي جانيروا، ثم مؤتمر كيوتو والذي تمخض عنه بروتكول كيوتو، وأخيراً مؤتمر كوبنهاجن حيث جرت مراجعة بروتكول كيوتو، وعلى رغم توقيع غالبية الدول على اتفاق كيوتو إلا أن أكبر دولة منتجة للغازات الأحفورية والملوثات الصناعية وهي الولايات المتحدة ليست طرفا في اتفاقية كيوتو، وقد وعد الرئيس أوباما بالانضمام إليها، كما أن دولاً مهمة تشكل مصادر رئيسية للتلوث العالمي مثل الصين والهند والبرازيل ببنود الاتفاقية، وعلى العموم فإن الدول الصناعية الكبرى لا تلتزم بالكامل بالاتفاقية، بحجة أن ذلك يضر باقتصادها وقدرتها التنافسية في ظل اقتصاد معولم ومنافسة مفتوحة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.